أفكر كثيراً فيما قاله بابلو نيرودا. أفكر كثيراً في الصباح، وفي النافذة. وأسأل نفسي: هل أكتب عن القتيل أم الوردة؟ أنا أحب الورود، لكنني أحب البشر أكثر. حين نرى الرؤوس وهي تتدحرج أمامنا مثل كرات البلي، ماذا بإمكاننا أن نفعل؟ حين نسمع أنهم توصلوا إلى طريقة جديدة في القتل، وهي تقطيع الجسد بالمنشار، ماذا بإمكاننا أن نكتب؟ هذا العالم نشيده فينهار فعلاً. منذ عام 2011، والشاعر ليس بإمكانه أن يصدق أن القتلة، يستطيعون خلق مجازات، وصور شعرية، لا يمكن أن تخطر على باله. يقول هنري ميلر إن الشاعر هو سيد المخيلة. عفواً يا سيد ميلر. لقد تغير الوضع. القاتل هو سيد المخيلة! أتخيل كثيراً منظر أي شاعر وهو يكتب قصيدة، إنه يهرول في غرفته مثل مجذوب، ويبكي مثل طفل، لأن قصيدته لا تحتمل هذا الكم الهائل من الجثث. وهنا أعيد عليكم ما قاله بابلو نيرودا: أليس من المخجل أن نكتب شعراً في الوردة؟ الشاعر اليوم أمام خيارين، لا ثالث لهما، إما أن يكتب عن القتيل، أو يكتب عن القتيل! قد يقول أحدهم: لكن هذا ليس دور الشاعر. أسأله: ما دوره إذن؟ الشاعر الذي أطلقُ عليه، شاعر ال "ما بعد"، ما بعد القرن العشرين، وما بعد الثورات، وجد نفسه أمام تحدٍ كبير، أمام تغيرات تحدث في الجغرافيا، وفي الشعر، فلم تعد البلاد هي البلاد، ولم يعد الشعر هو الشعر. وهو ما يجعلنا نسأل كل يوم: ما الشعر؟ هذا السؤال السهل، والصعب، في آن. السؤال الذي يعجز الكثيرون عن الإجابة عليه، لأن ثمة منهم من يُجيد صُنع القصائد، من يُجيد ضم المجاز إلي المجاز، وضم الصورة إلى الصورة، دون أن تلقي الكلمات صدى في قلبه. الشعر في رأيي، هو دفقة الدم التي تنزل منك في اللحظة التي تقف فيها عارياً لاستبدال ملابسك التحتية. الشعر يحمل هذه العفوية.. هذه الصدمة أيضاً. لكن ما هو رأى الآخرين؟ دعونا نعرف. ________ * ريلكه