1 اعتدت دوماً الاعتقاد أن ثمة علاقة طبيعية للأدباء والكتاب بالموسيقي، وربما كانت علاقة الشعراء خصوصاً بالموسيقي جوهرية، لأن طوال تجربتي في الكتابة عموماً كانت الموسيقي هي القرين الحاضر في الكلمات والحروف، حتي أن الشعر قياساً بالنثر عندي، كما الرقص قياساً إلي المشي. أكثر من هذا فإن الموسيقي هي الحركة الصائتة في الكتابة قاطبة، حيث لا كتابة تخلو من الإيقاع، دون (من دون) الخضوع لمفهوم إيقاع بحور الخليل وأوزانه، فلكل كتابة موسيقي علي الكاتب اكتشافها أو ابتكارها. تلك هي أحد ملامح الشعرية في الكتابة. 2 في البيت، منذ بداية السبعينات، لم تتوقف الموسيقي عن الحركة، مثل الأجنحة الكثيرة لكائنات الدار. حتي أن أبنائي كانوا يحسنون اختيار المقطوعات التي أجلبها معي من الأسفار. وعندما اختار ابني محمد دراسة الموسيقي، بناء علي موهبته في العزف علي آلة العود، غبطته وشعرت أنه يحقق ما فشلت فيه. 3 تولعتُ مبكراً بأغاني البحر وفنون غناء الغوص، المعروف ب »الفجر» ولا أزال أسمعه وأتوقف له عندما أصادفه في الراديو أو التلفزيون. وأحلم أن أكتب نصاً يحاكي ألوان الفجري. 4 الموسيقي الكلاسيكية شكلت لي فضاءً رحباً للتحليق بتلك الأجنحة التي لا تحصي. وحين رجعت إلي تقليب أرشيفي اكتشفت بين أوراقي كتابات كثيرة أسجل فيها معلومات عن مؤلفي السيمفونيات وعناوينها، مع بعض التعليقات الطريفة. ومن بين مقتنياتي عددٌ كبيرٌ من الأسطوانات التقليدية الكبيرة، بعض الكاستات الصغيرة. 5 وظني أن ولعي بالموسيقي ساهم في تربيتي الصوتية، بحيث إن تجربتي في الكتابة، برغم نزوعي للخروج علي أوزان بحور الخليل، وجدتني أستمتع بالمكتشفات المدهشة في إيقاع الكلمات والحروف أثناء الكتابة، بل إنني أجد متعة نوعية في موسيقي الكتابة، وربما صرت لا أجد كتابة تخلو من الإيقاع، فهو ضربٌ من الجمال ليس من الحكمة التفريط فيه. 6 تلك حياتنا، الحياة التي ستكون ضرباً من الخطأ إذا خلت من الموسيقي، حسب قول أحد الفلاسفة المعاصرين. وسأحب الموسيقي أكثر من الشعر.. أحياناً. البحرين