عندما تذهب إلي هذا المكان ما عليك إلا أن تترك عينيك لتتحركا تلقائيا وتتأملا كل صغيرة وكبيرة في المكان , وبعدها تطلق العنان للسانك ليعبر إلا أنه لن يستطيع وصف ما يراه , ولا يكون أمامه شيء سوي أن يقول سبحان الله في خلقه , نتحدث عن قطعة من نهر النيل , اسمها منطقة بين السدين , تقع في منشأة القناطر التي تقع علي امتداد الجانب الغربي للنيل علي فرع رشيد . في هذا المكان يختلط جمال الطبيعة بحياة البسطاء البدائية , بكفاح الصيادين وبحثهم عن لقمة العيش , وفي نفس الوقت نجد زوار المكان الذين يستمتعون بهذا الجو الجميل , تركيبة غريبة قلما نجدها في أي مكان , أول ما يلفت نظرك في هذا المكان هو العشش البسيطة المنتشرة علي جانبي النهر , ويسكنها أشخاص بسطاء . أول من التقيناه هو عبد السميع خالد والذي قال : إنه يأتي لهذا المكان من بعد صلاة الفجر مباشرة ويظل فيه حتي غروب الشمس , هذه حياته منذ 30 عاما تقريبا , فمن هذا المكان يبحث عن لقمة العيش لأبنائه ال 7 الذين التحقوا بالتعليم منهم 3 طلاب جامعيين والباقون في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية , عمله الأساسي هو الفلاحة , والعمل بالأجرة كمزارع , ولكن في فصل الصيف يعمل في الصيد سواء عن طريق الشبكة أو بيده فهو لديه خبرة الغطس تحت الماء ومسك السمك بيده , وأولاده جميعا يجيدون هذه المهنة ويساعدونه في بعض الأوقات , دخله من هذا العمل ليس ثابتا , فهو رزق من الله فقد يصل ما يصطاده في اليوم لأكثر من 10 كيلو جرامات من السمك , وقد لا يتخطي الكيلو الواحد , حيث يبلغ سعر الكيلو حوالي 12 جنيها . ## استمرت الجولة في هذا المكان ووجدنا عشة مليئة بالشباك يجلس فيها رجل عجوز عمره 70 عاما واسمه الحاج محمد عبد الحفيظ , قال : إنه يعيش في هذا المكان منذ أن كان عمره 20 عاما ورث مهنة الصيد عن والده وأجداده , ولكن بعد فترة بدأ يقوم بتصنيع الشباك ومستلزمات الصيد للصيادين . بعد أن تركنا هذا الرجل لاحظنا انتشار عدد كبير من المراكب والتي لا تتخطي مساحتها مترا مربعا , مصنوعة من الفل الأبيض المضغوط ويحيط به لوحان خشب أبلكاش وبها مجدافان صغيران ولا تسع إلا لشخص واحد فقط , حيث يستخدمها , سألنا أهل المنطقة عن سر هذا المركب , فدلونا علي إبراهيم عبد الجواد , وهو أول من ابتدع هذا النوع من المراكب وأول من صنعها منذ ما يقرب من 5 سنوات , حيث تتكلف صناعتها حوالي 200 جنيه , وهناك من لا يفضل تملكها فيقوم بتأجيرها مقابل 10 جنيهات في اليوم الواحد , ويستخدمها الأشخاص الذين يصطادون بالسنارة وتحديدا في شهري أغسطس وسبتمبر , حيث يفضل السمك البلطي في هذا التوقيت المياه العميقة والجارية وهذا غير متاح إلا في وسط النيل . أبو السعود عبد الله هو أحد الأشخاص الذين وجدناهم يستخدمون المركب المصنوع من الفل , قال : إن استخدام هذا المركب في الصيد متعة , وفي نفس الوقت صعب ويحتاج نوعا من التدريب والتعود علي استخدامه , وأن تكون ماهرا في العوم , لأنك تكون وسط مياه النيل العميقة علي مركب صغير جدا , حتي أسلوب الصيد بالسنارة عليه يحتاج لنوع من الحرفية , وعندما يصطاد يأخذ معه كل حاجاته من أكل وشرب وشمسية لحمايته