ضاقت الدنيا في وجه الحكومات المصرية السابقة فلم تجد غير الخبراء الإسرائيليين لتعرف منهم الطرق الحديثة في استصلاح الأراضي ومشروعات الخريجين.. هذه الحقيقة تكشف عنها دراسة حديثة أعدها الدكتور عادل عامر الخبير الاقتصادي والقانوني, وصدرت عن مركز الجبهة للدراسات الاقتصادية والاجتماعية .. الدراسة تؤكد أنه خلال الثلاثين عاما الماضية استغلت إسرائيل اتفاقيات التطبيع مع مصر - وخصوصا اتفاقية التعاون الزراعي الموقعة عام 1980 وقامت بتوظيف المئات من الخبراء اليهود لتدمير الحياة في مصر ونشر الأمراض وتدمير المحاصيل في اطار ما يسمي الحرب البيولوجية , وهو ما حدث بالفعل خلال سنوات قليلة .. في السطور القادمة سنحاول فتح هذا الملف لنعرف كيف قامت الحكومات المصرية باستقدام هؤلاء الخبراء وما هو حجم نشاطهم وكيف استطاعوا القيام بأعمال تجسس في مشروعات الاستصلاح وقري الخريجين , ولماذا في البداية يكشف الدكتور عادل عامر في دراسته كيف بدأ مخطط إسرائيل لتدمير الحياة في مصر من خلال الحرب البيولوجية عن طريق توظيف هذا العدد الكبير من الخبراء قائلا : بعد اتفاقية التطبيع استمرت جهود إسرائيل في اختراق مصر من أخطر الأبواب وهو باب الزراعة باعتباره أحد القطاعات الاستراتيجية .. وحاليا هناك أكثر من ألفي خبير وباحث إسرائيلي متشعبون في مختلف الأنشطة الزراعية , وخاصة المراكز البحثية وشركات الاستصلاح في الدلتا والصحراء , وقد تم تنفيذ هذا المخطط من خلال اتفاقية التعاون الزراعي منذ عام 1980 التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد و التي حددت إسرائيل علي أساسها ثلاثة مشروعات عملاقة للتعاون مع مصر في مجال الزراعة واستصلاح الأراضي والمياه , وهي مشروع تطوير 450 ألف فدان , والتي أعدتها شركة ' تاحال ' الإسرائيلية في سيناء , والمشروع الثاني يختص باستصلاح أراض بين جامعات عين شمس وسان دييجو في كاليفورنيا وبن جوريون في إسرائيل والمشروع الثالث عبارة عن تصدير سلالات من الأبقار والخدمات اللازمة لها من إسرائيل لمصر . وكان في مقابل ذلك أن إسرائيل تمكنت من خلال هذه الإتفاقية من استقطاب أكثر من 5 آلاف خبير ومهندس زراعي مصري لزيارة إسرائيل وحضور دورات تدريبية عن التقنية الحديثة في الزراعة منذ عام 1995 وحتي الآن مقابل نحو 2300 خبير زراعي إسرائيلي يأتون إلي مصر . ويضيف الدكتور عادل أنه عقب نجاح المشروعات الثلاثة تقدمت وزارة العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية بالتعاون مع عدد من رجال الأعمال الإسرائيليين بطلب للحكومة المصرية لإقامة مشروع مزارع سمكية في مناطق حلايب وشلاتين علي الحدود بين مصر والسودان . وفي عهد شارون تم الاتفاق علي التعاون لإنشاء مزرعة للإنتاج الحيواني ل 20 ألف رأس ماشية علي مساحة 12 ألف فدان بمحافظة بني سويف , بالإضافة إلي محطة تجارب ملحقة بها , وإنشاء محطة لنقل التكنولوجيا , وإنشاء مزرعة لإنتاج الطماطم والخضراوات في غرب النوبارية علي مساحة ألف فدان , وأقيم نفس المشروع بالجميزة علي مساحة 30 فدانا كمشروع تجريبي لإنتاج المحاصيل المتعددة والفواكه , بجانب مشروع تطوير الري بالصالحية والذي تتبناه اللجنة الثلاثية الزراعية المصرية الأمريكية الإسرائيلية . وحول خريطة انتشار الخبراء الإسرائيليين يذكر الدكتور عادل عامر من خلال دراسته أنه يوجد خبراء زراعيون إسرائيليون في