بمجرد دخول المكتب الخاص بالدكتور ياسر عبد القادر، أستاذ علاج الأورام بجامعة القاهرة، تخطفك مجموعة من الصور التى تزين مكتبه مع شخصيات شهيرة، ولكن تظل صورته مع العملاق أحمد زكى الأبرز، كونه كان الطبيب المعالج له فى الفترة الأخيرة من حياته، فكانت العلاقة لم تكن مجرد مريض يتعامل مع طبيبه، ولكن امتدت العلاقة الى أكثر من ذلك، وتطورت إلى علاقة صداقة خاصة، وصلت الى حد التواصل الأسرى، ليكشف له “النمر الأسود” كثير من أسراره الخاصة سواء فى عالم الفن أو حياته الشخصية. فى البداية يقول ياسر عبد القادر: “برغم من مرور 14 عاما على رحيل العملاق أحمد زكى، إلا أن لا أحد يستطيع أن ينسى صاحب الأعمال التى أثرت الحياة الفنية، فلا أحد ينسى له شخصيته فى فيلم “أيام السادات” أو “حليم” أو “ناصر 56” أو المحام الفاسد فى “ضد الحكومة”، فهو قدم كثير من الأعمال التى تظل محفورة فى وجدان المشاهد العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة”. ماذا عن أول لقاء بينك والراحل أحمد زكى؟ كان اللقاء الأول معه فى 24 يناير 2004 تحت اسم أحمد زكى عبد الرحمن بدوى، ولم أكن على دراية باسم الشهرة الخاص به، وتم تحويله من جانب الدكتور أشرف حاتم استاذ الأمراض الصدرية بمستشفى 6 أكتوبر، وبعد الكشف عليه وتحاليل الرئة، اكتشفنا حقيقة مرضه بالسرطان، ومنذ هذه اللحظة أصبح زكى تحت رعايتى، ومع اللحظات الأولى أيقنت أننى أمام خصم عنيد للغاية لا يخضع لأوامر أى شخص حتى وإن كان ذلك فى صالحه العام، ولكن بعد فترة من التعامل نشب بيننا حالة من الوئام والتجانس دفعته الى وضع ثقته فى شخصى، وقرر أن يلتزم بما أقوله من قرارت الى حد بعيد، وقرر بعد فترة وجيزة السفر الى فرنسا لتلقى العلاج هناك. وهل انقطعت العلاقة بعد ذلك ؟ لا، لأننى التقيت به فى فرنسا أيضا، وقررت أن أصارحه بحقيقة مرضه، ولكن بشكل تدريجى، ومنذ اللحظة الأولى كان أحمد زكى على علم بابعاد حالته الصحية، حيث قمنا باستخراج 16 لتر ماء من رئته ما بين فترة علاجه فى القاهرة وباريس، وهو ما ينم عن تمكن المرض منه. كيف تلقى خبر حقيقة مرضه ؟ ظهر على وجهه التماسك الشديد، وقرر أن يتحدى مرضه على الرغم من أنه فى مرحلة متأخرة، وقال لى “أنا هتحدى مرضى وسأهزمه، وعلاجى الوحيد هو العمل باستمرار”، وكان يقوم بتصوير فيلم “حليم” وذلك الوقت، وتعاقد أيضا على أفلام أخرى لتنفيذها منها فيلم “رسائل البحر” و”الضربة القوية” و”المشير وأنا”، إلا أن من الصعب تنفيذ ذلك على أرض الواقع نظرا لظروفه الصحية الصعبة حيث كان المرض منتشرا بشكل كبير، وفى هذه الرحلة بدأنا سويا رحلة العلاج بالكيماوى. “حليم” كيف كان التعامل معه فى هذه المرحلة وتحديدا أثناء تصوير فيلم “حليم”؟ كانت هناك متابعة دورية، وحرصت على الحديث مع المنتج عماد الدين أديب وتوضيح كافة التفاصيل الخاصة بحالة أحمد زكى المرضية، وبرغم من مطالبتى وباقى فريق العمل بضرورة حصوله على راحة وألا يعرض نفسه الى الإجهاد إلا أنه لم يستمع لأحد، حتى قلت للمنتج “هذا الرجل سيرحل وهو فى البلاتوه”، وكانت بالفعل النهاية حيث وصل المرض الى منتهاه، وفقد بصره أثناء تصويره أحد مشاهد الفيلم على مسرح مدرسة السعدية، وكان من ضمن التجهيزات الطبية كانت هناك عربة إسعاف بها جميع مستلزماته الطبية بجواره أينما ذهب فى أمكان التصوير المختلفة، والتى كانت معظمها بين مسرح الهرم ومسرح مدرسة السعدية، وبرغم من إصابته بجلطة فى القدم أثناء التصوير أيضا إلا أنه كان حريص على استمراره. هل تأثر سلبيا بعد فقدان بصره؟ لم يشعر أحد بهذا الأمر، وكان يتمتع بقدر كبير من الصلابة والشجاعة فى التعامل مع تطورات مرضه، ودون أن يشعر أحد بما يصيبه، فكنت الوحيد على علم بما يجرى من تطورات الحالة الصحية له، وأتذكر واقعة كانت سببا فى معرفة دكتور أسامة الباز بحقيقة فقدان بصره، حيث حضر أسامة الباز لزيارته فى المستشفى، وكان فى بداية الأمر لم يشعر الباز بحقيقة الأمر حيث كان لدى أحمد زكى حس فنى وأداء عال، حيث اعتمد على حواسه الأخرى مثل السمع، ولكن فى نهاية الجلسة اكتشف أسامة الباز حقيقة فقدان بصره وتأثر كثيرا. “أصعب المواقف” وماذا عن أكثر المواقف تأثيرا فى هذه المرحلة من حياته خاصة مع رغبته فى تجسيد لحظات الموت بأداءه التمثيلى؟ أعتبر أن هذا المشهد من أصعب المشاهد التى مررت بها فى حياتى ولازلت متأثرا بها، وفى موقف استثنائى منه، أراد تمثيل مشهد يعبر عن لحظة وفاته، فألف سيناريو ومثله، وكنا جالسين بمفردنا، وأورد حوارا بينه وبين ملك الموت وكأنه يستأذنه فى 10 دقائق قبل أخذ روحه، لتحضير سرادق عزائه فى الحامدية الشاذلية، ليكون قريب من بيته، وبرغم من ذلك أقيم العزاء فى مسجد مصطفى محمود. ماذا عن الجانب المادى فى هذه الفترة من حياته؟ لم يكن أحمد زكى شغوفا لكسب المال من عمله، وكان يحرص على تقديم رسالة حقيقية من خلال أعماله، والدليل على ذلك أنه توفى ولم يكن يملك رصيدا من المال، ولم يمتلك سوى سيارة متهالكة كانت تحتاج لكثير من المال من اجل اصلاحها، وكان مديونا إلى قطاع الإنتاج بإتحاد الإذاعة والتلفزيون بسبب فيلم “أيام السادات”، وكان يرفض المشاركة فى الإعلانات، إلا أنه كان ينوى المشاركة فى إعلان مقروء عن أضرار التدخين وكيفية الاقلاع منه، وجاء حرصه على تنفيذ هذا الإعلان نابعا من أزمته مع التدخين، وبرغم معاناته المادية إلا أنه كان لديه عزة نفس وكبرياء. ما الذى كان يشغل باله فى هذه الفترة ؟ كان دائما يسترجع ذكرياته ومشواره الفنى، وكان يحدثنى دائما عن معاناته داخل الوسط الفنى خاصة فى المرحلة الأولى حيث شهد معاملة غير لائقة داخل الوسط فى بدايته، منها على سبيل المثال لا الحصر أنه كان الممثل الوحيد الذى لا يمتلك غرفة خاصة به أثناء مشاركته فى عرض مسرحية “مدرسة المشاغبين”، وكان يأتى من منزله مرتديا الملابس الخاصة بالشخصية ويصعد مباشرة على المسرح، أما على المستوى الشخصى فهو من الشخصيات التى تميل الى العزلة، ويخشى غدر الناس، ولذلك كان يعيش حياته بمفرده حتى أنه ابتعد عن نجله هيثم الذى تربى مع والدته وخاله. “أرض الخوف” ماذا عن رؤيته لأعماله ومشواره الفنى ؟ برغم من تقديمه كثير من الأعمال الفنية التى تطل محفورة فى وجدان المشاهد العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة إلا أنه يرى الفيلم الأقرب إلى قلبه هو “أرض الخوف” مع المخرج داود عبد السيد، ويعد الممثل الوحيد الذى جسد الشخصيات فى أماكنها الطبيعية، منها قصة تجسيده شخصية جمال عبد الناصر فى قناة السويس وذلك فيلم “ناصر 56”، وتعرض العمل إلى موقف صعب للغاية حيث كانت هناك صورة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وكان من الضرورى إزالتها ووضع صورة جمال عبد الناصر، وهو أمر قد يعرض العمل ككل الى المنع وتوقف التصوير ولكن بعد الحديث مع زكريا عزمى تقرر ازاله صورة الرئيس حسنى مبارك، فكان لديه كثير من الطموحات والأعمال التى كان يرغب فى تنفيذها منها تجسيد شخصية “بن لادن”، كان من أحلامه تنفيذ فيلم “رسائل البحر” مع المخرج داود عبد السيد، ولكنى رفضت تماما ومنعته من المشاركة، خاصة بعد علمى بتفاصيل بعض المشاهد منها مشهد جلوسه على شاطئ البحر يناجى ربه وإذ بموجه تطرحه أرضا فقلت له رئتك لا تتحمل هذه النوعية من المشاهد وقد تؤدى بحياتك. هل كان يرفض الزيارات الخاصة له فى المستشفى ؟ كنت أمنع عنه الزيارات، فضلا عن أنه كان لا يرغب فى أن يراه أى شخص فى حالته المرضية خاصة فى الفترة الأخيرة، ولكن هناك موقف كان الأكثر إنسانية منه، حيث حرصت طفلة على زيارته مع والدها ووالدتها قادمون من طنطا، وبرغم من رفضه للزيارات وافق على مقابلة الطفلة التى كانت ترغب فى رؤيته والاطمئنان عليه، كذلك زاره أحد المواطنين الذين طلبوا التبرع له برئته، وحرص زكى على مقابلة هؤلاء فى حين كان يرفض مقابلة الفنانين والمشاهير، والذى كانوا دوما بالمستشفى مثل يسرا وشهيرة التى لقنته الشهادة. وأخيرا ماذا عن أقرب الأعمال الى قلبك كمشاهد ومحب للفنان الراحل؟ هناك كثير من الأفلام التى قدمها أحمد زكى وبرع فى أدائها بشكل جيد، فكان يتمتع بشعبية كبير على المستوى العربى، وحرص على تقديم أفلام ذات رسالة حقيقية ولكن من أقرب الأعمال الى قلبى فيلم “أرض الخوف” والذى نصحنى بمشاهدته.