ما أصعب أن تبحث عن حياة قاسية ليس لديك بديلا عنها.. هذا ما يحدث في منطقة محاجر المنيا.. والتي يتوجه إليها الرجال والشباب وحتى الأطفال بحثا عن عمل ولو لمدة يوم.. فهناك من يحمل ومن يرفع ومن يكسر.. وبالرغم من خطورة العمل هناك إلا أنهم تعودوا على ذلك.. بل ينتظرون الفرج يوميا.. يتجمعون بالعشرات بحثا عن رزق يومهم.. من الفجرية في انتظار الفرج
العمل في المحاجر يبدأ من مدخل منطقة المحاجر.. وهناك قابلنا عدد كبير من الشباب يجلس في انتظار الفرج.. فيقول حمادة أنور- من قرية الحوارتة-: كلنا نأتي إلي هنا من "الفجرية"، لننتظر المعلم ليطلب عددا منا، وكل واحد ورزقه، وأنا أعمل في التحميل ، وأحصل على 50 جنيه في الحمولة الواحدة، وممكن أعمل حمولة أو اثنين في اليوم، ونعمل حوالي 4 ساعات، ولكن ممكن تأتي علينا أيام لا نجد أي عمل، بجانب أن عددنا كبير ونأتي من كل محافظات الصعيد، ونجلس في مدخل المحجر حتى تأتي السيارات ونبدأ في السباق عليها حتى يختارونا، ولكن ظروفنا صعبة جدا، فالعمل صعب إن وجدناه، وهناك من لا يجد قوت يومه، ولا أحد يسأل فينا، ولو أحد أصيب منا خلاص "مالوش دية"، ويذهب ليعالج نفسه، وكلنا معرضين لذلك في أي وقت بسبب قسوة الجبل والمحجر، ثم يأتي ليبحث عن أي عمل، فهذه هي حياتنا التي وجدنا أنفسنا فيها. ويقول عبد العزيز محمد: والله العمل هنا على الرغم من صعوبته إلا أنه بالحظ، فلو شعر المعلم أن "النفر" فينا مريض أو يعرج علي قدمه لا يختاره، ولذلك كل شخص يحاول أن يبتعد عن أي إصابة حتى لا يفقد لقمة العيش، ولا يستطيع أحدنا أن يطالب بزيادة الأجر لأنه لو رفض فهناك غيره يتمني العمل ولو بثمن العيش، ويا دوب الأجرة تغطي تكاليف يومنا في البيت، ولكن الحمد لله على كل شئ، ولكن لا نجد من يتحدث عنا وكأننا لسنا في مصر.
العمل أسبوعين وأسبوع أجازة للتحكم في السعر
أما داخل منطقة المحاجر فتقابلنا سيارات النقل المحملة بالأحجار والطوب، ويقول رأفت مجدي- 19 سنة-: أعمل هنا (مرفع)، وأحصل على 20 جنيه في رفع الطوب على السيارة، وهذا المبلغ في الحمولة، وأقوم برفع حمولتين في اليوم، ونأتي إلي هنا من الفجر، ونمشي المغرب، ولكن هناك أيام لا أعمل فيها، لأن صاحب المصنع يقوم بالعمل أسبوعين ويبطل العمل أسبوع حتى يتحكم في السعر ويعليه، كما أن هناك الحاج أبو راضي وهو المسئول عن البطالة، ويحدد من يعمل ومن يترك المكان، والكل لازم يسمع كلامه، وبالرغم من أن المبلغ الذي أحصل عليه قليل، ولكن ما باليد حيلة ولا يوجد أي بديل في المنيا كلها، فأنا أعمل هنا من حوالي 5 سنوات، وبالرغم من التعب الذي أجده إلا أني لا أستطيع أن أترك العمل، لأن الحياة غالية ولا يوجد عمل آخر، وكل أحلامي أني أريد أن أتزوج فقط. ..
الحياة أعلى الجبل
ونصل إلي أعلى الجبل لنري العمال يقوموا بتكسير الحجارة وخرطها وسط قسوة الجبل والعمل.. ويقول عبد الله حسن- أحد العمال-: نعمل هنا ب60 جنيه في اليوم، ونعمل حوالي 10 ساعات، والشغل هنا صعب، وفيه خطورة، ولكننا خلاص(ولفنا) على العمل هنا، وكلنا نعمل هنا بدون تراخيص، لأننا (أرزقية) وممكن نعمل يوم تابعين لمصنع ويوم آخر نذهب لمصنع آخر، ونقوم هنا بتكسير الحجارة ثم خرطها بالماكينات، ونأتي من أكثر من محافظة، والحمد لله المبلغ يكفينا بالرغم من صعوبة العمل، ولكن أحيانا تأتي ظروف تجعلنا نقعد في بيوتنا، مثل أيام الثورة التي قامت، فكنا نخاف من الطريق طبعا، ولكن الحمد لله الدنيا هنا أمان الآن، وبعد ما نخلص عملنا طبعا المكسب كله يذهب لصاحب المصنع والذي لا نعرفه أساسا لأننا نتعامل مع كبير العمال والذي يقوم باختيارنا، ولكن الآن المكسب أقل لأن الجل لم يعد يعطي مثل زمان. ويقول محمد غانم: حياتنا أصبحت في هذا الجبل، فالشاب الذي لا يستطيع أن يصل إليه لا يستطيع أن يفتح بيت، لأنه لا يوجد عمل آخر في المنيا إلا في المحجر، فأي عمل آخر سيكون بأجر أقل من هنا وفي الغالب يختاره المتعلمين الذين لا يريدوا أن يرهقوا أنفسهم في عمل المحجر، وعلى الرغم من قسوة الحياة هنا إلا أنها إدمان، فلا نستطيع أن نبتعد عنها، وهنا كبير العمال هو الذي يتحكم فينا، ولا أحد يستطيع أن يعترض لأننا في عرض جنيه في الظروف الصعبة التي نمر بها، وأنا أحاول دائما أن أعمل 5 ساعات متتالية ثم ارتاح ربع ساعة في الاستراحة الصغيرة هنا، ثم أستكمل باقي العشر ساعات، وأقوم بالتكسير وأحيانا بالخرط، والحمد لله محافظ علي عملي هنا منذ ثلاث سنوات، واستطعت أن أجمع مال يكفي لأن أبدأ التجهيز للزواج وسيكون محل سكني مع والدي في نفس المنزل لأني لن أستطيع أن اشتري منزل الآن بالطبع، فالحياة المريحة تأتي بعد 10 سنوات هنا، فأنا ورثت العمل من والدي وأعلم ذلك جيدا، ونحن ليس لدينا بديل آخر عن هذه الحياة الصعبة، ولكننا لنا رب اسمه الكريم، وأحيانا يقع الفرد منا مصاب، فينتظر إلي أن تأتي سيارة نقل لتأخذه يعالج على حسابه في أي مكان، أو يستكمل العمل بدلا من أن يأتي غيره.