اندهشت عندما قام إمام المسجد في صلاة المغرب بإلقاء درس بعد انتهاء الصلاة لان الدروس اليومية في الفقه والحديث والسيرة والتفسير والعقيدة أصبح لاوجود لها في معظم المساجد. انزعجت أثناء الدرس وبعده لأن الشيخ أخبرني أنه ليس إمام المسجد المعين بل هو خارج في سبيل الله من قرية مجاورة، ومعه مجموعة من الشباب لنشر الدعوة الإسلامية، فسألته عن تخصصه، فقال: مهندس اتصالات، وسألت آخرعن مهنته، فقال: طبيب. ومع احترامي له ولمرافقيه المتطوعين غير المتخصصين في العلوم الشرعية فإنني أري أن الدارسين للهندسة والطب والعلوم التطبيقية يتأثرون لاشعوريا بدراستهم القائمة علي النظريات والقوانين العلمية والحقائق المطلقة أحيانا؛ لذلك نجدهم يجنحون - عند تصديهم للأمور والقضايا الدينية - لعدم المرونة الواجبة في العلوم الإنسانية والشرعية. الدارس للعلوم الشرعية أكثر تأهلا للوسطية والاعتدال لأنها من العلوم الإنسانية التي تحتمل اختلاف الآراء، والرؤي النسبية البعيدة عن التشدد والرأي الأوحد في كثير من الأمور والقضايا. لا يجوز لأئمة المساجد المعينين بالأوقاف - بأي حال من الأحوال- التقصير في أداء واجبهم، كي ندخر اخوتنا المهندسين والأطباء للمشاركة بتخصصاتهم في نهضة المجتمع، ولا مانع عندي من أن يخرجوا في سبيل الله ليشاركوا في نهضة مجتمعات أخري بتخصصاتهم. أهم ما افتقدناه بغياب دروس المتخصصين في الدعوة هو أن الخطاب الديني أعطي ظهره لفقه الأولويات والمقاصد والمآلات وصار التشدد والرأي الأوحد من أهم سماته في السنوات الأخيرة. حسنا يفعل المسئولون بالأوقاف لو أنهم ملأوا الفراغ الحالي بمساجدنا وأعادوا الخطاب الديني فيها إلي الوسطية والاعتدال.