كل الأمم والحضارات لها مرجعية تراثية تميزها عن الأخري، وبتفاعل هذه المرجعية مع الواقع المعاصر وتلاقحها مع الثقافات المغايرة والحضارات السابقة تنضج هويتها وتترسخ حضارتها المستقلة. إحياء التراث الإغريقي والروماني من المقومات المهمة للنهضة الغربية، ومع ذلك لم نتهم الحضارة الأوروبية بالرجوع إلي الخلف أوالجمود والوقوف محلك سر، وعندما تلاقحت الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية، وأخذت عنها في مختلف المجالات لم يقل أحد أنها حضارة لقيطة متسلقة، ونشوء تيار الرشدية - نسبة للفيلسوف الإسلامي ابن رشد - في الفلسفة الغربية لايعيب هذه الحضارة بل يميزها ويزيدها قوة لأنها تعتبر الحكمة ضالتها التي تسعي سعيا حثيثا نحوها. لا أنكر أن تراثنا الفقهي به تقصير واضح في الاجتهادات بأمور المرأة والطفل، وهذا ما يجعل الكثيرين ينبهرون بما ورد في الحضارة الغربية فيما يتعلق بالأمومة والطفولة.فما أحوجنا إلي الاجتهاد الفقهي الاستباقي في المجامع الفقهية حول موقف حضارتنا الإسلامية من المرأة والطفل كما كان يفعل الإمام أبوحنيفة النعمان وتلاميذه الذين سبقوا عصرهم فقهيا، وافترضوا قضايا لم تحدث وأفتوا فيها لمواجهة الظواهر والأزمات المستقبلية. وبغض النظر عن الآراء غيرالمدروسة التي قيلت في ميراث المرأة، فإن معظم جمعيات حقوق المرأة بتجاهلها لاختلاف الفطرة الإنسانية والدور الاجتماعي والتكوين البيولوجي تجافي المنطق في بعض مطالبها مدفوعة بمؤثرات محلية ودولية عديدة تريد للمرأة العربية أن تنسلخ من تراثها وهويتها الإسلامية والعربية.