بمجرد أن تخطو قدماك حي السيدة زينب لن تترك أذنيك همهمات الحديث عن منطقة التطوير هناك، والمعروفة سابقًا باسم »تل العقارب»، وأصبح اسمها الآن »روضة السيدة»، الجميع يتحدث والكل يتابع عن كثب مجريات الأمور، وما آلت إليه أوضاع البسطاء من قاطني تلك المنطقة، فمن شاهد هذا المكان قبل التطوير يعرف جيدًا حجم الإنجاز الذي تحقق في ثلاث سنوات فقط. حي »روضة السيدة» الذي أصبح الآن مزارًا وممشي سياحيًا يلفت أنظار كل من يمر أمامه، لم يكن وليد اللحظة بل تم تنفيذه بعرق وجهد أكثر من 900 مهندس وعامل مصري، واصلوا الليل بالنهار، وكانوا يعملون علي مدار ال24 ساعة دون راحة، ليتم الوصول للنتيجة النهائية، ويخرج الحي مُنفذا علي الطراز الإسلامي ويضاهي مباني القاهرة الفاطمية قديمًا. »لازم نتكاتف للقضاء علي العشوائيات في مصر»، كلمات من حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن المناطق العشوائية، وضرورة إزالتها من مصر، خلال افتتاح المرحلة الأولي من حي الأسمرات، كانت بمثابة الضوء الأخضر، الذي حرك صندوق العشوائيات والأحياء وكذلك قوات الأمن، وتضافرت جهودهم لإخلاء منطقة تل العقارب التي باتت مستوطنة لأكثر من 50 عامًا دون أن يتدخل أحد لحلها. »تل العقارب».. لم يكن اسمًا عبثيًا بل إنه كان توصيفا لما كانت عليه تلك المنطقة المقامة علي تل من القمامة والأتربة ارتفاعه 11 مترًا، وبه سلالم داخلية، ومساكن مقامة بالخشب والصاج والطوب، ودورات مياه مشتركة عمومية، ونسبة المباني المتصلة بشبكة المياه بالمنطقة تبلغ 27.5% من مباني المنطقة، وباقي سكان المنطقة يعتمدون علي استخدام الحنفيات العامة للحصول علي المياه. وطبقًا لإحصاءات صندوق تطوير العشوائيات، فإن نسب الأسر التي تعيش في سكن مكون من غرفة واحدة بالمنطقة بلغت 56%، بينما التي تعيش في غرفتين تقدر ب13%، بينما لا تتعدي نسبة الأسر التي تسكن في ثلاث غرف ال15% من إجمالي سكان المنطقة. تحدٍ وإصرار البداية، كانت بتصنيف منطقة تل العقارب إحدي المناطق غير الآمنة ذات درجة خطورة ثانية، أو ما يعرف بأنها سكن غير ملائم، ليبدأ صندوق تطوير العشوائيات أولي خطوات التطوير بتوقيع بروتوكول تعاون مع محافظة القاهرة خلال عام 2016 لتطوير المنطقة، والتي تبلغ مساحتها حوالي 7.5 فدان، ويبلغ عدد سكانها تقريبًا 3561 نسمة أي ما يقرب من 860 أسرة. »الحي، والأمن، والمحافظة» قاموا بدورهم في إخلاء المواطنين من المنطقة، ولم يكن أي منهم لديه نية الخروج من مكانه، وترددت شائعات فيما بينهم أن هناك مستثمرا أجنبيا سيقوم بالحصول علي الأرض، ومن ثم بناء مشروع استثماري ضخم، وحين تم تسكينهم خارج المنطقة تم العمل فعليًا في المشروع. المهندس بدر الدين محمد عبدالفتاح، مدير عام مشروع تطوير منطقة »روضة السيدة»، تم تكليفه من قبل جهاز تعمير القاهرة الكبري، لتولي هذا المشروع، ولم تكن تلك المرة الأولي التي تسند إليه مهمة صعبة هكذا، بل إنه أشرف علي تنفيذ حديقة مطار إمبابة، وكذلك مشروع الإسكان الاجتماعي بمنطقة السلام. بدر الدين، اصطحبنا في جولة للتعرف علي تفاصيل المشروع، وقال في بداية حديثه: »تكليفي بالإشراف علي المشروع فضل ونعمة من عند الله، فطالما حلمت بذلك فأنا من سكان منطقة السيدة زينب، وكنت أحلم يومًا ما بأن يتم تطهير تلك المنطقة وبناؤها من جديد فهي كانت تشبه بقعة الزيت علي الماء، وبالفعل تم تكليفي في أكتوبر 2016 من قبل جهاز تعمير القاهرة الكبري». الإحلال والتغيير الخطوة الأولي، كانت الأكثر صعوبة، وذلك لأن المنطقة بأكملها مُشيدة علي تل من الأتربة والقمامة ارتفاعه 11 مترًا، وتمت إزالته بالتتابع كل ليلة، فالعمل نهارًا كان صعبًا للغاية خاصة في تلك المرحلة، وبالفعل تم إزالة 150 ألف متر مكعب من الأتربة، وتم العمل علي ثلاث ورديات متلاحقة، والمرحلة الثانية هي صب الخرسانة، وحين يعطينا الحي إشارة البدء بإخلاء المنطقة من السكان، نتدخل لعمل ميزانيات شبكية، ويتم تسويتها بشكل مقارب للشوارع الخارجية، ويتم عمل مجسات لأبحاث التربة لمعرفة نوع التأسيس الملائم للمنطقة. وبحسب بدر الدين، لم تكن »تل العقارب» تتمتع بتربة جيدة تصلح لعمل الأساسات، وقمنا بحفر الأرض بعمق 