محتجون يشعلون النيران أمام أحد المباني الحكومية فى البصرة صدامات واحتجاجات عنيفة شهدتها مدينة البصرة الواقعة جنوبالعراق علي مدي الأسابيع الماضية.. الشرارة الأولي انطلقت في 8 يوليو الماضي، في فضاء المدينة، شمال البصرة، عندما شارك مواطنون في وقفة احتجاجية للمطالبة بالوظائف أمام مقر إحدي الشركات النفطية العاملة في المنطقة، نتج عنها مواجهة مع قوات الأمن، أدت لمقتل محتج وإصابة 4 آخرين، بحسب صفحة "البصرة" علي "فيسبوك". وكان يوم الجمعة 13 يوليو، محطة مهمة في مسيرة الاحتجاجات، عندما اقتحم مئات العراقيين مطار المدينة وأوقفوا حركة الملاحة الجوية قبل أن تعود بنسبة كبيرة في نهاية اليوم، رغم إعلان بعض الدول إيقاف رحلاتها الجوية إلي أجل غير مسمي. الاحتجاجات العنيفة قضت تقريبا علي فرص رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يحظي بدعم الولاياتالمتحدة في الفوز بفترة ثانية، وبددت آمال واشنطن في تشكيل الحكومة الجديدة. حيث سقط 15 قتيلا من المحتجين علي انقطاع الكهرباء وتلوث المياه وسوء الخدمات، وما يرون أنه استشراء للفساد في ثاني أكبر مدن العراق ولقي كثيرون منهم حتفهم في اشتباكات مع قوات الأمن. ويحمل حلفاء سياسيون وقيادات المؤسسة الدينية العبادي مسؤولية الاضطرابات، الأمر الذي يهدد تحالفا شكله مع رجل الدين الشيعي مقتدي الصدر. وكان التحالف مع الصدر، الذي جاءت كتلته (سائرون) في المركز الأول في انتخابات مايو الماضي ، أتاح للعبادي أفضل فرصه في البقاء علي رأس الحكومة. غير أن الصدر ندد بإدارة العبادي لأزمة البصرة وقالت مصادر علي اطلاع وثيق بالمباحثات، التي يجريها مع تحالف (الفتح) بقيادة هادي العامري، قائد الفصائل الشيعية المدعومة من إيران، لتشكيل تحالف جديد إن المحادثات بلغت مرحلة متقدمة. ومن المحتمل أن يمنح ائتلاف بين كتلتي "الفتح" و"سائرون" إيران فرصة لكسب مزيد من النفوذ في العراق. وقال النائب رزاق الحيدري عضو منظمة بدر التي يتزعمها العامري: "المحادثات بين "الفتح" و"سائرون" جدية وقد تؤدي إلي انفراج في الأزمة السياسية قريبا". وقالت المصادر إن الجانبين مازالا يتفاوضان علي التفاصيل. غير أن مصدرا رفيعا في تكتل الفتح قال لرويترز إنه تم الاتفاق علي حل وسط يسحب الطرفان بمقتضاه مرشحيهما البارزين لرئاسة الوزراء. وقال المصدر "هذا ما اتفقنا عليه (في سائرون والفتح) ولذلك سحب العامري ترشيحه. واتفقنا علي أن العبادي ليس مؤهلا لفترة ثانية". وكان الصدر والعامري اتفقا علي التعجيل بتشكيل الحكومة. ولم تتوفر التفاصيل الكاملة عما دار في محادثاتهما لكن يبدو أن تشكيل تحالف أصبح وشيكا. وقال الباحث أحمد يونس "فشل العبادي في إدارة أزمة البصرة أقنع الصدر تماما بأن تأييد العبادي سيعرض مكانته وشعبيته بين الملايين من أنصاره للخطر". الولاياتالمتحدة تؤيد العبادي لأنها تري فيه سياسيا معتدلا يمكن أن يحقق الاستقرار للعراق الذي هزته عوامل طائفية واضطرابات سياسية. إلا أن واشنطن ربما تكون قد أخطأت في حساباتها ولم تستعد بالبدائل.ومن شأن انهيار ترشيح العبادي أن يقلل النفوذ الأمريكي علي المسرح السياسي في العراق حيث تتنافس الولاياتالمتحدة مع إيران. وقد وسعت طهران باطراد نطاق نفوذها في البلاد منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003. تفشل تمثل الاحتجاجات في جنوبالعراق حيث المركز الرئيسي لصناعة النفط في البلاد رفضا للمؤسسة السياسية التي تشبثت بالسلطة بدعم من الولاياتالمتحدةوإيران رغم فشلها في تحسين ظروف المعيشة.وخلال زيارة، الأسبوع الماضي، للبصرة، معقل الأغلبية الشيعية في العراق، قوبل العبادي بالمحتجين الذين طالبوه بالرحيل عن المدينة. ولم يتسن الاتصال بمكتب العبادي للتعليق. ولم تدم المكاسب السياسية التي ولدها ما حققه العبادي من انتصار علي تنظيم داعش في البلاد العام الماضي بدعم أمريكي وسلطت المشاكل التي تعاني منها البصرة الضوء علي الفشل الحكومي علي مدي سنوات. علي المولوي، رئيس قسم الأبحاث في مركز البيان للدراسات والتخطيط، يعلق علي أحداث البصرة قائلا: "الرسالة القادمة من البصرة عالية وواضحة لكل النخب السياسية، فقد أدركت.. أن هناك قنبلة موقوتة". الصدر يصور نفسه باعتباره من القيادات ذات النزعة الوطنية الشديدة، ويعارض تدخل الولاياتالمتحدةوإيران علي السواء في العراق لكنه سيضطر لمنح إيران مجالا للمناورة في أي شراكة