نظمت الإدارة العامة للشئون القانونية بقاعة محمد حسنين هيكل بالأهرام ندوة حول الصحافة بين القانون والسياسة أدارها الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام كان ضيفها الدكتور مصطفى الفقى .. تصوير: محمد لطفى حضر الندوة عدد كبير من قيادات وكتاب المؤسسة يتقدمهم الكاتب الكبير صلاح منتصر والدكتور طه عبد العليم مدير عام المؤسسة والأستاذ طارق حسن رئيس تحرير الأهرام المسائى والدكتور عبد العاطى محمد رئيس تحرير الأهرام العربى وفوزى العريان مدير الإدارة القانونية .. فى بداية الندوة قال الدكتور عبد المنعم سعيد : هناك أزمة بين ما هو موجود فى الدستور والأعراف حول حرية الرأى والتعبير بشأن مختلف القضايا لأنه لو الأهرام مثلاً خرجت وقالت أن هناك شركة ما أفلست فإن هذا يؤدى بالقطع إلى كوارث وخسائر فى البورصة وفى أموال الأفراد ..إذن ماذا يقال وماذا لا يقال هذه قضية أمن قومى ، ولكن أمن المجتمع وكلام الوحدة الوطنية ربما يؤدى إلى كبح جماح حرية التعبير ..فهى مسألة موازنة بين قضايا دقيقة ومن هنا نتوجه إلى أصحاب الرأى والحكمة ويسعدنى أن أقدم صديقى وأخى الدكتور مصطفى الفقى ، فهو عميد خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لما تولاه من مناصب وما حققه من نجاحات حيث أنه دبلوماسى عريق خدم فى مواقع حساسة فى الهند ولندن حتى أصبح سفيراً لمصر فى فيينا ومساعداً لوزير الخارجية ، وهو أيضاً سياسى عمل فى مكتب رئيس الجمهورية كمسئول عن المعلومات وهو الآن يشغل منصب رئيس لجنة الشئون العربية والأمن القومى فى مجلس الشورى، وهو أيضاً كاتب ومفكر وعندما تجتمع الدبلوماسية والسياسة والفكر فهذه مسألة تحتاج إلى توازن دقيق وهذا التوازن قد يجعل الإنسان يكتب بكلمات باردة كثيراً لكن الفقى نجح فى أن يكتب بطريقة جذابة ويفتح موضوعات بحرية ، و الصحافة الآن هى فاعل سياسى فى مصر لأن الصحفيين المصريين ليسوا عاديين وإنما هم ينتمون لأحزاب سياسية ويحملون وجهات نظر سياسية ويقومون بحملات سياسية تطرح قضايا بداية من تزييف الانتخابات إلى كيف يكون شكل مصر فى المستقبل وكيف تكون هناك تعديلات دستورية . بعد ذلك بدأ الدكتور مصطفى الفقى كلمته قائلاً : أشكر الدكتور عبد المنعم سعيد أحد زملاء الدراسة ورفيق العمر على تقديمه السخى لى، فالدكتور عبد المنعم سعيد هو مفكر بالدرجة الأولى، وهو تخرج بعدى بسنوات وكان اسمه يتردد كثيرا منذ الثمانينات .. الأهرام بالنسبة لنا هو مدرسة فهى الصحيفة الأقدم والأكثر مصداقية واحتراماً ، وكما هو معلوم الصحافة هى آية هذا الزمان فالصحافة سلطة رابعة وكلمة السلطة هى تعبير قانونى فهى بنت المجتمع تلبى احتياجاته وتستجيب لرغباته ، وقوانين النشر يبدو تأثيرها مباشراً على الصحافة وكان يمكن أن تستخدم لضرب الصحافة ولكن الرئيس مبارك رفع الحبس الوجوبى فى قضايا النشر وأعطى مساحة حرية تليق بمصر ، وأنا لا أتصور أن أجد صحفياً خلف القضبان على رأى كتبه مع أن تجاوزاتكم كثيرة والحمد لله، والصحافة تتأرجح بين القانون كإطار عملى وبين السياسة كمضمون، وبين الصحفى والسياسى خيط رفيع .. أنا أتفق مع الدكتور عبد المنعم سعيد فى أن الصحافة فاعل سياسى فى الحياة بل أنها أحياناً تسبق القرار السياسى بل وتدفع