عناوين صحف مصر يوم 22 يوليو 1952 : نجيب الهلالى يتشرف بحلف اليمين الدستورية بين يدى جلاله الملك المعظم ! .. وبعد يوم 23 يوليو 1952 : لن تصفح مصر عمن أساء إليها .. يحيا نجيب منقذ مصر ! الصور من أرشيف المصور محمد لطفى
فعلا الناس كانت تعبانة قبل ثورة يوليو ، وفى حالة تطلع لأمل جديد أو بطل من نوع مختلف يعيد الحياة إليهم بعد تفشى الجهل والفقر والمرض والفساد ورغم أن الأمل عند المصريين وقتها كان بعيدا جدا إلا أن لم يكن مستحيلا فقد تحقق فجأة .. تعالوا نعيش مع بعض حياة الناس والرأى العام فى هذه الأيام القليلة قبل وبعد الثورة بداية من يوم 22 يوليو عام 1952 لنرى كيف كانت الحياة ، وما هى اهتمامات الناس فى هذا اليوم تحديدا وكيف كانت آمالهم وهمومهم قبل انقلاب الأوضاع بساعات ، طيب بعد يوم 23 من الشهر نفسه تفتكروا إزاى الحياة اختلفت وإزاى استقبلت الصحف هذا الخبر وكيف اختلف نجوم المسرح السياسى خلال هذه الأيام .. فى 22 يوليو كانت الصحف على اختلاف اتجاهاتها مشغولة بحدثين هامين الأول هو دورة الألعاب الأوليمبية فى هلنسكى بالسويد وقد نقلت الصحف خبر حضور الأميرة فائقة لها وأهتمت بتتبع تنقلاتها بشكل لافت للنظر إلى جانب متابعة مباريات الفرق المصرية المختلفة فى الدورة ، أما الحدث الثانى فكانت استقالة وزارة حسين سرى بعد 18 يوماً فقط من تشكيلها إلى جانب بعض الأحداث الأخرى المتفرقة .. كانت الحياة السياسية عاصفة وكانت الصحف هى الأخرى كذلك ففى هذا اليوم الموعود نشرت جميع الصحف اليومية خبر قيام نجيب الهلالى باشا بتشكيل الوزارة وبدأت الناس تتساءل هل يا ترى الهلالى ممكن يعمل حاجة فالأوضاع كانت سيئة للغاية . فقد عبرت جريدة المصرى عن حيرتها وسخطها على الحياة السياسية وكانت تعكس بالفعل نبض الناس وقد سبقت عصرها عندما تحدثت عن حلم المصريين بالبطل الذى سيقلب الأوضاع لصالحهم قبيل قيام الثورة بساعات فتحت عنوان كلمة المصرى كتبت تقول " الحق أن الشعب ينظر إلى تتابع الوزارات وهو واقف على الحلقة ينتظر البطل الذى يرفع على صدره الأثقال التى ينوء بها ولا تدعه يتنفس تنفسا طبيعيا ويوم يجد الشعب هذا البطل فإنه لاشك سيهتف له من الأعماق ". أما صحيفة الأهرام فى هذين اليومين فلم يختلف موقفها كثيرا وإن كانت ذات نغمة حانية تجاه الملك ، ففى يوم 22 يولو كانت الأهرام مشغولة بالمقارنة بين سرى باشا والهلالى باشا وهل الوزارة الجديدة من الممكن أن تحقق أى اختلاف على المسرح السياسى ، ثم نشرت أخبارا هاما آخرى منها " مصر تعد قانونا جديدا لمكافحة المخدرات ، وخبر آخر " مصر تتجه لأستراليا لاستيراد حصتها من القمح إلى جانب أخبار الدورة الأوليمبية وفى يوم 23 يوليو نشرت الأهرام نبأ تأليف الوزارة الهلالية ونشرت صورة ضخمة تضم الوزراء والسادة نجوم السياسة فى هذا الزمان تحتها عبارة تقول " دولة أحمد نجيب الهلالى باشا يتوسط أعضاء وزارته الجديدة عقب خروجهم من قصر المنتزه العامر بعد تشرفهم بحلف اليمين الدستورية بين يدى جلاله الملك العظم " ثم نشرت النطق الملكى السامى للوزارة " إن شاء الله تتم الوزارة ما