ظهر خلال اليومين الماضيين إعلان عن الاشتراك فى صفحة مدفوعة الأجر على الموقع الاجتماعي فيس بوك تحمل اسم "إسرائيل تتحدث العربية" والتي تعتبر الصفحة الرسمية الوحيدة الناطقة باللغة العربية لدولة إسرائيل ووزارة خارجيتها.. تقوم إدارة الصفحة بإرسال مجموعة من الرسائل غير المباشرة والتي تدعو في مجملها إلى التطبيع مع دولة إسرائيل، حيث تقوم بنشر مجموعة من الموضوعات المنشورة عبر موقع تواصل - الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية - والذي يدس وسط أخباره مجموعة من الموضوعات والفيديوهات التي تهدف إلى تجميل وجه إسرائيل ، وعلى سبيل المثال لا الحصر .. أحد الموضوعات بعنوان "مستشفى رمبام في حيفا مثال لتطور الطب في إسرائيل وللتعايش العربي اليهودي" والذي يتحدثون فيه عن أن مستوى الطب العالي في إسرائيل شيء مشهور عالميًا، ولكن الحياة المشتركة بين العرب واليهود في إسرائيل أقل شهرة " وبإمكانكم إلقاء نظرة من خلال هذا الفيلم القصير على ما يحدث فعلًا في أقسام أحد مستشفيات البلاد هو مستشفى رامبام بحيفا والاستماع إلى بعض كبار الأطباء العرب العاملين في المستشفى " ، ويتحدث الأطباء عن ممارستهم للطب علماً بأن ابتكارات عديدة سجلت على اسم طاقم رامبام الطبي وكذلك عن التعاون والتعايش السلمي بين أفراد الطاقم الطبي من أطباء وممرضين عرب ويهود ، وكذلك بين المرضى من أبناء الشعبين الذي يرقدون في غرف المستشفى الواحد إلى جانب الآخر، وموضوع آخر يتحدث عن نساء بدويات من النقب الإسرائيلي قمن بإنشاء خط جديد من منتجات العناية بالبشرة لا يساعد النساء على العناية ببشرتهن فحسب، بل يعمل على زيادة المساواة ورفع مستوى المعيشة عند الطائفة البدوية! . وليس هذا فقط .. بل هناك العديد من الحسابات على الفيس بوك والتي تحمل أسماء عربية التي بدأت تتجاوب مع ما تنشره هذه الصفحة ، فكتبوا مجموعة من التعليقات على روابط هذه الموضوعات على الصفحة والتي تحمل بعض الجمل التي تدعو إلى التواصل مع إسرائيل مثل" نتمنى أن يعم السلام الجميع وان يزرع كل واحد منا شجرة" و "تحية لدوله إسرائيل الديموقراطية على إنسانيتها" وغيرها. وبالطبع كلها رسائل غير مباشرة وموجهة نحو التطبيع مع إسرائيل وتجميل ما أفسدته ممارسة الصهيونية في شتى البلدان العربية، ومحاولة ساذجة لخداع العرب وإغرائهم على التعامل مع إسرائيل..هذا بخلاف موضوعات أخرى تستفز المؤمنين بعدم التطبيع مع إسرائيل ولكن تسللوا للصفحة لمعرفة محتواها، فتجد بعض الرسائل مثل "ربما الأدوية التي تستخدموها أو الأجهزة الطبية التي يستخدمها أطباؤكم هي إسرائيلية الصنع" و " السجل الوحيد للعرب المتبرعين بالنخاع العظمي في العالم موجود في أورشليم القدس..أمر مدهش مش هيك؟" وعلى الجانب الآخر نشروا موضوعات أخرى ملفقة مثل "هل عرفتم أن كل يوم تقريبًا تطلق على التجمعات السكنية الإسرائيلية في منطقة النقب قذائف صاروخية من جهة قطاع غزة؟ وما يجب أن يكون الرد الإسرائيلي على هذه الاعتداءات؟" و "خرائط تاريخية وخرائط معاصرة لدولة إسرائيل نأمل في أن تساهم معرفة المعلومات في فهم أفضل للأحداث" ويستخدمون هذه الموضوعات في الرد على الهجوم الذي يتلقونه من بعض الزوار. كما أوضحوا في قائمة المعلومات الخاصة بالصفحة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أنشأتها على الفيس بوك كمصدر للمعلومات عن دولة إسرائيل باللغة العربية، ومن أجل إطلاع الجمهور العريض على نشاطاتها أولا بأول، كما يتم نشر جميع المواد من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية تحت رخصة Creative Commons Attribution 3.0، بشرط أن يتم في جميع عمليات النسخ والإعادة والبث ذكر المصدر على أساس