الدولة وتلزمها أحياناً لاتخاذ قرار أو إصدار قانون، أنا أريد أن أقول أننى سعيد لأن الأهرام فى الفترة الأخيرة ظهرت بها مساحة حرية أكبر كما أصبح لأخبار معينة مكان بها لم يكن متاح فى الوقت السابق ونحن فى فترة تحول أقرأ الصحف القومية وهى صحف رسمية وليست صحفاً حكومية ، فأجد أخباراً تسر وصوراً وردية وإذا قرأت الصحف المعارضة أو المستقلة ستصاب بالاكتئاب فلن تجد فى مصر إلا الانحراف والفساد والضياع والفقر وتشعر أن الكاتب له هدف معين فيطوع الخبر حسب هذا الهدف وكأن مصر أصبحت جثة هامدة ، حتى العرب أصابتهم حالة ذعر مما يقرأوه عنا لكن الحياة ليست بهذه الصورة مع أن هناك مشكلات بالفعل مثل تنامى العلاقة بين السلطة والثروة وبين تداخل الدين والسياسة عامل تشدد وتطرف كل ذلك نحن على وعى به من زمان، لكن مصر ليست دولة منبطحة .. وأضاف د. مصطفى الفقى قائلاً : نجد مثلا قناة الجزيرة تحكمها عملية الانتقاء يعنى عمرهم ما راحوا يزوروا أرض المطار الجديد، أو يذهبوا لمكتبة الإسكندرية لمعرفة دور مصر ونهضتها الثقافية لكن للأسف هناك انتقاء للجوانب السلبية فى حياة المصريين وهو انتقاء تحكمى تحكمه الكيدية، وهذا أمر غير طبيعى، من الناحية القانونية المسألة صعبة لأنك بصدد كلام مرسل لا تستطيع أن تتلمسه وبالتالى يفلت صاحب الإثارة أو الخبر المدسوس من تحت طائلة القانون، وهنا نتسائل كيف نضع الحدود والضوابط للموضوعية مع الأخذ فى الاعتبار أن الكاتب هو فى النهاية هو إنسان تحكمه مشاعر وعواطف ومصالح تنعكس عليه والمشكلة تزداد سوءاً لأن الأمية تبلغ نحو 50 % وقراء الصحف حوالى 10 % وستظل الصحافة المقروءة متربعة على عرشها وستظل آية هذا الزمان لسنوات طويلة قادمة، وخيراً لى أن أرى تجاوزات صحفى عشرات المرات من أن أرى صحفياً يجازى بسبب خبر نشره، والإمام الشافعى يقول رأيى صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب، وفولتير أيضا قال إننى مستعد أن أدفع حياتى ثمناً لرأى أختلف معه، يجب أن نسعى لتربية كوادر من الصحفيين الذين يدركون قيمة هذه المهنة وقدسيتها وتأثيرها وأنا أسأل : لماذا أحتل أحمد بهاء الدين هذه المكانة ؟ الإجابة ليس بسبب خبطاته الصحفية وإنما بسبب درجة الجدية والموضوعية واللاتقليدية فى طرح القضايا وهذه دعوة لتربية الضمير الصحفى، والمهنة الآن تلتقط عدد ضخم من الهواة والأجيال الجديدة من الصحفيين لم تقدم أحمد بهاء الدين ولا محمد حسنين هيكل ولا مكرم محمد أحمد ولا د. عبد المنعم سعيد، وهذا ما سوف نراه بعد 30 سنة ولهذا يجب أن تحدث تربية صحفية سليمة وإلا ستتأرجح الأجيال الجديدة بين طائلة القانون والضياع السياسى، ومهنة الصحافة هى القيام بدور الشرطى على ضمير المجتمع، لكشف الفساد ولكن هناك أدوات وضوابط ونحن نعيش الآن مع جيل الوسط الذى تلقى التعليم والتدريب لكن الجيل الجديد غير مدرك للأبعاد القانونية والسياسية والصحفيون الجدد ليسوا على مستوى المهنة ، أيضاً هناك قضية أخرى وهى زحف الاعتبار السياسى على ضمير الصحفى وأنا شخصياً أرفض مبدأ الانسان المستقل، فالمفروض أن أى إنسان يكون له نظرة تقييميه للأمور، والصحفى ممكن يكون حزبياً، والعقاد فى فترة من حياته كان صحفىاً حزبياً، وإنما لا يؤدى ذلك إلى الشطط فى ميوله