حبيبتى أخاف كثيرا، أن تلقى اللوم، على قلبى، الذى توقف، فجر الاثنين 13 أكتوبر 2008 . ولكن، لأننى «أنت».. وأنت «أنا».. ولأنك، تعرفين جيدا، كيف عربدوا فى جسمى.. كيف تحول جسمى، فى المستشفى الاستثمارى، الشهير، إلى حقل من التجارب الاستثمارية، والمناظير الاستثمارية. والثقوب الاستثمارية، المتناثرة على جلدى، من لخبطة الحقن الاستثمارية، والأنابيب الاستثمارية، والخراطيم الاستثمارية، والتحاليل الاستثمارية، والأشعات الاستثمارية. حبيبتى تعرفين جيدا، أننى، لم أكن ب اختيارى، أن أتركك وحدك، فى هذا العالم الذى يقتل، وهو يرتدى البالطو الأبيض، والقفاز الحريرى. وكنت مقتنعا، وسعيدا، بفكرتك، أن نغادر الحياة معا. نحن قطعة واحدة من الدم، والماء، والطين، والأحلام، والمزاج، والمبادئ، والحزن، والفرح... قطعة واحدة، متشابهة الطباع، والأشجان، والغضب، والزهد، وصوت التنهيدة اليائسة، وصمت الأسئلة. قطعة واحدة، محكمة التشابك العاطفى، والعضوى، والمعنوى. حبيبتى لم أكن لأخون، ما تعاهدنا عليه، منذ ربع قرن من الزمان... منذ أن التقينا، أول مرة، عند البحر. لكن يا حبيبتى، اعذرينى ... فقد قالوا لى، أنهم زرعوا فصا سليما، إلى كبدى المتليف، وأننى سأكون بخير، وسأخرج من المستشفى الاستثمارى، بعد شهر واحد، من العملية... وسوف أذهب إلى بيتى، متعافيا. لكن يا حبيبتى، يبدو أنهم، قد زرعوا، قنبلة موقوتة داخل جسمى، بدلا من فص الكبد .. انفجرت القنبلة بعد إقامتها أربعة شهور فى جسمى .. دمرتنى، بعثرت أشلائى، على السرير الاستثمارى .. وبدلا من أن أذهب الى بيتى متعافيا، كما أكدوا لى، ذهبت إلى القبر، جثة استثمارية الكفن. حبيبتى... وامرأة عمرى.. وزهرة شبابى المقتول. حينما رأيتك لآخر مرة، فى المستشفى الاستثمارى، كنت تحاولين، بكل العواطف دائمة التدفق، أن تعطينى حقنة من «التفاؤل»، أننى لن أموت، وإنك لن تسمحى لهم، بأن يكملوا تجاربهم الاستثمارية، على حساب عمرى، وحياتى. حينئذ، بكيت.. ولم أدعك ترين دموعى المنهمرة، مثل حبى لك، مثل تشبثى بالحياة . لأننى كنت قد أدركت، أننى لن أراك مرة أخرى، وأننى لن أصمد، أمام ترسانة، وجيوش، وأساطيل، وقوافل، وسماسرة المستشفى الاستثمارى. حبيبتى.. امرأة عمرى.. وزهرة شبابى المقتول. عفوا... لم أكن أتشبث بالحياة.. كنت أحاول، بكل طاقتى النحيلة، وعواطفى الممتلئة بك، أن أتشبث بك، أنت .. لا بالحياة. كما تعرفين، حبيبتى، أن الحياة كلها، لا تعنى لى شيئا بدونك... العالم بأسره، لا يساوى شيئا عندى، إلا لأنك تحت سمائه. حبيبتى... امرأة عمرى.. وزهرة شبابى المقتول.. سامحينى.. اغفرى لى.. لأننى ربما، لم أصمد بالقدر الكافى. كيف تكون فى حياتى، امرأة، وإنسانة، ومبدعة، مثلك.. وأتركها وحدها؟ أنت، لا تحدثين فى العمر، أو ربما، فى تاريخ البشر، على الأخص، النساء، إلا مرة واحدة.. وكانت من نصيبى.. كيف لم أصمد بالقدر الكافى، ضد إهمال المستشفى الاستثمارى؟ حبيبتى .. امرأة عمرى .. وزهرة شبابى المقتول... لقد قاومت، كما يقال، حتى الموت.. حتى آخر ثانية. كنت قد وصلت، إلى آخر مطاف الإعياء... لم أرحل ببساطة، بل كنت أشحن جسمى يوميا، بمرارة الفراق، لأكتسب مناعة ضد فراقنا. لأننى أعرفك، ولأننا قطعة واحدة، كنت متيقنا، أنك لن تتركى موتى، يمر عليك، وعلى الحياة، مرور الكرام.. وأنك تذبحين كل يوم، بقسوة الفراق، ولكن إلى وقت، لا يتوقعه أحد.. حبيبتى.. امرأة عمرى.. وزهرة شبابى المقتول... يوم الاثنين 13 أكتوبر، حينما توقف قلبى، عن متابعة الدنيا.. عندما تحولت من حركة نابضة، إلى جثة هامدة.. ألقوا بى، داخل حفرة معتمة، وقد لفونى فى كفن أبيض باهت، غير أستثمارى.. وأغلقوا الحفرة الترابية، المقيمة، تحت التراب. حبيبتى... كم أشعر بالخديعة، وبالبرد، وبالوحدة الموحشة.. أتأملنى، والدود يأكل بنهم، جسمى.. أحدق جيدا، تحللى، تدريجيا، إلى أن أصبحت، كومة من التراب، والعظم، والحسرة، والاشتياق لك. وكلما مات واحد، من العائلة، ركنوه بجانبى. حتى فى الموت، وتحت التراب، تنعدم الخصوصية؟ كل ما يهمنى، ويؤرقنى.. أننا افترقنا. لا يهمنى الموت... ولا يعنينى العالم... ولا أبالى بالحياة الفانية. فراقى عنك فقط، هو الذى يشغلنى، وأنا تحت التراب.. وأننا القطعة الواحدة، قد بترها البالطو الأبيض، والتمريض المستورد، فى المستشفىالاستثمارى. حبيبتى.. امرأة عمرى.. وزهرة شبابى المقتول.. أتابع من تحت التراب، كل ما تفعلينه، من أجلى.. وكم أنا، فى غاية الامتنان، والراحة. فكما كنت عظيمة، واستثنائية، قبل أن أرحل.. بعد موتى، أنت، أشد عظمة، وأكثر استثنائية. حبيبتى.. زورينى، كلما انطلق نسيم البحر.. وكلما امتدت غيوم السماء.. وكلما نزف الكروان حتى البكاء.. حبيبتى.... لا تجزعى.. لا تحزنى... لا تتألمى. لقد عشنا العمر كله، حينما كنا معا.. واللحظة الواحدة، مع امرأة مثلك - مع أننى أعتقد أنك الفريدة من نوعك - تساوى أكثر من الزمان كله. حبيبتى.. امرأة عمرى.. وزهرة شبابى المقتول... متى أنتظر الرد