قلق وتوتر يسود الأسواق العالمية.. تهديد بالتصعيد وترهيب قابلته إجراءات اقتصادية قاسية.. حالة من الارتباك شهدتها العديد من دول العالم عقب اشتعال الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم الولاياتالمتحدةوالصين.. ويوما تلو الآخر، تزداد الأحداث سخونة خاصة مع قيام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بفرض رسوم جمركية علي سلع صينية من خطة "صنع في الصين 2025"، ليعلن بهذا أن الصين باتت خصماً اقتصادياً وليست شريكاً.. ما دفع بكين برد انتقامي وفرض رسوم جمركية فورية علي واردات من الولاياتالمتحدة، وصعدت من لهجتها الانتقامية مهددة بمزيد من الرسوم علي منتجات كالنفط لتطول العالم بأسره.. كان هناك قلق متزايد داخل الإدارة الأمريكية من استخدام بكين لسياسة صناعية واستراتيجية تهدف للهيمنة علي الصناعات عالية التكنولوجيا التي ستقود النمو الاقتصادي للصين في المستقبل، لكنها تلحق الضرر بالنمو الاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا ودول كثيرة أخري؛ فكان وراء خطة البيت الأبيض بفرض قيود علي المنتجات الصينية وتعريفات جمركية جديدة، بحسب ما نشرته صحيفة »نيويورك تايمز» الأمريكية، هي محاولة لتحجيم اقتصاد التنين الأصفر وربما قطع شريان الحياة له. خلال الأسبوع الماضي، عرضت إدارة ترامب القضية في تقرير مؤلف من 35 صفحة بعنوان »كيف يهدد العدوان الاقتصادي الصيني التكنولوجيا والملكية الفكرية للولايات المتحدة والعالم أجمع»، والذي يوضح تفاصيل حول الخطوات التي يتخذها الصينيون لحماية صناعاتهم المحلية والترويج لها وتمكين شركاتها وحرمان المنافسين الأجانب، بما في ذلك، استخدام الإعانات الحكومية والتجسس الإلكتروني وعمليات نقل الملكية الفكرية إلي الشركات الصينية بدلاً من الأمريكية. ويطالب البيت الأبيض بخفض العجز التجاري بما يقارب 200 مليار دولار مع العملاق الآسيوي، إذ بلغ العام الماضي نحو 375 مليار دولار لصالح الصين. من جهتها، أعلنت وزارة التجارة الصينية فرض رسوم جمركية فورية علي كمية من واردات الصين من الولاياتالمتحدة رداً علي القرار الأمريكي. وأعلنت وزارة التجارة الصينية عن أسفها بشدة لعدم احترام الولاياتالمتحدة للتوافق القائم وإشعالها حرباً تجارية، وقالت إن هذه الخطوة الأمريكية لن تضر فقط بالمصالح الثنائية لكنها تنسف نظام التجارة العالمي. ولذلك دعت الصين كل دول العالم إلي تحرك مشترك ضد سلوك الولاياتالمتحدة. وتحاول الولاياتالمتحدة إفقاد الصين هيمنتها بمعاقبتها وفرض رسوم جمركية علي السلع الصينية وصلت إلي 25٪ بقيمة 50 مليار دولار. وجاء هذا الإجراء عقب قيام الولاياتالمتحدة في مارس الماضي، بفرض رسوم جمركية إضافية وقيود استثمارية علي الصين وصلت إلي 60 مليار دولار. ولكن علي الإدارة الأمريكية أن توضح كيف تخطط لبناء هيمنتها علي الصناعات التي ستدعم الاقتصاد الأمريكي، ما يساعد في زيادة فرص العمل وخلق وظائف جديدة في المستقبل. يري العديد من الاقتصاديين داخل واشنطن أن تلك الخطوات غير كافية؛ وربما قد تأتي بنتائج عكسية لوضع الشركات الأمريكية للمنافسة في الصناعات الناشئة ذات التقنية العالية. وأضافوا أن الإدارة الأمريكية بحاجة إلي استراتيجية استباقية لتعزيز الابتكار والتكنولوجيا الأمريكية. ويشمل ذلك الاستثمار في الأبحاث الفيدرالية والانفاق التنموي ومهارات العاملين وجذب المزيد من الطلاب الأجانب من ذوي الكفاءات العالية إلي برامج الدراسات العليا الأمريكية وتعزيز الصناعات المتقدمه مثل الصناعات البيولوجية والذكاء الاصطناعي. فيما تقول شركات وخبراء إن الذكاء الصناعي وتعليم الآلة يثيران مخاوف أخلاقية حيال التحكم والخصوصية وأمن الإنترنت ومستقبل العمالة.. وتوضح كبيرة المستشارين الاقتصاديين للرئيس السابق »بيل كلينتون»، »لورا داندريا تايسون»، بدلاً من استهداف الابتكار، ركزت جهود السياسة التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب حتي الآن علي دعم الصناعات التقليدية مثل تعدين الفحم وإنتاج الصلب التي وفرت مئات الآلاف من فرص العمل في العقود الأخيرة. فيما تري أستاذة الاقتصاد والسياسة الصناعية في كلية »وارتون» بجامعة بنسلفانيا »آن هاريسون» أن الحكومة الأمريكية دعمت الشركات وحامتها من أجل التنافس في الأسواق العالمية، ما أدي إلي إغلاق الشركات غير القادرة علي الأداء، وما يتم الآن هو محاولة لإنقاذ الصناعات الفاشلة بدلاً من دعم الصناعات الناشئة. ويشعر العديد من الخبراء بالقلق من أن السياسة التي تتبعها الولاياتالمتحدة لا تكفي لمساعدة صناعاتها المتقدمة للمنافسة ليس فقط مع الصين بل مع دول العالم بأسره. كما يرون أن علي الإدارة الأمريكية أن تدفع إلي المزيد من الاستثمار في الأبحاث الأكاديمية والحكومية بدلأً من تقليص الأبحاث العلمية. وقد زادت كل من كندا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية من الإنفاق الحكومي في محاولة لضمان احتفاظها بجذب المواهب وتعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، كشفت الصين النقاب عن خطة لتصبح رائدة علي المستوي العالم في هذا المجال وخلق صناعة محلية بقيمة 150 مليار دولار بحلول عام 2030. حيث أعلنت الصين عن عدد كبير من مشروعات البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي وخصصت المزيد من مليارات الدولارات لاحتضان المواهب وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم والرعاية الصحية والأمن ومجالات أخري. وتستهدف الصين دعم الشركات التي تعتمد علي استراتيجية للنمو؛ والعمل علي تطوير صناعة الذكاء الاصطناعي لتشجيع الإبداع التكنولوجي، وتحفيز قدراتها الإنتاجية، وتمكين الموظفين.