السياسية أو إلى عدم الموضوعية والصحفى ذو العقل الممنهج أفضل من الصحفى السايب فأنا مثلا أنتمى للحزب الوطنى ولكنى مازلت أرى أن الانتخاب بالقائمة النسبية أفضل، أيضا أنا ضد ترشيح الوزراء فى الانتخابات البرلمانية لأنه أسلوب معكوس ولا يحقق القدر المطلوب من العدالة ولكن للسلطة فى مصر بريق ليس له نظير فى أى دولة أخرى فى العالم لأن تاريخنا فرعونى، وأنا شخصيا ضد كل ما تكتبه المعارضة عن مصر وعن النظام ، وهناك نظريتان للأمور فإما أن تجلس على ضفة النهر وتضع رأسك على خدك وتقعد تندب وتشجب أو تضع نفسك فى نفس ضفة النهر مع النظام وتشوف ممكن تقدم إيه، ويجب أن نعلم أن مصر دولة لن يستطيع الشارع تغيير النظام فيها فهذا يتم إما بشكل ذاتى من داخل النظام أو بتغيير بالثورة المسلحة، أما الثورة المخملية أو الأحلام الوردية فهى كلام فارغ، ولو عملوا استفتاء أشرفت عليه الأممالمتحدة لاختيار رئيس الدولة سيكون أيضاً الرئيس مبارك ، أيضا ما حدث فى الانتخابات الأخيرة من تجاوزات أنا أقول أنه لم يكن مصدرها الدولة وإنما من مرشحين ضد مرشحين واللى يدخل الانتخابات تانى مرة يبقى مجنون لأنها معركة لا تحكمها الشعبية أو الصلاحية وإنما تحكمها التربيطات و العصبيات أنا عايز أختم كلامى بقول مأثور : رب يوم بكيت منه فلما رحلت عنه بكيت عليه!! والتقط الدكتورعبد المنعم سعيد طرف الحديث حيث قال : أنا أركز دائماً على المهنية فهى بقواعده يمكن ان تنجينا من التأرجح بين السياسة والقانون فالمهنية هى المنقذ لنا وأنا عمرى ما ارتحت لكلمة السلطة الرابعة فالسلطة لها القدرة على التغيير أما الصحافة فهى تقول وتنشر باعتبارها من مصادر المعرفة وأنا أرغب فى أن أقول خبر وهو أننا نوزع فى الأهرام 90% من الصحافة المصرية وأن الصحافة ذات الصوت العالى كلها تتراجع فى معدلات توزيعها وان الصحافة المعقولة والجادة كلها ثابتة فى مكانها. وبعد نهاية الحديث تم فتح باب النقاش والمداخلات ، حيث تحدث فى البداية الأستاذ عبد العاطى محمد رئيس تحرير الأهرام العربى فقال : لو حققنا بناء الكوادر الصحفية وحققنا المهنية فإن ذلك لن يكون كافياً والمشكلة لن يتم حلها لأن هناك مزاج عام لدى القائمين على المهنة من أن الرأى العام الذى يتلقى الإعلام هو مزاج يميل إلى تقبل الهجوم والنقد بينما أصبح الحياد أقل تأثيراً. أما الدكتور طه عبد العليم فقال : يجب بذل الجهد لإقرار قانون حول تداول المعلومات بحيث يضع حدوداً وافية تسمح للصحفى بأن يمارس حريته فى ضوء المسئولية المهنة والصحفية، فما هو مصير مثل ذلك القانون ؟! أعتقد أنه من الممكن أن يحل الكثير من المشكلات . كما دارت مناقشات أخرى حول دور الصحافة كسلطة رابعة وحول تأثير الرأى العام فى مصر ، وعقب الدكتور مصطفى الفقى على هذه المداخلات بأن ظاهرة الرأى العام فى مصر شديدة التأثير ، فالرأى العام المصرى هو الذى يقود الرأى العام فى المنطقة وليست الصحافة المصرية هى التى تراجعت ..ولكن كما قلت الأجيال الجديدة شبت عن الطوق..ونحن لم نتراجع ولكن الآخرين تقدموا والحضارات يحدث لها فترات صعود وفترات هبوط ، وأنا أذكر أيضاً أن مساحة الحرية الممنوحة للصحافة غير مسبوقة فى العصر الملكى والجمهورى وسيذكر التاريخ للرئيس مبارك هذا القدر من الحرية.