في أعقاب ثورة 1952 تولي وزارة التربية والتعليم " كمال الدين حسين " واحد من اعضاء مجلس قيادة الثورة والذي اطلق عليه في تلك الحقبة من الزمان لقب (رب السيف والقلم) . وكان من الوزراء الناشطين الذي يجتمع كثيرا بالعاملين في وزارة التربية والتعليم … في واحدة من تلك الاجتماعات وعقب انتهائه من إلقاء كلمته وقبل ان يغادر المكان طلب والدي الكلمة (كان مجرد مدرس في بداية مشوار حياته العملية) … لم يتأخر الوزير عن سماع رأي هذا الشاب … وقف والدي وفي منتهي الوقار والأدب قال : من اجل مستقبل باهر للتعليم يجب الاهتمام " بالتعليم الفني" لصناعة اجيال من الايدي العاملة تقوم علي أساس علمي …ثم شكر الوزير الذي ترك المكان مسرعا! في اليوم التالي صدر قرار بالاستغناء عن المدرس المشاغب الذي احرج (رب السيف والقلم) وجاء اسمه ضمن كشوف عمليات التطهير التي نالت معظم الوزارات في تلك الحقبة من الزمان ! ولولا تدخل عمي الشقيق الأصغر لوالدي لدي صديقه الوزير (للعلم كان عمي من المقربين لأعضاء مجلس قيادة الثورة) لكان والدي سيقف يوميا في طابور الجمعية للحصول علي فرخة واحدة! وعاد والدي الي عمله كمدرس في نفس المكان …ولكنه اصبح الرجل الصامت حتي يمحو عنه صفة المشاغبة التي اطلقها عليه رب السيف والقلم! وعندما يتصادف سماعه اي نقد او رأي قريب او بعيد عن ثورة يوليو يقول (دع الملك للمالك) ثم ينصرف !كان قد وعد شقيقه الأصغر بعدم التحدث مرة اخري عن " التعليم الفني" الذي تسبب في رفده من العمل! بعد مرور اكثر من ستين عاما من هذه الواقعة أستطيع ان اجزم ان والدي رحمه الله الآن فقط قد ارتاح في تربته بعد ان تحقق الحلم الذي طارده طوال حياته الا وهو الاهتمام بالتعليم الفني … بعد اكثر من ستين عاما من ثورة يوليو 1952 يعلن عزيز مصر الرئيس" عبد الفتاح السيسي " في عيد العمال انه يجب الاهتمام بالتعليم الفني …تلك القضية التي طالب بها والدي من زمن فات وأدت الي وصمه بصفة " المشاغب " التي طاردته حتي إحالته للمعاش! واخيرا انتصر الشاب المدرس الصغير علي رب السيف والقلم…! لذلك دايما وأبدا تحيا مصر …