رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبى كونتى مع المشير حفتر قائد الجيش الليبى كتب مؤتمر باليرمو فصلاً جديداً مما يمكن وصفه ب"المماطلة السياسية" التي صاحبت الأزمة الليبية خلال السنوات الماضية، باعتباره واحدا من المنصات الدولية التي جمعت أطراف الخلاف والفاعلين الدوليين، وانتهي إلي جملة من "الاستنتاجات" التي لم يسمها المجتمعون "بياناً ختامياً"، كما لم تتضمن بنوداً واضحة أو تفاصيل للإجراءات السياسية والأمنية التي جاءت في سياق التأكيد وتجديد الموقف سواء من المشاركين أو الأطراف المحلية دون تسمية قرارات أو توصيات، وقبل الخوض في تفاصيل ما جري في تلك المدينة الإيطالية، نلفت إلي تصريحات خص بها السفير الفرنسي بالقاهرة، ستيفان روماتييه، مجلة آخر ساعة، حيث أكد أن الرئيس إيمانويل ماكرون سوف يحل ضيفاً علي مصر مطلع العام المقبل دون تحديد موعد واضح، ولكن مصدر فرنسي مطلع أكد لنا أن الزيارة ستكون في الأسبوع الأخير من يناير. السفير الفرنسي أكد أيضاً أن هناك تنسيقا واتصالات شبه يومية بين الإليزيه والرئاسة المصرية، فيما يخص كل الملفات الإقليمية، وعلي رأسها الوضع في ليبيا، حيث تثمن باريس الجهد المصري في تدعيم وتوحيد الجيش الليبي، وما تبذله من أجل إجراء انتخابات وكتابة دستور جديد للبلاد. ورداً علي سؤال حول غياب فرنسا عن مؤتمرباليرمو، وما حدث من تراشق إعلامي دبلوماسي بين روماوباريس في هذا الإطار، قال روماتييه إن "فرنسا وإيطاليا ليستا في وضعية سباق داخل ليبيا". غير أن المؤتمر الذي أداره رئيس الوزراء البريطاني چوزيبي كونتي والذي اتسم باختلاف مستويات التمثيل بدءاً بالسفير إلي رئيس الدولة، وهو ما اعتبره البعض دافعاً لعدم خروج اتفاق واضح البنود ملزم للأطراف الليبية، بالنظر إلي أن بعض المشاركين غير مخول لهم التوقيع علي اتفاق أو رؤية، خاصة أن تلك الخطوة تحتاج تمثيلاً دبلوماسياً متساوياً، فضلاً عن تباين مواقف المشاركين أنفسهم وما صاحبها من انسحاب لوفد تركيا، اعتراضاً علي عدم إشراكه في القمة المصغرة. الغموض لازم التحضيرات التي استبقت المؤتمر، لا سيما ما يتعلق بحضور القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، بالإضافة إلي ظهور مشاركين دوليين في الساعات الأخيرة. مصالحة وطنية ولكن الاستنتاجات التي انتهي إليها المؤتمر تنحصر في ثلاثة مبادئ تتمثل في السعي لعقد الانتخابات العامة في ربيع 2019، وإطلاق حملة وطنية لإنقاذ الجنوب، وتدشين لجنة تحضير لمؤتمر للمصالحة الوطنية الشامل. ولكن ما توصل إليه المؤتمرون في باليرمو أثار من الأسئلة أكثر ما قدم من إجابات، لا سيما مع مباركة المشاركين جهود المبعوث الأممي غسان سلامة دون تحديد اختصاصات تلك الجهود لا سيما مع غموض آخر صاحب خطته للحل السياسي، لا سيما عندما ألقي بجملة من العراقيل أمام تلك الخطة خلال إحاطته أمام مجلس الأمن مطلع الأسبوع، يضاف إلي ما سبق تزمين الملتقي الوطني المزمع عقده في الأسابيع الأولي من 2019 دون أن يجري الحديث عن معاييره أو أعضائه، كما لم يجر تحديد صيغة للانتخابات بخلاف السعي لإجرائها في ربيع 2019، كما لم يفك المناقشون الجدل بشأنها، لا سيما مع اختلاف في الداخل الليبي حول ترتيب إجرائها.. هل البرلمانية أولاً أم الرئاسية؟ الشيء اللافت للنظر في مؤتمر باليرمو عما سبقه من منصات دولية، لا سيما مؤتمر باريس، يتمثل في تسمية، لأول مرة، دور واضح لمصر في توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلي البعد الاقتصادي والتنموي وإدارة المؤسسة المصرفية والإجراءات الاقتصادية الأخيرة، وآليات مواجهة الفساد ومراجعة حسابات المصرف المركزي. علي مستوي التفاصيل وعلي مستوي التفاصيل، أعلن فائز السراج في كلمته دعمه إجراء انتخابات متزامنة لاختيار رئيس للدولة والجسم التشريعي الجديد في الربيع المقبل، وضرورة إتمام الاستحقاقات الدستورية بالخصوص، كما رحب بعقد المؤتمر الوطني الجامع في الأسابيع الأولي من العام الجديد، حسبما ورد في إفادة المبعوث الأممي غسان سلامة أمام مجلس الأمن الدولي. وفي خضم النتائج طالب المشاركون، في ختام اجتماعهم، مجلس النواب بإصدار قانون استفتاء؛ بهدف إتمام العملية الدستورية كإنجاز مركزي لسيادة الدولة الليبية. ونص البيان، الذي جري توزيعه تحت عنوان "استنتاجات"، علي ضرورة التحقق من توافر كافة الشروط التقنية والتشريعية والسياسية والأمنية المطلوبة، مع دعم متزايد من المجتمع الدولي من الآن فصاعداً لإجراء الانتخابات، فيما تعهدت الوفود الليبية ب"احترام نتائج الانتخابات لدي إجرائها، في حين تخضع الأطراف التي تحاول نسف أو عرقلة العملية الانتخابية للمساءلة". كما أعلن رئيس المجلس الرئاسي إطلاق الحملة الوطنية لإنقاذ الجنوب الليبي، وإشرافه علي هذه الحملة التي ستشمل ثلاثة محاور هي الأمن والخدمات والوضع الاجتماعي، داعياً جميع الأطراف للتجاوب مع هذه الحملة، قائلاً: "ليكن الجنوب عنواناً لتوحيد المواقف، ومنطلقاً لتوحيد مؤسسات الدولة جميعها". وقال السراج إنه سيعلن خلال أيام أسماء أعضاء لجنة تحضير لمؤتمر للمصالحة الوطنية الشاملة تكون نواة لمشروع وطني شامل، مطالباً بأن يكون داخل ليبيا، وذلك ليناقش الليبيون سبل الحل والخروج من الانسداد السياسي الحالي. وتضمنت النتائج أيضاً التأكيد علي أن "الوضع السياسي والأمني الحالي غير قابل للاستمرار، وأنه لا مجال لحل عسكري في ليبيا، فالحل السلمي وحده قابل للاستمرار"، وهو إعادة تدوير لمخرجات الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015، الذي قالوا إنه "يبقي الإطار الوحيد المتاح لإنجاز مسار شامل ومستدام من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا". الأكثر بروزاً غير أن النقطة الأكثر بروزاً أيضاً في "الاستنتاجات" تسمية دور لمصر لأول مرة من خلال "دعم الحوار بقيادة مصر في بناء مؤسسات عسكرية موحدة تتمتع بالمهنية والمساءلة تحت السلطة المدنية". المبعوث الأممي أطلق تصريحات قبل ساعات من المؤتمر، قال فيه إن ملف توحيد الجيش الليبي يواجه مشكلة أنه بعيد عن "قوات المشير خليفة حفتر"، معتبراً أن ما يجري أن ثمة "مجموعات من الضباط العسكريين يمثلون ذواتهم، وكثير منهم يلتزم منزله، خاصة الموجودين في غرب البلاد"، مضيفاً أنه "لا يزال هناك غموض في مواقف بعض القوي الدولية حول حفتر وأن ثمة ما يقلقهم من طموحاته". ترتيبات أمنية إزاء ما سبق كان للأحداث الأمنية في العاصمة حضور لافت، حيث شجب المشاركون اللجوء للعنف في طرابلس، وحثوا جميع الأطراف علي "متابعة التطبيق الكامل والسريع للاتفاقات الأمنية الجديدة في طرابلس، القائمة علي إعادة نشر القوات المسلحة والأمنية النظامية؛ لتحل محل الجماعات المسلحة". وكرر المشاركون استعداد المجتمع الدولي ل"اتخاذ عقوبات موجهة، إزاء من ينتهك وقف إطلاق النار في طرابلس"، و"اتخاذ مبادرات من أجل بناء قدرات المؤسسات الأمنية في ليبيا، بما في ذلك مركز العمليات المشترك وذلك أيضاً من خلال أنشطة