لا يترك المتربصون بالوطن فرصة لبث الشائعات الكاذبة والافتراءات المُغرضة إلا واستغلوها، ورغم أن هؤلاء يتشدقون بمبادئ حقوق الإنسان وحرية الإعلام، »قُتل الخرَّاصون»، فإنهم أول من يترك تلك المبادئ لتحقيق مآربهم الخاصة والكذب علي مصر.. المنهج الإسلامي واضح تمامًا في مواجهة الأخبار الكاذبة، بل ووصف القرآن ناقلها بالفاسق، كما شدد علي ضرورة التثبت والتحقق من المعلومات، وسبق بذلك كل الأعراف والمبادئ الإعلامية الدولية.. مناقشة كيف اهتم الإسلام بالأمانة في نقل المعلومات في هذا التحقيق: تاج المُسلم يؤكد د. أحمد عشماوي، أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر الشريف، أن الأمانة هي أخص صفات المسلمين، وهي تقتضي مطابقة الكلام لمقتضي الحال، فلا مكان للغش والخداع والتحريف والتدليس بين المسلمين، وفي الأثر: (من غشنا فليس منا)، فالأمانة بكل أنواعها تاج يُعرف به المسلمون فيزيدهم وقارًا وجمالا، من أجل ذلك كان نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم مشتهرًا بين الناس قبل البعثة بالصادق الأمين فنطق بذلك أعداؤه وقالوا: ما جربنا عليه كذبا، ليس هذا فحسب بل إن القرآن الكريم يصور لنا أمانة نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم في تلقيه القرآن الكريم إذ كان يسابق أمين الوحي جبريل عليه السلام حتي لا يتفلت منه حرف واحد من القرآن الكريم حرصا علي أمته وتأدية للأمانة علي أكمل وجه حتي نزل قول الله تعالي: (لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه)، وفي ذلك أنزل الله كذلك (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه)، ومن هنا أرسي نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم في نفوس أصحابه كيف تكون الأمانة في نقل المعلومات فقال صلي الله عليه وسلم مخاطبا أصحابه: (نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعي من سامع). منهج إسلامي د. عبد الناصر الجعفري، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، يوضح أن نقل المعلومة أمانة، وأن الآثار المترتبة علي ذلك في العصر الحديث خطيرة جدا؛ وكل من نشر شيئًا فهو يتحمل مسئولية النشر، سواء كان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، والإسلام له منهج عظيم وميزان دقيق في قبول الأخبار الصحيحة، ورفض السقيمة، والتثبت في الأخبار وعدم أخذها جزافًا دون تمحيص أو نقد، وهناك نصوص كثيرة تبين هذا المنهج في القرآن والسنة.. وفي حادثة الإفك ربّي الله المؤمنين علي التثبّت والتحرّي: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ). »النور:12-13» وبين السبب الذي أوقع بعض المؤمنين في هذا الخطأ الشنيع، فقال تعالي:»إذ تلقونه بألسنتكم»، فلا يصح أبدًا أن يتلقي لسان عن لسان بلا تدبر ولا تروٍ ولا نظر. قيمة المعلومة د. عبد الفتاح أحمد أبوكيلة، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، يشير إلي أن للمعلومات قيمة رفيعة في حياة الفرد والمجتمع، وتأثيرا عظيما علي كل ما يحيط بهما ويجري من حولهما؛ ذلك لما لها من تبعات خطيرة لا يعرف مداها إلا من يدرك ما يترتب علي نقلها من نفع أو ضر، ويعي قيمة السكوت عند عدم التثبت من مصدرها ومصداقيتها، ولا يتوافر ذلك إلا فيمن شيمته الصدق والإخلاص. فكم من معلومة قد تستقر بها الأوطان فيرتفع شأنها ويعلوقدرها،أو تثار بها الفتن والشائعات فتتمزق شملها ويتخلف ركبها،وكم من معلومة قد تفتح بها القلوب وتؤلف النفوس،أو توغر بها الصدور وتشتعل فيها نيران العداوة والبغضاء،وكم من معلومة قد تنتشر بها الرذيلة وتثار بها الغريزة،أو يُدعي بها للفضيلة واحترام القيم النبيلة. كما توعد النبي- صلي الله عليه وسلم- كل من يتهاون في نقل المعلومات ولا يتثبت من مصدرها؛ فيسعي بها في الأرض فسادا؛ بالخسران المبين في الدنيا والآخرة، كما بشر كل من يتثبت في نقلها لرفعة دينه ووطنه وخدمة مجتمعه بالفوز العظيم في الدنيا والآخرة. ضرورة التثبت د. محمود يوسف، وكيل كلية الإعلام الأسبق، يؤكد أن الأدلة التي تؤكد ضرورة التثبت من المعلومات في القرآن والسنة المُطهرة كثيرة جدا، ومنها: »يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تُصيبوا قوما بجهالة فتُصبحوا علي فعلتم نادمين»، فالقرآن يصف ناقل الخبر الكاذب بالفاسق، ولذلك فإن استيفاء الخبر من أكثر من مصدر منهج إسلامي صريح، وهذا واضح جدا في القضايا ذات الحساسية الخاصة التي يُتوقع أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا في الرأي العام المجتمعي، وهذا يشير إلي أن الإسلام سبق بمبادئه كل القواعد الصحفية والإعلامية الحالية.. ويُضيف د. محمود أن تأثير الخبر الكاذب في الرأي العام خطير جدا لأنه قد يؤدي إلي فتن وحروب وأخطار مجتمعية لا تنتهي، وللأسف فإن لدينا في الدول العربية إعلاميين وقنوات فضائية تأخذ المعلومات من السوشيال ميديا دون تحقق من صدقها، وهذا خطأ ديني قبل أن يكون خطأ إعلاميا. وأشار د. محمود إلي أن العلاج في وجود إعلاميين متخصصين لأن إسناد الأمر إلي غير أهله مفسدة إعلامية، ولذلك لا بد من سؤال المتخصصين، فمن واجب الإعلامي التثبت من المتخصصين قبل النشر، وهذا منهج لتربية الأمة وتربية الإعلاميين إلي الرجوع إلي المصادر الحقيقية قبل النشر. وطالب د. محمود يوسف المجلس الأعلي للبحوث الإسلامية والمجلس الأعلي للإعلام والمسئولين عن الصحافة بتطبيق كل القوانين علي الجميع لردع وإغلاق الباب أمام الشائعات وحفظا لاستقرار المجتمع.