4.5 متر إلي6.5 متر، وهناك 3 عمارات تم تشييدها علي خوازيق لأن تربتها لم تكن صالحة إطلاقًا، وكانت تلك العمارات هي السبب الرئيسي في تأخير المشروع. مدير المشروع، قال إنه تم وضع التصميم الهندسي، ومساحة المشروع 7 أفدنة ونصف فدان، مكونة من 16 عمارة سكنية أرضي، و5 أدوار متكررة، وهناك 4 نماذج للعمارات، نموذج »أ» وبه 4 مداخل، ونموذج »ب» وبه 8 مداخل، ومساحات الشقق تتراوح بين 65 مترا مسطحا إلي 86 مترا، وهناك نماذج عبارة عن 2 غرفة، وأخري 3 غرف، والدور الواحد مكون من 4 شقق كحد أقصي. ولفت إلي أن عدد المحلات كان 344 محلًا، وتم تعديل مساحات المحلات لتصبح 197، وذلك بناء علي توجيه رئيس الوزراء، بعد زيارته للحي فوجد أنه لابد من إضفاء قيمة مضافة للمكان بتوسيع مساحات المحلات، وأوصي أيضًا بتغيير ال»لاند سكيب» للمكان حيث تم تعديل مساحة الأرصفة من 2 متر لتصبح 7 و8 أمتار لتكون ممشي سياحيا. تصميم إسلامي عن تصميم المشروع، يحدثنا المهندس محمود حسن، أحد مهندسي المشروع، قائلًا إنه تم مراعاة عمل مشربيات بالوحدات لإضفاء لمسة إسلامية تراثية، وكذلك استخدام الحجر الهاشمي في الواجهات وجميع المداخل من الرخام، وأرضية الشارع من الانترلوك. وتابع حسن: »نحن نبني علي أصول معمارية ومواصفات قياسية وكان يجب أن نلتزم بتلك المعايير لأننا نبني مجتمعا جديدا فكان يجب مراعاة الأصول الفنية للبناء، وعرض الشارع يترواح من 12 مترا ل16 متر عرض، فكنا نراعي ألا نُصمم الشقق ك»علب كبريت»، والمصمم أجبر الساكن علي عدم استغلال الأسطح أو الشرفات، وهناك قيود إجبارية علي المواطن لمنع استغلال الشقق في غير السكن أو تغيير الهيكل الداخلي للشقة أو الكتابة علي الجدران». روضة السيدة 2 من جانبه، أكد حسام رأفت، رئيس حي السيدة زينب، أنه تم عمل نصب تذكاري للمكان ليؤرخ تاريخ الافتتاح، وعليه علم مصر، باسم حي روضة السيدة، في مقدمة الحي، ومواجهة الكوبري المقابل له ليتثني لجميع المارة مشاهدته، وتم تزويده بمساحات رخامية لتكون ساحة تنزه أو انتظار للمارة والسكان، وتم إحاطتها بالمساحات الخضراء وأعمدة الإنارة. وأكد رئيس الحي، أنهم بصدد حصر ملاك منطقة الطيبي المواجهة لمنطقة روضة السيدة حاليًا تمهيدًا لإزالتها وتطويرها علي غرار روضة السيدة، مُضيفًا أنه من المقرر أن يتم إطلاق اسم »روضة السيدة 2» علي المشروع عقب الانتهاء من تطويره، وقد وافق أهالي منطقة الطيبي بشكل مبدئي علي الانتقال لحين الانتهاء من تطوير المنطقة، لكنهم وضعوا عددًا من الشروط أبرزها تعويضهم عن ملكية الأرض والمباني التي سيتم هدمها أو البناء عليها. قبل رمضان المهندس خالد صديق، مدير صندوق تطوير العشوائيات، أوضح أن تكلفة مشروع روضة السيدة وصلت إلي 330 مليون جنيه، لافتًا إلي أن الوحدات السكنية بروضة السيدة ستسلم للمواطنين قبل شهر رمضان المقبل. وقال صديق: »الوحدات السكنية بمنطقة روضة السيدة مزودة بالأثاث والأجهزة الكهربائية، وتم مراعاة تصميم الوحدات السكنية لعوامل التهوية، والمواطن يقدر يستلم المفتاح، ويدخل ينام علي طول، الشقة مجهزة بالكامل ولا ينقصها شيء». وكشف مدير صندوق تطوير العشوائيات، عن سر اختيار التصميم المعماري المميز لمشروع منطقة »روضة السيدة»، والذي اعتمد علي الطراز المعماري الفاطمي لمصر قديمًا، موضحًا: »عايزين نرجع كل مكان لطبيعته العمرانية الأصلية، مثل القاهرة الخديوية، والمنازل البدوية في البحر الأحمر». وأشار إلي تحويل الشوارع في منطقة »روضة السيدة» لممشي سياحي، لذا ممنوع دخول السيارات بها، مشيرًا إلي إمكانية مقارنة المشروع ب»الكومباوندات» المتواجدة في مدينة الشيخ زايد، مع تفوق »روضة السيدة» بجمال التصميم المعماري الخارجي. وأضاف صديق، أنه لم يتم البدء في مرحلة تخصيص الشقق للسكان، ولكن الخطة تعتمد علي تخصيص الأدوار الأولي لكبار السن والمرضي، وباقي الأدوار تطرح عليها قرعة علنية أمام الجميع. وأوضح مدير صندوق تطوير العشوائيات، أن الوحدات السكنية في مشروع »روضة السيدة» لا تحتوي علي مصاعد كهربائية، مُعللًا: »العقار المصرح بتركيب مصعد كهربائي له يجب أن يتجاوز الستة أدوار، ووحدات المشروع 5 أدوار فقط بجانب الدور الأرضي».