د. سالم الكتبي لاشك أن هناك ارتباطاً بدرجات متفاوتة بين الأزمات الدولية، فهناك نوع من التتّبع الإيراني لمسارات الأزمة الأمريكية الكورية الشمالية طيلة السنوات الماضية، للاستفادة من دروسها وتطبيق السيناريو ذاته في العلاقات الإيرانيةالأمريكية، حيث شاهد الجميع كيف أن نظام الملالي الإيراني يستنسخ تكتيكات النظام الكوري الشمالي في إدارة العلاقة مع واشنطن منذ سنوات طويلة مضت، وبدا واضحاً أن التعاون بين طهرانوبيونج يانج لم يقتصر علي التعاون العسكري وفي المجال النووي، بل امتد أيضاً ليشمل استلهام دروس إدارة الأزمات، واستخدام سياسة »حافة الهاوية« في التعامل مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتي جاءت إدارة الرئيس ترامب الذي يجيد هذه الدبلوماسية بشكل واضح، كما يجيد المراوغة والانتقال الفجائي من مربع التوتر إلي مربع التهدئة وفق حسابات إدارة الأزمة ومعطياتها وما تحققه من مكاسب استراتيجية للولايات المتحدة. في سنغافورة، تم التوصل خلال القمة التاريخية التي جمعت بين ترامب وكيم جونج أون علي أن تبدأ بيونج يانج بالعمل نحو نزع سلاحها النووي، إلا أنه لم يتم تحديد أي جدول زمني أو تفاصيل أو آليات للتحقق من العملية، وتعهد كيم أيضاً بتفكيك موقع التجارب الصاروخية والموقع الرئيسي لإطلاق هذه الصواريخ، وقال إنه «قد يوقف موقع التجارب النووية إذا اتخذت الولاياتالمتحدة إجراء متبادلاً». بعد القمة التي عقدت بين الرئيسين الكوري الشمالي والأمريكي، تبني الجانبان لغة تهدئة مفاجئة للمراقبين، حيث انتقل خطاب الرئيس ترامب من وصف الزعيم الكوري الشمالية بألفاظ تصنف خارج قاموس الأدبيات المتعارف عليه بين رؤساء وقادة الدول، إلي وصفه بصفات إيجابية تشير إلي تغير المزاج العام للعلاقات بين الدولتين. ورغم تعثر مفاوضات نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، فإن بيونج يانج أصدرت مؤخراً مواقف أكثر تشدداً، حيث حذر وزير خارجية كوريا الشمالية من أنه ليس هناك أي مجال لنزع بلاده سلاحها النووي إذا استمرت الولاياتالمتحدة بفرض العقوبات عليها، وقال ري يونج هو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن «العقوبات المفروضة علي بلاده عمقت عدم الثقة مع الولاياتالمتحدة». الحديث عن مسألة «عدم الثقة»مجدداً رغم «تغريدات»الرئيس ترامب التي تحدث فيها عن «وقوعه في غرام «الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، وقال ترامب «لقد كنت عنيفا للغاية، وهكذا كان هو، ونحن نتبادل التهديدات.. ثم وقعنا في الحب»، وأضاف: «لقد كتب لي رسائل جميلة، وهي رسائل رائعة.. ووقعنا في الحب». وأشار ترامب إلي توقف بيونج يانج عن إجراء تجارب نووية، فضلاً عن التوقف عن إطلاق الصواريخ الباليستية، كدليل علي أن نهجه مع كوريا الشمالية كان ناجحاً، بينما يقول المنتقدون إن البرنامج النووي لكوريا الشمالية ما زال مستمراً. الأمر بات يثير تساؤلات جوهرية حول التأثير والتأثر المتبادل بين الأزمتين الكورية الشمالية من ناحية والإيرانية من ناحية ثانية، فرغم أجواء «الحب»التي أشار إليها ترامب، فإن وزير الخارجية الكوري الشمالي تحدث في الأممالمتحدة عن أن «موقف الولاياتالمتحدة يعتمد علي تدابير قسرية تزيد من انعدام الثقة»، وأشار إلي أن «التصور بأن العقوبات يمكن أن تركعنا هو حلم بعيد المنال يراود الناس الذين يجهلوننا»، في عودة مفاجئة للغة الخشنة، التي انحسرت بشكل واضح عن الخطاب السياسي المتبادل بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة. من المؤكد أن الرئيس ترامب لن يعترف بأي تعثر في مسار المفاوضات مع كوريا الشمالية، ولاسيما في التوقيت الراهن بكل حساسيته المرتبطة بقرب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، ناهيك عن أسلوب ترامب ذاته وصعوبة اعترافه بفشل سياساته. هل تسبب انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في تغيير نهج كوريا الشمالية، التي باتت تتحدث كثيراً عن «أزمة ثقة» لا تزال قائمة في الولاياتالمتحدة، وترفض بالتالي أي خطوات أحادية الجانب؟ وهل تأثرت كوريا الشمالية بتطورات الأزمة بين الولاياتالمتحدةوإيران؟ الأرجح أن كوريا الشمالية حالة معزولة بالنسبة للولايات المتحدة بحكم اختلاف بيئة الصراع ومعطيات الأزمة، ولكن حسابات كوريا الشمالية ذاتها لن تبتعد كثيراً عن مراقبة تطورات الأزمة الإيرانيةالأمريكية، ولاسيما في ظل وجود قاسم مشترك واحد هو القدرات النووية للطرفين، الإيراني والكوري الشمالي، وبالتالي فإن حالة التأثير والتأثر ستبرز حتماً لدي الطرفين في التعامل مع الولاياتالمتحدة، ويبدو أن تعنت كوريا الشمالية مجدداً قد يشجع النظام الإيراني علي مواصلة العناد، ما يعوق توجه الرئيس ترامب الذي كان يحاول أن يجعل من معالجته للأزمة الكورية الشمالية نموذجاً يمكن الاقتداء به في التعامل مع الخطر النووي الإيراني. لذا فإن الولاياتالمتحدة لابد من أن تراعي علاقة التأثير والتأثر هذه وتبلور استراتيجية شاملة للتعامل مع إيران آخذة بالاعتبار أن توجهات نظام الملالي الثيوقراطي قد تكون أكثر تطرفاً وتشدداً من نظيره الكوري الشمالي، وأن استعداد هذا النظام للمغامرات الطائشة ربما لا تقل عن نظام كوريا الشمالية.