مناطق عديدة تواجدوا بها خلال الفترات الماضية ومن هذه المناطق علي سبيل المثال والتي تم رصدها مركز السنطة ومحطة بحوث الجميزة بمحافظة الغربية في اطار اتفاقية خاصة بذلك , وآخرون قدموا مساعدات فنية لمزارعي قرية ميت أبو الكوم بالمنوفية , بالإضافة إلي الاستعانة بهم في مراكز أبحاث بسخا بكفر الشيخ وبني سويف وسوهاج ومنطقة بئر سبع ,. ونجد أن وزارة الزراعة قد وافقت علي مشاركة خبراء إسرائيل في إدارة وزراعة مئات الأفدنة في واحة الفرافرة بأساليب الري بالتنقيط والرش وإنشاء شركة للتطوير الزراعي برأسمال 35 مليون دولار , و شاركت فيها الشركة المصرية للتنمية الزراعية ' سوفيكو ' والشركة الوطنية لتصدير التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية ' أجريديت ', كما شارك الخبراء الإسرائيليون في إنشاء مزرعة كبيرة بالقرب من الإسكندرية علي مساحة 9500 فدان بناء علي طلب رجل الأعمال الإسرائيلي شاؤول روزنبرج . ومن ناحية أخري تقوم إسرائيل باستقطاب المهندسين الزراعيين المصريين الذين أخذوا توكيلات من شركات إسرائيلية , حيث يتم تقديم اغراءات وتسهيلات لا حدود لها لافتتاح أفرع للشركات الإسرائيلية في مصر تغطي مجالات التنمية الزراعية دون الإفصاح عن هويتها . وقد بلغ عدد الشركات التي حصلت علي توكيلات من شركات إسرائيلية في مصر أكثر من 6 شركات وقد تم اغراق الشركات المصرية التي تتعامل مع وكالات إسرائيلية بمنطقتي شمال سيناء والإسماعيلية وأراضي شباب الخريجين بالنوبارية والفيوم وبني سويف بمبيدات تسبب أوراما خبيثة في الأوعية الدموية . والعديد من المواد المسرطنة يتم ادخالها عن طريق باحثين إسرائيليين يعملون في مركز ' شيمون بيريز للسلام ' والخبيرة ' إيليا مسيري ' الباحثة بجامعة تل أبيب وشركة ' نورست ' الإسرائيلية التي تصدر الخضر والفاكهة إلي مصر . ولم ينج القمح من المخطط , فقد أقيمت مزرعة إسرائيلية في منطقة شرق العوينات بمصر زرعت بها مساحات شاسعة من الأفدنة من القمح الإسرائيلي , وبإشراف وتوجيه من معهد شيمون بيريز وبواسطة إحدي الشركات الإيطالية متعددة الجنسيات , وكانت الزراعات الإسرائيلية قد عرفت طريقها إلي البلاد خلال العقدين الماضيين في إطار مشروع ' النارد ' المصري الأمريكي الإسرائيلي من خلال مركز بحوث الأراضي والمياه . وتذكر الدراسة أن إسرائيل استخدمت هؤلاء الباحثين والخبراء في إدارة الحرب البيولوجية ضد مصر والتي انتصرت فيها ودمرت الغذاء المصري في المحافظات المصرية التي تنتج محاصيل زراعية استراتيجية . بالتفاصيل .. 2000 خبير إسرائيلي في مصر بيعملوا إيه؟! و منذ مطلع الثمانينيات بدأت وزارة الزراعة في مصر بتطبيع العلاقات مع وزارة الزراعة الإسرائيلية , حيث أصبح مائتان وخمسون ألف باحث وفني وإداري مرتبطين بمصالح مشتركة مع اسرائيل بل إن إسرائيل قد حاولت تأجير مساحات من سيناء لزراعتها قمحا علي أن تقوم إسرائيل في المقابل بمد مصر بما يلزمها من القمح ! ولهذا فالبعد الاقتصادي للاستسلام والاختراق هو حلم صهيوني استعدت له الصهيونية منذ زمن بعيد , فتحدث عنه تيودور هرتزل في أوائل القرن العشرين , حين أشار إلي أهمية قيام كومنولث عربي صهيوني اقتصادي لايجاد مصالح اقتصادية متبادلة تسمح له بدخول ' إسرائيل ' في النسيج الاقتصادي العربي , كما حدث في اتفاقية الكويز .. ولم يستمد التطبيع خطورته من كونه جائزة