شيء جميل أن تبدأ العام الجديد بقراءة كتاب جديد، الأجمل أن يكون هذا الكتاب هو باكورة أعمال الكاتب الصديق سعيد الخولي والذي صدر مؤخرا تحت عنوان »أوراق العمر الأخضر.. نعكشة في الذاكرة» والذي جاء بعد أكثر من خمسة وثلاثين عاما كان قلمه طوالها لغيره بحكم عمله باعتباره أحد رموز التصحيح والتدقيق اللغوي والمراجعة التحريرية في دارنا الحبيبة أخبار اليوم. سعيد يقول إن كتابه جاء متأخرا في صدوره بعد كل هذا العمر في بلاط صاحبة الجلالة مثله في ذلك مثل آلاف الأدباء الموهوبين الذين تفترس الصحافة معظم وقتهم فلا تدع منه للإبداع إلا الفتات فالصحافة مقبرة الأديب وقليلون هم هؤلاء الذين نجحوا في أن يحفروا أسماءهم ضمن صفوف كبار الأدباء دون أن يخل ذلك بدورهم الصحفي بل كثير منهم وصلوا لمنصب رئيس التحرير فحقق في الصحافة نفس النجاح الذي حققه في الأدب مثل إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وموسي صبري وغيرهم.. وكما يقول المثل إن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي مطلقا، لذا فأنا أعتبر أن سعيد الخولي أثبت بهذا الكتاب أن الصحفي لو توافرت عنده الإرادة القوية فسينتزع وقتا من براثن الصحافة لينتج لنا مثل هذه الأعمال القيمة خاصة لو كان وراءها قضية أعتبرها من وجهة نظري أهم قضية تشغل الإنسان في كل زمان ومكان ألا وهي قضية العودة للجذور حيث اختار سعيد عشرة أعوام هي أوراق عمره الأخضر في حياته منذ 1968 حتي 1978 قضاها في أحضان قريته الجميلة »نكلا العنب» بعد نزوحه منها مع أسرته إلي القاهرة عام 1965 ثم عودته مرة أخري للدراسة بين جده وأعمامه وأبناء عمومته. ويصف سعيد تلك الفترة قائلا: تفتحت حواسي علي الدنيا وتلقيت دروسي الأولي في الدنيا فكانت بمنزلة قواعد حياتي اللاحقة أورثتني عشق الريف وأهله وعلمتني كيف أتعامل مع العالم بمزيج من التعقل والصبر والقناعة وحب الجمال كما خلقه الله. كتاب سعيد الخولي تفوح منه رائحة الغيطان والطحين والخبيز والجبنة القريش علي الترعة في تلك القرية الجميلة التي تحب الحياة وتصنعها لكنها في نفس الوقت لا تنسي الموت ولا تنسي الاحتفاء بمن مات. كما مرت بالقرية أيام لا تنسي شهدت فيها زعامات مصرية تاريخية زارتها في مناسبات سجلها التاريخ بالصوت والصورة أبرزها زيارة الرئيس السادات لها يوم 15 مايو 1979 للاحتفال بعيد ثورة التصحيح ويبرع سعيد في وصف اهتمام الدولة كلها بقريته استعدادا للزيارة المرتقبة حيث كان في استقباله كبير عائلة دبوس التي يقال إن السادات كان مختبئا عندها فترة هروبه عقب اتهامه في مقتل أمين عثمان. سعيد الخولي هو أحد اكتشافات الزميل والصديق محمد درويش المسئول عن صفحات الرأي في الأخبار منذ سنوات طويلة استحق خلالها عن جدارة لقب مكتشف النجوم الذي جعل كتابة الرأي حقا لكل موهوب بغض النظر عن عمره ولعل هذا النشر في المقالات بل اليوميات شجع كثيرا من الزملاء علي إصدار مؤلفات مثل هذا الكتاب لسعيد الخولي والذي من أكثر ما تميز به غير أسلوبه المميز في السرد والحكي مجموعة من الصور النادرة التي تحكي كل ما تحدث عنه سعيد خلال نعكشته في الذاكرة التي ختمها بتلك المفارقة التي تمثلت في حصوله علي مجموع في الثانوية لم يؤهله لدخول كلية الطب كما كانت الأسرة تأمل منه رغم أنه لم يتخيل نفسه طبيبا، لتلعب الأقدار دورها فالتحق بكلية دار العلوم التي بزغ فيها نجمه لعشقه الشديد للغة العربية، فشكرا للأقدار وشكرا لكلية دار العلوم وفي انتظار كتابك الثاني أيها الدرعمي المتميز.