من أشعة الشمس , ويصل رزقه في اليوم لحوالي 3 كيلو , ولكن كل من يستخدمون هذا المركب هم هواة الصيد وليس من محترفي الصيد كمهنة . ## تحركنا قليلا , ثم وجدنا عددا من الشباب يسيرون علي أقدامهم وسط النيل اقتربنا أكثر لنجد أنه هناك ما يسمي بالسد وهو عبارة عن سور من الحجارة الكبيرة موجود بداخل المياه يربط ضفتي النهر ببعضهما ويمكن أن تعبره علي قدميك , فعلي الجانب الأيمن من السد يصل عمق المياه لأكثر من 30 مترا , أما جانبه الأيسر فيوجد عليه كمية من الحجارة غير المنتظمة والتي تمتد لمسافة 20 مترا بعرض النهر , لتكون ما يشبه الشلالات حيث ينتشر عليها البوص الأخضر ويتجمع عليها أنواع مختلفة من الطيور , ويبلغ طول السد الذي يربط ضفتي النيل حوالي 700 متر , ووسط هذه الحجارة لاحظنا وجود عدد من الأشخاص يقومون بالصيد باستخدام السنارة وهناك من يصطاد السمك بيده , وفي الوقت الذي يبحث فيه اشخاص عن لقمة العيش تجد هناك آخرين يستمتعون بجمال المكان حيث يعبرون السد علي أقدامهم من احدي ضفتي النهر إلي الجهة الأخري , الغريب في هذا السد هو النقوشات والكتابات والذكريات التي تركها الزائرون عليه فهناك تواريخ ورسومات لقلوب وعبارات ورسالات كتبها أشخاص , كل هذه تظهر من تحت طبقة الماء الرقيقة فوق السد . يوسف الجمال هو أحد الأشخاص الذين وجدناهم يصطادون بالسنارة وسط الحجارة المحيطة بالسد , قال : إن متعته الحقيقية في الصيد في هذا المكان , بالرغم من ان البعض يعتبرها بهدلة , إلا أن هذه هي هوايته التي يحبها منذ صغره , وهو يفضل هذا المكان حيث إن الأسماك تتجمع بكثرة وسط الحجارة والحشائش التي تنمو بجوارها . رمضان جمال الدين 34 سنة أحد سكان المكان قال : إن هذا المكان بالإضافة إلي كونه مصدر أرزاق للعشرات من الصيادين , فهو أيضا مكان جذب سياحي سواء للمصريين أو الأجانب , حيث يزدحم هذا المكان بالزوار في ايام العطلات والأعياد . محمد إبراهيم 40 سنة هو أحد أصحاب المراكب التي تملأ المنطقة اصطحبنا في جولة بمركبه وسط النيل , حيث توجد 4 جزر أكبرها تبلغ مساحتها نحو 300 فدان وهذه تمتد من منطقة منشأة القناطر حتي أول حدود محافظة المنوفية , أما ال 3 جزر الاخري فمساحة الواحدة منهما نحو 6 قراريط وهذه مملوكة لوزارة الموارد المائية والري وإن كان يسكنها الصيادون , ويقيم بعضهم عليها في عشش بسيطة . خميس أبوالدهب أحد الصيادين الذين يقيمون في عشة مصنوعة من الخشب والبوص علي إحدي تلك الجزر قال إنه مقيم في هذا المكان , ولكن ليس بشكل دائم , فهو يذهب لزيارة أسرته التي تعيش بقرية منشأة القناطر من وقت لآخر , ويصف الحياة علي هذه الجزيرة وسط النيل بأنها أكثر من رائعة , فهو يشتري معظم حاجاته من الأكل والشرب والتي تكفيه لمدة أسبوع , كما أنه أيضا يشتري الأشياء التي يحتاجها الصيادون خلال عملهم اليومي من أكل وشرب وأدوات وغيره , ويستغل وجوده في هذا المكان ليبيع لهم مايحتاجونه , لكن أجمل ما في هذا المكان هو السهرات التي نقيمها في هذا المكان حيث يأتي لهذا الأماكن بعض الأسر ويطلبون منه أن يجهز لهم ويقوم بعمل سمك مشوي لهم , كما أن الأعياد والمناسبات تمثل بالنسبة له مورد رزق كبير .