»مثل ميزانية شركة صغيرة» هكذا وصف د.عبد الواحد النبوي وزير الثقافة الأسبق ضآلة ميزانية وزارته، ومحدودية إمكاناتها، وكأنه يبرر مسبقًا عجز وزارته عن تقديم خدمات حقيقية إلي ملايين البسطاء في مختلف أنحاء بلادنا من أقصاها إلي أقصاها، ومباغتًا المجتمع ألا ينتظر شيئًا ذا بال، وذلك في وقت عربد فيه الفكر المتطرف في ربوعنا، وانطلقت حناجره الكئيبة تولول في الجنبات، وزغردت أثناءه في عدة مواقع رصاصات الغدر المنطلقة من فوهة الغلو والتشدد اللذين يبرأ منهما ديننا السمح الكريم، هكذا فعل وزير الثقافة الأسبق كي لا ننتظر منه إنجازات حقيقية، أو إضافات نوعية، تتصدي للخواء العظيم الذي انتشر في ساحتنا، وتملأ الفراغ الرهيب الذي سيطر علي واقعنا وكاد يودي بمسيرة وطن عريق في طرفة عين، وحينها، تصديت للوزير الأسبق وانتقدت تصريحه الذي خرج مبررًا العجز والفشل المسبق، وعبر أكثر من مقال وأبرزها حمل عنوان: »ماذا يفعل وزير الثقافة؟»، تصديت لهذه الروح الانهزامية التي أشاعها تصريح الأسبق، في وقت حرج تمر به أمة كثرت جراحها، أما لماذا أذكر الآن هذا الكلام، فلأن نفس الروح المنهزمة لاتزال للأسف تؤرق حياتنا الثقافية، وذات الممارسات السابقة مازلنا نصطدم بها بين الحين والآخر، وأبرز ما تثيره مقولة الوزير الأسبق من أسئلة هو سؤال مرير ساخر، فمادامت ميزانية وزارة الثقافة تماثل ميزانية شركة صغيرة علي حد قول الوزير الأسبق، فلماذا عدم الحرص علي إنفاقها في الأوجه المرصودة لها؟ وتوجيه كل مليم فيها إلي مكانه الصواب؟، وهل يعقل أن يمنح جزء ولو ضئيل منها إلي قراصنة الأدب؟، وبلطجية الحياة الثقافية في صورة مكافآت لعضوية لجان لا يستحقون الانتساب إليها لضحالة ثقافتهم، أو نظير خدمات مبهمة!!، أو كنفقات لسفر؟، هل يعقل هذا؟، وهذه أسئلة مشروعة أثارها تصريح الوزير الأسبق، ولايزال صداها يتردد إلي الآن في آونة الطموحة متطلعة إلي أن تنجو البلاد من المصير الذي أراده لها الموتورون عبر تدابيرهم الدنيئة، لقد استطاع المخلصون من أبناء هذا الوطن إيقاف نزيف الانهيارات علي مستويات عدة، ويبقي النزيف في حياتنا الثقافية ينتظر كلمة النهاية!