إسرائيل الكبري في عمليات التسوية التي تجري , ولكنه يستمد خطورته من كونه جزءا من المخططات الأمريكيةالغربية التي تستهدف تفكيك الاقتصادات العربية , ومن بينها مصر , وإعادة تشكيلها وربطها بالاقتصاد الإسرائيلي . وقامت إسرائيل بتحديد مجالات التطبيع في الزراعة باستصلاح الأراضي ومراكز التدريب وترشيد استخدام المياه ومشروعات الثروة الحيوانية ورفضت التعاون في المجالات التي وجدت أنها تضر بها مثل تحلية المياه . بل إن مصادر زراعية كشفت عن أن المعونة الأمريكية لمصر اشترطت مشاركة ' إسرائيل ' في مجال الزراعة , كما كشفت نفس المصادر زيادة عدد الخبراء الإسرائيليين العاملين في الشركات الأمريكية العاملة في مصر في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الحيواني , وكان يتم انفاق بدلات هؤلاء الخبراء من المعونة , وسرقة الجينات الوراثية سواء النباتية أو الحيوانية للتعرف عليها واستخدامها سواء في الناحية الزراعية أو العسكرية . وتكشف الدراسة كيف تم توظيف ' الخبراء الإسرائيليين ' في تخريب الزراعة المصرية في تهريب شتلات فراولة مجهولة المصدر ومصابة بأمراض عديدة وبأخذ عينات منها وتحليلها ثبت أنها مهربة من ' إسرائيل ' , وهذه عينة واحدة , يضاف إليها عينات أخري من الخيار والكانتلوب والخوخ واللوز , حتي النحل لم يسلم من حرب الإبادة تلك , والخلاصة أن ' إسرائيل ' تقوم بتخريب الزراعة العربية بنشر الأمراض والأوبئة في إطار الحرب البيولوجية . وتشير الدراسة إلي أن الحكومات المصرية المتعاقبة دفعت لنشاط تبادل الخبرات مع إسرائيل أكثر من 150 مليون دولار أي ما يعادل 900 مليون جنيه من الموازنة العامة للدولة .. ويأتي استقدام الخبراء الزراعيين الإسرائيليين ضمن مخطط كبير لتدمير الاقتصاد الزراعي المصري . ويؤكد الدكتور عادل أن هذه المعلومات والحقائق تم رصدها بالتعاون مع المراكز البحثية ومن البحث علي أرض الواقع , وأشار إلي أن يوسف والي هو من فتح الطريق لهؤلاء الخبراء والذين وجدوا الفرصة بعدها للتغلغل في شركات القطاع الخاص . وردا علي ما جاء في الدراسة من معلومات فقد رفضت وزارة الزراعة التعليق لكن المهندس محمد رضا إسماعيل , وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أكد أنه لا يعلم بوجود أي خبير زراعي إسرائيلي في وزارته , وأنه سيقوم بطرد أي خبير يهودي من الوزارة فور اكتشافه .. !! . لكن الحقيقة الكاملة يرصدها لنا الدكتور خليل المالكي أحد أكبر المسئولين في وزارة الزراعة في عهد يوسف والي والأستاذ بمركز البحوث الزراعية الآن , يقول : الخبراء اليهود اخترقوا مصر من بوابتين هما استصلاح الأراضي و الزراعة ولكن مع العلم أن الوزارة لم تقم بدعوة أي خبير إسرائيلي لكن الذي جلبهم هو القطاع الخاص أي شركات الاستصلاح الزراعي العاملة في الصحراء المصرية فهي التي استعانت ولا تزال تستعين بهم خاصة في مجال ري المحاصيل والصوب الزراعية لأنهم أصحاب خبرات عالمية في هذا المجال , أما بالنسبة لوزارة الزراعة فقد كانت ترسل بعثات من الخبراء والمهندسين المصريين إلي تل أبيب لنقل الخبرات في مجال استصلاح الأراضي , أيضا كان هناك مشروع تعاون كبير من خلال معهد بيريز للسلام وتم فيه تبادل خبرات بين الجانبين , وكان الخبراء الإسرائيليون يدخلون مصر بجوازات سفر أمريكية ويخفون جنسيتهم الإسرائيلية ولهذا كان من الصعب التعرف عليهم ..