الإدراك، كما أوضحوا بأن تعليقات الزوار المنشورة على هذه الصفحة ليست معتمدة رسمياً من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية، كما وضعوا تعليمات للزوار بشأن نشر التعليقات قائلين "تشجيعا للتعبير عن الرأي وقيام نقاش مفتوح مع مسئولي وزارة الخارجية، فقد فتحنا باب نشر تعليقاتهم على الحائط، وحددنا خيارا تلقائيا للإطلاع على تعليقات جميع الزوار، لكننا نطلب منكم احترام تعليمات النشر التالية: المضامين العنيفة، الكلام الفاحش، الأقوال البذيئة، الكلام الحاقد والمضامين العنصرية سوف يتم محوها مع منع زيارة مكرري المخالفات للصفحة بدون سابق إنذار، التعليقات التي تنطوي على التهديد أو القذف بشخص أو مؤسسة سوف يتم محوها مع منع زيارة مكرري المخالفات بدون سابق إنذار، الترويج، الدعاية التجارية أو اعتماد أي مؤسسات تجارية أو مالية سوف يتم محوها مع منع زيارة مكرري المخالفات للصفحة بدون سابق إنذار". وبمعنى آخر .. إسرائيل قررت أن تمارس الديموقراطية في التعامل مع الزوار العرب ولكن تحت قائمة من الضوابط التي تكشف عن ديكتاتورية متخفية تحت عباءة ديموقراطية زائفة والدليل على ذلك أنها بالفعل. وعن سبب إنشاء هذه الصفحة فقد أجابت إدارة الموقع عبر رسالة تقول فيها لكل زوارها "لماذا أنشأتم هذه الصفحة؟ العديد سألونا هذا السؤال-إذن- أنشأنا الصفحة لأننا نريد التواصل مع الناطقين بالضاد وتبادل الآراء معهم - وهو الأمر الذي لا تشاهدونه على شاشات محطات التلفاز العربية للأسف الشديد - ونأمل في أن ننجح في كسر بعض الآراء المسبقة".. بخلاف أنهم وضعوا مجموعة من الروابط الأخر لصفحة موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية ولصفحتهم على موقع تويتر وآخر لصفحتهم على اليوتيوب.. أ.د. محمود خليل-أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة يقول: محاولات إسرائيل في فرض عملية تطبيع العلاقات بين الشعوب والمؤسسات في إسرائيل ونظيراتها بالوطن العربي تعود لسنوات طويلة مضت، وفي مصر خصيصا تعود إلى معاهدة السلام التي وقعت عام 1979 ، وكانت هذه المحاولات في الماضي تبوء بالفشل لأن الكثير من المؤسسات المصرية ترفض التطبيع مع إسرائيل بشكل رسمي، ولذلك اتجهت إسرائيل للتعامل المباشر مع القاعدة الأوسع وهي الشعوب من خلال الأنشطة التي تقوم بها السفارات وبشكل أكبر من خلال الإعلام الموجه والمواقع الإلكترونية والتي من خلالها تلعب على وتر ازدياد معدلات البطالة وأن هناك في إسرائيل فرص كثيرة للعمل وللأسف أنساق بعض الشباب وراء هذه الدعوات بل وفاق ذلك بأن تزوجوا من إسرائيليات أو من عرب 48 ممن يحملن الجنسية الإسرائيلية، وقد استطاعت أن تفعل ذلك نظرا لكونها دولة متقدمة تكنولوجيا ولذلك تستخدم التقنيات الحديثة خاصة وأنها تعلم أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر والعالم العربي في تزايد مستمر وليس هذا فقط بل أن الشباب العرب يعتمد عليه في التعرف على وجهات النظر في القضايا المختلفة ولهذا فقد اختارت هذا المدخل، والمسألة هنا تتجاوز استخدام إسرائيل للغة العربية لتوصيل المضامين التي تلعب على أوتار التطبيع بينما تحاول توظيف المواقع الإلكترونية لتفكيك المجتمعات المصرية والعربية مستخدمين المساحة الأكثر رخاوة وهم الشباب الذين لم يعيشوا في فترة الحروب وخرجوا للدنيا في وجود معاهدات السلام، ولذلك استخدمت لغتهم للوصول إلى عقولهم بل وأحيانا تستخدم إسرائيل عناوين إسلامية للتغلغل داخل الشباب المتدين، فإسرائيل تجتهد على كل المستويات لترسيخ فكرة التطبيع الثقافي رهانا منها أن الثبات على خلفية ثقافية قد يصل إلى التطبيع على المستوى السياسي والاقتصادي والتعليمي فيما بعد.