تدريب قوات الأمن والشرطة النظامية". وبالانتقال إلي ملف الجنوب كان الحضور الأبرز التعهد بإطلاق حملة وطنية لإنقاذ الجنوب، في خضم التعبير عن القلق إزاء الأوضاع الأمنية والإنسانية في جنوب البلاد، حين تطرقوا إلي "أهمية الالتزام من أجل تسهيل عودة النازحين". الملف الاقتصادي وبشأن الملف الاقتصادي ذكر المشاركون بالإصلاحات الاقتصادية المعتمدة مؤخراً من قبل حكومة الوفاق الوطني وحثوا علي "متابعة تنفيذها بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة في ليبيا والمؤسسات المالية الدولية من أجل تأمين الموارد والاستثمارات التي تدعم الخدمات الأساسية لكافة المحافظات ولكل الشعب الليبي وتحسين الأوضاع المعيشية". وانتقل النقاش إلي ما أُثير مؤخراً بشأن فساد بعدة قطاعات حكومية، حيث رحبوا بالجهود الجارية من أجل "تشجيع المساءلة داخل المؤسسات الاقتصادية، وضرورة تخطي كافة أشكال السطو والفساد والضبابية من أجل السماح لكل الشعب بالاستفادة من الموارد الليبية"، كما طالبوا جميع المنظمات الدولية بتزويد السلطات الليبية بالدعم التقني والخبرة المهنية من أجل تحقيق تلك الأهداف، فضلاً عن "بدء حوار معزز حول الشفافية المالية وتنفيذ الميزانية من أجل التجاوب مع المطلب الليبي بالمساءلة ومن أجل توزيع شفاف وعادل للموارد". الدور الروسي الحضور الروسي في المؤتمر كان واضحاً من خلال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف، وهو ما اعتبرته جريدة "إل صولي 24" الإيطالية حضوراً لافتاً، باعتبار أن مؤتمر باليرمو "أبرز جوانب غير ثانوية، بدءاً من دور روسي قوي لملء الفراغ الذي تركته الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي يبدو أنها لا تعير اهتماماً كبيراً بمصير دول الشمال الأفريقي". ورغم غيابها رحبت الولاياتالمتحدة بنتائج باليرمو، ودعم واشنطن بقوة المبعوث الأممي غسان سلامة وخطة العمل الخاصة بالأممالمتحدة التي أُعيد تقويمها، التي قدمها إلي مجلس الأمن في 8 نوفمبر، التي تدعو إلي عقد مؤتمر وطني تقوده ليبيا في الأسابيع الأولي من العام 2019 لتبدأ العملية الانتخابية اللاحقة في ربيع العام 2019. الجريدة الإيطالية قالت إن "روسيا، أصبحت الوسيط الذي لا يمكن تجاهله في الأزمة الليبية، وترتبط بعلاقات يمكن وصفها بأنها أكثر من ودية مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر وتستعد للعب دور مهم أيضاً في ليبيا". وأرجعت الجريدة الاهتمام الروسي إلي المردود التجاري المحتمل لموسكو لهذا الدور عند بدء عملية إعادة البناء في ليبيا، بالإضافة إلي قطاع الطاقة، وهو ما يتسق مع تصريحات ميدفيديف بقوله إن بلاده مستعدة للمشاركة في إصلاح عجلة الاقتصاد وتحسين المجال الاجتماعي في ليبيا، بالإضافة إلي اعتبار أن "إصلاح الاقتصاد وإحياء المجال الاجتماعي، والمشروعات الواعدة التي يمكن ويجب تجديدها، هو أمر جوهري لتجديد الحياة العادية في ليبيا". إزاء ما سبق يمكن القول إن مؤتمر باليرمو جمع مستويات تمثيل دولية متباينة بجوار كافة الأطراف الليبية الرئيسية، بالإضافة إلي جمعه ممثلين عن المناطق والمجتمع المدني، بخلاف مؤتمر باريس، لكن الأخير كان أكثر دقة في الخروج بتوصيات واضحة وبنود عملية، وإن لم يكتب لأي منها النجاح حتي الآن، ما يثير التساؤل: هل اقتنع المجتمع الدولي والأطراف الليبية بأن إعلان تعهدات يستوجب أولاً ضمان تنفيذها، أم أن المنصة الدولية في باليرمو لم تنجح في تحريك أية ملف بشأن الأزمة الليبية؟