"الاسابيع المقبلة قد تكون الأخطر في رحلتي المحفوفة بالمطبات، اصراري على نشر الوثائق جعلني أعيش في وضع استثنائي فأنا الان طريد تلاحقه أشباح المخابرات الغربية" هكذا تحدث جوليان اسانج صاحب موقع ويكيليكس عن نفسه في المؤتمر الصحفي الذي عقده في لندن امس.. ما قاله اسانج عن نفسه ليس بعيدا عن الحقيقة كما لا يحمل أي مبالغة، فقد نشر موقعه من قبل وثيقة للمخابرات الأمريكية تقول أن الموقع يمثل تهديدا للجيش الأمريكي، وقد أكدت الادارة الأمريكية ان هذه الوثيقة حقيقية بالفعل!! في عام 2006 قام الشاب الاسترالي جوليان اسانج باستغلال خبرته في القرصنة الإلكترونية، أو ما يسميه أصدقاؤه بالذكاء المقترب من العبقرية أحيانا والجنون أحيانا أخرى، استغلها في تأسيس موقع ويكيليكس الذي أحدث إنقلابا في طريقة الكشف عن الفساد والجرائم السياسية، فالموقع يقوم بجمع الوثائق بالجملة ونشرها مرة واحدة . يقول أصدقاء أسانج أن عبقريته جعلته يصاب بنوع من جنون العظمة يجعله لا يدرك عواقب ما ينشره من أسرار وأنه وحده من يتخذ قرار نشر الوثائق وطريقة النشر وموعدها ويختار ما يتم حذفه منها وما يتم تركه. إلا أن أسانج لا يتخذ تلك القرارات إلا بعد مراجعة الوثائق من قبل خبراء الموقع للتأكد من صحتها ، ويتيح الموقع لأي فرد أن يتقدم بوثائق للموقع دون ان يكشف عن هويته، يقول اسانج "لدينا وسائل تشفير عالية الآداء للمحافظة على سرية عملائنا كما نقوم بتمريرها عبر وسائط في بلجيكا والسويد حتى يتمتع اصحاب الوثائق بحماية قانونية إذا ما كشف أمرهم".. اسانج نفسه يحيط كل ما ينتمى إليه بالسرية فهو يغير رقم تليفونه كما يغير قمصانه بحسب تعبير جريدة النيويورك تايمز ويطلب من أصدقائه والعاملين معه أن يستخدموا هواتف مشفرة، وإذا دخل مطعم يطلب وجبته بصوت هامس حتى لا يعرف من يراقبوانه ما قد يأكله، كما يقوم أيضا بتغيير لون شعره كل فترة، ووصل الحرص به أن يرفض تحديد يوم مولده بدقة!! ما هو معروف أن اسانج ولد في عام 1971 دون معرفة شهر أو يوم ولادته، وقد ولد في بلدة مانييتيك شمال شرق استراليا، وكما قال - في إحدى مقابلاته النادره - فإنه امضى طفولته متنقلا مما أدى لدخوله 37 مدرسة مختلفة في طفولته!! عندما وصل لسن المراهقة أقام في ملبورن وفيها اكتشف موهبته في القرصنة الإلكترونية مما أدى في عام 1995 أن يدان في 25 جريمة قرصنة دفعة واحدة، إلا أنه نجى من السجن وقتها باعترافه بذنبه ودفعه لغرامة مصحوبة بقسم بأنه سيحسن سلوكه، وهو القسم الذي لم يلتزم به أبدا!! بعدها أسس اسانج شركة للخدمات المعلوماتيه في استراليا وعمل مستشاراً تكنولوجيا لعدة شركات وباحثا في الصحافة".. وفي عام 2006 قام اسانج بمساعدة 10 من ناشطي حقوق الانسان بانشاء موقع ويكي ليكس ولكن التغير الحقيقي في حياته والذي جعله طريدا للمخابرات الغربية كان بعد نشر وثائق حرب افغانستان. جوليان اسانج الان لا يستقر في بلد لفترة طويلة، حتى لا يعرف أحد مكان وجوده، فيتنقل من نيروبي إلى لندن، ومن امستردام إلى كاليفورنيا وتعد ايسلندا والسويد هي البلاد المفضلة بالنسبة له، وعند زيارته لعاصمة لا يقيم في فندق وإنما يقيم في منزل لأحد اصدقائه أو أنصاره، ولو أقام في فندق