بدأته من قبل من أعمال وأن تمضى فى خدمة البلاد بما يعود عليها " ، هذا فى الوقت الذى كانت فيه حركة الجيش قد قامت بالفعل . وفى يوم 23 يوليو بدأت أخبار حركة الجيش تتداعى وتتدفق على الصحف – رغم أن بعضها لم يستطع لظروف الطباعة مواكبة ما يحدث وصدر وكأن شيئاً لم يكن – ولكن الملاحظ أنها لم تقترب من الملك على الاطلاق حتى يوم 27 حيث ظلت طوال هذه الأيام تناديه بلقب جلالة الملك وتتعامل معه باحترام شديد ثم كان يوم 27 يوليو هو يوم تصفية الحسابات ونشر الغسيل القذر للملك وهو يوم الثورة الحقيقى فى الصحف .. كان مانشيت صحيفة المصرى يوم 24 يوليو يقول " اللواء محمد نجيب بك يقود حركة عسكرية مفاجئة ، الجيش يطالب بعودة الحياة النيابية وتطهير البلاد تطهيرا كاملا " واختفت من على صفحاتها كل الوشوش القديمة باستثناء على ماهر رئيس الوزارة الجديدة وبدأت شخصيات أخرى فى الظهور كان على رأسهم محمد نجيب بك وقد قدمت الصحيفة فى هذا العدد تعريفا كاملا به تحت عنوان "من هو محمد نجيب " إلى جانب عد آخر من الضباط الذين كانوا يظهرون فى صور جماعية حتى يتعرف عليهم الشعب وهم جمال عبد الناصر وصلاح سالم وأنور السادات وعبد الحكيم عامر واختفى الملك تماما خلال هذه الأيام ثم نشرت الصحيفة فى العدد ذاته صورا تضم نجوم المسرح السياسى قبل الثورة وهم فى حالة ذهول مما حدث ونشرت برقيات تهانى من الشعب ، وفى يوم 26 يوليو صدرت مدبجة بعبارة تقول " لن تنسى مصر من خدمها ولن تصفح عمن أساء إليها .. يحيا نجيب منقذ مصر " . وفى يوم 27 يوليو أولويات الصحف والناس أيضا اختلفت تماما بعد تنازل الملك فاروق عن العرش يوم 26 يوليو ، ومنذ هذا اليوم بدأ مسلسل " تقطيع فروة " الملك فى جميع الصحف بلا استثناء وحظى هذا الحادث بأهمية بالغة أكثر مما حظيت به الثورة فى أيامها الثلاثة الأولى ، هكذا بدأت تصفية الحسابات ، جريدة المصرى بعد 16سنة من الصمت التام عن الملك والثناء عليه والاحتفال السنوى بعيد جلوسه على العرش كغيرها من الصحف فقد خرجت على الرأى العام يوم 27 يوليو بمانشات تقول " مصر تسترد مجدها التالد .. حوادث مصر مقدمة لنهضة مباركة فى الشرق كله " ونشرت خبرا مفاده أن مصلحة التليفونات قطعت الحرارة عن خطوط التليفون فى قصرى رأس التين والمنتزه ، وكتب أحمد أبو الفتح تحت عنوان نصر من الله يقول " افرحى يا مصر فقد تحطم الطاغوت وآلت إليك لأول مرة مقاليد أمورك أسعد ياشعب وادى النيل فاليوم لأول مرة تحكم نفسك " وكتب عبد الرحمن الخميسى فى عموده الثابت من الأعماق يقول " لم يكن أمس يوما ولا سنة ولا قرنا بل كان أجيالا طويلة وأزمانا رحيبة وأعيادا مديدة وإرادات ماردة وانتصارات خالدة " ثم تولت نشر مفاسد الملك فى عدة أخبار منها " أكثر من عشرة ملايين دولار للملك السابق فى بنوك أمريكا وحدها " ، و " دفعت ميزانية مصر نحو مليون ومائتى ألف من الجنيهات لاصلاح يخت يطوف به فاروق فى عرض البحار " وفى يوم 29 من الشهر نشرت خبرا مفاده أن رحلة ملكية لمدة أسبوع تكلفت مائة ألف جنيه هذا إلى جانب اتهامات عديدة له بأنه كان فاسدا وتاجر أسلحة وسمساراً !!