يبرمها مع كتلة العامري. وتحاول إيران الحفاظ علي مصالحها في العراق وفي الشرق الأوسط بعد أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الدولي مع طهران وقرر إعادة فرض عقوبات مشددة عليها. ولا توجد ضمانات أن تتمكن طهران من تشكيل الساحة السياسية في العراق دون مشاكل. فقد أحس كثيرون من الناخبين الذين أيدوا الصدر في الانتخابات بأن النخبة السياسية المدعومة من إيران والتي يتهمونها بالفساد قد خذلتهم. وكان تحالف الصدر والعبادي هشا من البداية وظهرت عليه بالفعل علامات الإجهاد قبل أن تدعو قيادة تكتل سائرون ثم تكتل الفتح، مطلع الأسبوع الجاري، العبادي للاستقالة بعد جلسة برلمانية استثنائية لبحث الوضع في البصرة. وقال المصدر الرفيع في تكتل الفتح "كان هذا ما أعلنا عنه أن هذه هي نهاية العبادي وفترته الثانية". تنديد السيستاني في إشارة واضحة للعبادي وغيره ندد آية الله العظمي علي السيستاني، أرفع المراجع الشيعية في العراق الذي يمكن أن يؤدي تدخله لإسقاط قيادات سياسية، بإهمال البصرة ودعا إلي وضع نهاية للحرس القديم.وزار المبعوث الأمريكي الرفيع بريت مكورك العراق الأسبوع الماضي لمحاولة حشد الدعم للعبادي بين الفصائل المختلفة. غير أن إيران تبذل محاولات أيضا للتأثير في شكل الحكومة المقبلة في العراق. وزارت وفود إيرانية رفيعة العاصمة بغداد علي مدي عدة أشهر في مسعي لإقناع الفصائل الشيعية المنقسمة بالاتحاد خلف مرشح واحد لرئاسة الوزراء. وقالت ثلاثة مصادر سياسية إن مجتبي خامنئي ابن الزعيم الإيراني الأعلي آية الله علي خامنئي زار بغداد لإجراء محادثات مع العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وليس نجاح إيران بالأمر المؤكد. إذ أشعل المحتجون النار في القنصلية الإيرانية في البصرة ورددوا هتافات مناهضة لطهران. إيرانوالولاياتالمتحدة تواجهان مهمة ليست بالسهلة تتمثل في محاولة الترويج لمرشح لمنصب رئيس الوزراء لا يبدو أنه يعتمد عليهما ويكون من خارج المؤسسة السياسية التي يحملها كثيرون من العراقيين مسؤولية مشاكل البصرة. ويعلق ريناد منصور، الخبير في الشأن العراقي بمركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن،: "ما يقوله هذا التحالف المحتمل الجديد، أو علي الأقل ما يقوله الصدريون، هو ليس لدينا أي مشكلة في الشؤون الدولية. لكن لم يعد بوسعك أن تعاملنا وكأننا وكلاؤك. لسنا وكلاءك. نحن حلفاؤك". حل جذري أحداث الأسابيع الماضية جعلت فكرة "إقليم البصرة" تظهر من جديد، حيث يعتبرها أبناء المدينة وتوابعها حلًا جذريًا لأوضاعهم، من خلال ارتباط فيدرالي بالعراق "يضع حدًا لتسلط وهيمنة الحكومة المركزية"، علي حد تعبيرهم، خاصة أن الأوضاع الخدمية والمعيشية في المدينة متدهورة إلي حد بعيد. استقلال إقليم البصرة لا يتعارض مع الدستور، الذي يضمن استفتاءً لأي محافظة تريد أن تكون إقليمًا ضمن شروط ليست صعبة، وذلك بالحصول علي توقيع 2 ٪ فقط من مجموع الذين يحق لهم الانتخاب من أبناء المحافظة، ليرفع مجلس الوزراء الطلب إلي مفوضية الانتخابات التي تطلب بدورها جمع توقيع 10٪ كمرحلة ثانية لإقرار الاستفتاء خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، وهو ما قام به أبناء البصرة العام 2015، إلا أن الحكومة طلبت منهم التريث بحجة محاربة تنظيم "داعش" وقلة الموارد التي تسمح بإجراء وتنظيم الاستفتاء، ليصل الأمر بالناشطين إلي رفع دعوي قضائية علي مجلس الوزراء أمام المحكمة الاتحادية بحجة عرقلة الدستور. ومع تنامي الاحتجاجات وترهل وعود الحكومة، خاصة بعد أن وجد البصريون طلبات التوظيف ملقاة في حاويات القمامة، بدت الأمور وكأنها تسير إلي طريق اللاعودة، وأن فكرة إنشاء إقليم في البصرة يضم أقضية القرنة والمدينة والخصيب وشط العرب والبصرة والفاو والزبير، باتت أقرب من أي وقت مضي مع تحرك مجلس المحافظة بهذا الاتجاه، لتحقيق حالة تشبه حالة إقليم كردستان، مع رفض كبير من أبناء البصرة لفكرة الانفصال عن العراق. ويتردَّد البعض في تأييد فكرة الفيدرالية في الجنوب خوفًا من انقضاض إيران علي المنطقة، خاصة أن بعض المظاهرات ناشدت المراجع الشيعية خلال مظاهرات تحمل علم الإقليم المفترض. وفي حال تحقق فكرة إقليم البصرة علي أرض الواقع، يرجّح مراقبون أن تكون بمثابة أحجار الدومينو لمزيد من المحافظات، خاصة ن رقعة الغضب الشعبي تتسع إلي جميع المناطق الشيعية منها والسنية.