يقيم باسم مستعار ولا يستخدم بطاقات الائتمان حتى لا يعرف أحد مكان وجودة!! اسانج عندما سئل عن فلسفته في التشجيع على نشر الوثائق السرية قال "هناك سؤال حول أي نوع من المعلومات تعتبر مهمة للعالم، أي نوع من المعلومات قد يحقق الإصلاح، هناك معلومات تبذل المنظمات جهودا لإخفائها هذه اشارة جيدة لأهميتها، عندما تعلن المعلومات فهناك أمل أنها قد تفعل شيئا جديدا" . وعندما سأله المذيع قائلا " أليس هناك نوع من المخاطرة ؟ " رد عليه قائلا : لم نر إلى الآن أي شيء من ذلك فيما أعلنا عنه ، أو ما أقصده أننا لدينا حصانة صارمة لأننا لدينا طريقتنا في التعامل مع المعلومات التي لها طابع الدلالة الشخصية. فسأله المذيع ماذا تقول لوالد أحد الجنود الأمريكيين في العراق بعد ان أظهرتهم يضحكون على موت الناس وأنهم لا يتعاملون مع غيرهم بانسانية، ماذا ستقول للأب الذي سيقول لك "ابني ليس كذلك فكيف تجرؤ" ؟ فرد اسانج: تأتيني العديد من التعليقات بهذا الشكل، ولكن تذكر أن الناس في العراق، الناس في أفغانستان لا يحتاجون أن يروا هذا التقرير ، فهم يرونه على الطبيعة كل يوم، نحن نهدف لتغيير رأي صانع القرار وهذا هو هدفنا الأول. اسانج يقول إن هدفه من كل هذا هو ثلاثة أمور " تحرير الصحافة وكشف التجاوزات وانقاذ الوثائق التي تصنع التاريخ" ، أما مبدأه في الحياه فهو " الرجال الكرماء لديهم قدرات خاصة ولذلك فهم لا يقومون بإنتاج ضحايا وإنما يقومون برعاية الضحايا"، وتطبيقا للمبدأ الذي تعلمه من والده يقول اسانج: أنا شخص مولع بالنضال، ولذلك فأنا ارى أن الطريقة التي تناسبني في رعاية الضحايا هي الكشف عن الجرائم التي ترتكب ضدهم. وقد تعرض موقع ويكيليكس لأكثر من 100 دعوى قضائية، إلا أن مهارة اسانج هي من منحته الاستمرار فقد قام بتحميله على أكثر من سيرفر في أكثر من دوله حتى إذا تم إيقاف أحدهم ظل الاخرون، يقول اسانج " لكي نحمي مصادرنا، كان علينا أن نوزع أرصدتنا ونقوم بتشفير كل شيء، وننقِّل وسائل اتصالاتنا والعاملين معنا حول العالم لكي نقوم بتفعيل وتنشيط القوانين الحمائية في دوائر قضائية وطنية مختلفة " مضيفا " لقد أصبحنا ماهرين في هذا الشأن، إذ لم نخسر أي قضية حتى الآن. لكننا لا نتوقع من أي شخص أن يقوم بذات الجهود الاستثنائية التي نقوم بها " . إلا أن الموقع واجه العديد من الأزمات المالية بسبب سياسته، فقد ادرجته الولاياتالمتحدة في القائمة السوداء للمواقع مما أدى لحجب عائد الإعلانات عنه، ووصل الأمر إلى أن يوقف الموقع نشاطه في فبراير الماضي نتيجة عدم قدرته على تغطية تكاليفه، إلا أن التبرعات انهالت عليه وأعادت له الحياة مرة أخرى، وهي التي يعتمد عليها الان لتغطية تكاليفه.. وعن الموقع حاليا يقول اسانج " نحن في حالة غير متوقعة من النجاح ونتسلم كماً هائلاً من المستندات التي يفصح عنها الأشخاص المساعدين لكننا لا نملك العدد الكافي من الناس لمراجعة هذه الوثائق وإعلانها، ولذلك فنحن منظمة من الصعب أن تنمو بسرعة بسبب نوعية المادة التي نتعامل معها ونقدمها" جوليان اسانج شخص استطاع ان يكشف العديد من الألغاز من قلب أكثر أنظمة العالم تأمينا، لكنه – وهو مجرد شخص – استطاع ان يظل سرا لم يستطع أحد أن يكشفه.