حملات المطالبة بترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة تزداد يوما بعد يوم.. على الرغم من أنه لم يعلن أنه سيرشح نفسه أو رفضه في مرحلة من المراحل.. ولكن تاريخنا يعيد نفسه.. فهذا ما حدث مع محمد علي باشا.. حيث أنه كان يرفض في البداية الموافقة على حكم مصر.. ولكن تحت الضغط الشعبي وافق وذلك بعد ثورة شعب مصر على الحاكم الظالم.. فهل يفعلها السيسي؟... ما حدث هو أن ثورات المصريين لم تنقطع في أي عهد سواء ضد الحاكم أو الغازي، ووصلت إلي جولة أخرى من ثورات لخلع الحاكم، وذلك بخلع أحمد خورشيد باشا الوالي التركي سنة 1805، الذي استقدم معه أفراد حراسته من الجنود الذين يثيرون الرعب في قلوب أهل القاهرة بسبب فظائعهم, كما أغلقت المحال وانتشرت الفوضي بعد أن بدأوا يقتحمون المنازل ويغتصبون النساء ويخطفون الأطفال, فتجمع الأهالي يخرجون وجها لوجه لمواجهتهم, ويتمردوا علي خورشيد باشا, وكان أشهر هتاف في هذا العصر" يا رب يا متجلي.. إهلك العثمانلي"، و" الظالم يرحل" ، وتركزت زعامة الثورة في السيد عمر مكرم نقيب الأشراف, والشيخ عبد الله الشرقاوي وأحمد المحروقي كبير تجار القاهرة، وألتف الشعب حولهم لعزل خورشيد باشا، وتلبية مطالب الشعب التي تمثلت في رفع المظالم عن الشعب وعدم جباية أموال جديدة، وأن يقيم الجنود في الجيزة بعيدا عن العاصمة ولا يسمح لهم بدخول القاهرة حاملين أسلحتهم، وفتح طرق المواصلات بين القاهرة والصعيد.
وقال الجبرتي" حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلي الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من الدالاتية الذين أخرجوهم من مساكنهم وأوطانهم قهرًا، ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا، ولم يستطيعوا التخلص منهم إلا بتسلق ونط من الحيطان، وركب المشايخ وصعدوا إلي القلعة حيث مقر خورشيد باشا وشرحوا له الحالة المتردية التي تعيشها البلاد والعباد فكتب فرمانًا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلي أصحابها فلم يمتثلوا، وخاطب المشايخ الوالي العثماني أحمد باشا خورشيد مرة أخري وأخبروه بعصيان الدالاتية فقال أنهم سيسافرون بعد ثلاثة أيام ، لكن المشاكل ازدادت ولم تتوقف أعمال السلب والنهب، فاجتمع المشايخ يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرج الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلي الباشا فأرسل مبعوثا إلي الأزهر لكن المشايخ كانوا قد انتقلوا إلي بيتهم لأغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم، فذهب إلي بيت الشيخ الشرقاوي وحضر السيد
عمر أفندي مكرم وغيره فكلموه ثم انصرف وعند خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه، وفي الأحد الثاني عشر من صفر ركب المشايخ إلي بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتي امتلأ الحوش والمقعد بالناس وصرخوا قائلين شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم وهتف الأولاد يا لطيف ومنهم من يقول يا رب يا متجلي أهلك العثمانلي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك، وطلبوا من القاضي أن يرسل بإحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع، فحضر الجميع واتفقوا علي كتابة عرضحال بالمطالب الشرعية ففعلوا ذلك"
ولكن الوالي يرفض مطالب الشعب، وعندها يقرر زعماء الثورة طرده من منصبه وتولية محمد علي مكانه, ووفقا لرواية المؤرخ الرافعي فقد التقي السيد عمر بمستشار خورشيد( عمر بك) فوقع بينهما جدال قال فيه البك: كيف تنزلون من ولاه السلطان عليكم؟ وقد قال الله تعالي: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم, فأجابه السيد مكرم العالم الأزهري: أولوا الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل, وهذا رجل ظالم, حتى السلطان والخليفة إذا سار في الناس بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه, فقال عمر بك: وكيف تحاصروننا وتمنعون عنا الماء والطعام وتقاتلوننا؟ أنحن كفرة حتي تفعلوا معنا ذلك؟ فأجابه الأزهري الوسطي: لقد أفتي العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لأنكم عصاة..
ويصف الجبرتي ما حدث" تمنع محمد علي أولا ثم وافق بعد إلحاح فأحضروا له( كركا) وعليه قفطانا, وقام السيد عمر مكرم والشيخ عبد الله الشرقاوي فألبساه له وقت العصر ونادوا به في المدينة, ولكن خورشيد باشا رفض اعتزال الحكم فحاصره محمد علي والجند الألبان في القلعة ليظل سجينا، وعاشت مصر حالة من الفوضى، حتي أصدر السلطان فرمانا في9 يوليو1805 فاضطر خورشيد إلي مغادرة القلعة وحكم محمد علي بإرادة الشعب.