- خروج المحافظين إلي الشوارع أصبح ظاهرة صحية يستحقون عليها كلمة تحية.. وخاصة بعد أن ارتدي بعضهم الكاجوال ونزلوا إلي الشارع المصري بين تجمعات الجماهير يتناقشون معهم في مشاكلهم، لكن للأسف بعضهم تصور أن مشاكل الشارع انحصرت في الإشغالات والاختناقات المرورية فنظموا الحملات، واندفع رجال البلدية في هجوم علي الباعة الجائلين وهات يا تكسير في مجموعة الأقفاص التي تحمل بضاعاتهم، مناظر مؤذية للعين أن تري رجال البلدية وهم يجرجرون عجوزا »تتشبث» في قفص يحمل بضاعتها، أو رجلاً يرفض تسليمهم عربة اليد مصدر لقمة عيشه فيشمرون عن عضلاتهم ويرفعون العربة داخل عربة البلدية ومش مهم تنكسر تتقلب، المهم أمام الباشا المحافظ »شالوا» عربيات اليد من الطريق العام.. ونجحوا في إجبار الباعة علي الفرار وأصبح الشارع خاليا منهم.. وتمام يا افندم. - الشيء الذي يتوه عن بال أي مسئول سواء كان محافظا أو رئيس الحي، أن هذه الصحوة لا تستمر طويلا، لأنه بعد انتهاء الموكب سيعود الشارع إلي طبيعته، نفس الزحام ونفس الباعة، لكن أمام الإعلام حقق المحافظ »شو» يحسب له.. لذلك أقول بهذه الصورة لا تأملوا خيرا من نزول المحافظين إلي الشوارع، واعلموا أن أي حملة يقودها أي محافظ هي »للشو الإعلامي»، لأن علاج مشكلة الإشغالات ليس بالدخول مع الباعة الجائلين في لعبة »الاستغماية» لكن تجميعهم وتوعيتهم هو الأفضل عن مطارداتهم.. أنا لا أفهم أن نصادر بضاعة بائع متجول يحمل كرتونة مانجو أو أي نوع من الفاكهة ثم نتلفها عقابا له علي وقفته في الشارع، مؤكد أن شحنة الغل التي ستملأ صدره من جراء هذا العمل، ستدفعه للسرقة أو يرتكب أي عمل إجرامي، وخاصة عندما يري رجال البلدية يدوسون بضاعته بقصد حرمانه من بيعها.. تصرفات ظالمة وغير إنسانية من رجال البلدية وفيها إثارة لمشاعر الرأي العام اتجاه هؤلاء الغلابة.. - فيها إيه لو أن المحافظ استضاف مجموعة الباعة الجائلين علي فنجان شاي في ديوان محافظته واستمع إلي مشاكلهم وبالود خرجوا من هذا اللقاء باتفاق الجنتلمان بألا عودة للشوارع الرئيسية، ولا يمنع من منحهم تراخيص مؤقتة في أماكن لا تسبب إعاقة المرور أو تشويه المدينة.. إن مصادقة الضعفاء فن، تحتاج إلي سعة صدر التبسط في الحوار ومصادقتهم في حل مشاكلهم، هذا الأسلوب كان شيخ المحافظين المرحوم عمر عبد الآخر عندما كان محافظا للجيزة يستخدمه، فقد نجح بالود في إزالة سوق سليمان جوهر بالدقي، والذي كان يبيع المخدرات وأكياس الهروين مع الخضار في هذا السوق، وعندما تعرضت القوات إلي مقاومة الباعة، نزل المحافظ بنفسه، واقتحم السوق، وجلس مع الباعة جلسة الصديق، وبنفس أسلوبه في نقل سوق الخضار بروض الفرج إلي العبور، نقل سوق سليمان جوهر.. معني الكلام معاملة البسطاء لها ناسها، لا تحتاج إلي محافظ »متنشي» عايزة محافظ كاجوال.. وأعتقد أن رجلاً مثل اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة الآن سيكون خليفة للواء عمر عبد الآخر في الحزم والصرامة واللين.. من خلال جولاته الميدانية يكسب محبة المخالفين فيسرعون بإزالة مخالفاتهم.. - لذلك أقول للمحافظين في العواصم نزولكم للشارع المصري ليس لمطاردة الباعة الجائلين، أو تنظيم حركة المرور لأن المشهد يعود لحالة الفوضي بمجرد مغادرتكم المكان، لذلك استفيدوا من جولاتكم في اكتساب محبة البسطاء وفي مقدمتهم الباعة الجائلون، نحن لسنا في حاجة إلي تحويل تكتلات إجرامية أو عصابات يوم نغلق أبواب الرزق لهم، من الممكن تنظيمهم لكن من الصعب القضاء عليهم خاصة أنهم هاجروا بلادهم إلي العواصم وليس في استطاعتهم بعد انبهارهم بأضواء المدينة أن يعودوا إلي القرية من جديد.. صحيح الحكومة تقوم الآن بتوجيهات الرئيس في تنمية الصعيد، ومن المؤكد أن مشروعات التنمية ستكون طاقة نور وعامل جذب بعودتهم إلي بلادهم.. - علي أي حال، أقول للمحافظين فرصتكم في عمل قاعدة بيانات للباعة الجائلين في محافظاتكم.. وستكون أول قاعدة إليكترونية تحمل أسماءهم وعناوينهم والبلاد التي جاءوا منها.. المهم أن تعيدوا النظر في أسلوب إزالة الإشغالات والاختناقات المرورية بحيث لا نكون سببا في تحويل هؤلاء الغلابة إلي عصابات..