تتجه الأنظار فى الفترة الأخيرة إلى مياه النيل بعد أن تدخلت عوامل خارجية وفى مقدمتها إسرائيل تحاول أن تجعل منها أزمة ومشكلة تحرم مصر من مياه النيل.. بعد أن كانت تتدفق فى يسر يجعل «مصر هبة النيل». وإذا عدنا إلى صفحات التاريخ القريب لوجدنا أن اتفاقية مياه النيل التى عقدت بين مصر والسودان عام 1959 تجعل نصيب مصر 5,55 مليار متر مكعب فى وقت كان تعداد سكان مصر لا يتجاوز 20 مليونا. ومضت الأيام وبلغ سكان مصر الآن 80 مليونا ومازلنا نحصل على نفس النسبة تستخدم منها 85 فى المائة فى الرى، ونحو 10 فى المائة فى مياه الشرب والاستخدامات المنزلية، و5 فى المائة للصناعة. وقد أضاء الدكتور محمود أبوزيد رئيس المجلس العربى للمياه ووزير الموارد المائية والرى السابق الحقائق التى ترتبط بمياه النيل.. فى الندوة التى دعته إليها اللجنة المصرية للتضامن وقال إننا لا نحسن استخدام مياه النيل بدليل الاستمرار فى صرف المياه فى البحر وارتفاع منسوب المياه الجوفية وكذلك ما يثار الآن عن تلوث مياه النيل والترع والمصارف.. وأشار الدكتور محمود أبوزيد إلى أن هناك خطة مائية لمصر وضعت عام 2004 وتمتد إلى عام 2017 وتقوم على أساس الاستخدام الرشيد للمياه وتنمية الموارد المائية الحالية سواء من مياه النيل أو المياه الجوفية أو إعادة استخدام مياه الصرف بعد تنقيتها.. وتستهدف التوسع فى استصلاح 23 مليون فدان للزراعة. وأشار الدكتور أبوزيد إلى أن الخطة قصيرة فى مداها الزمنى.. وإنها مع ذلك تتعثر فى التنفيذ، مما يدفع إلى ضرورة التركيز على تنفيذها، ووضع خطة أبعد مدى لتنمية الموارد المائية حتى عام .2050 ويرى الدكتور أبوزيد أن تلوث المياه هو أكبر التحديات التى تواجه مصر الآن وأخطرها.. الصرف الصحى المغطى لا يشمل إلا 60% من المدن، 4% من الريف.. وبالتالى تذهب كميات ضخمة من مياه الصرف الملوثة إلى مجرى مياه النيل وخزانات المياه الجوفية، مما يهدد صحة وحياة المصريين. ومشروع الصرف الصحى فى الريف يتكلف 20 مليار جنيه. والتحدى الثانى الذى يواجه مصر هو الزحف العمرانى على الأرض الزراعية، وهو أمر يحتاج إلى قوانين موجهة للصالح العام. وانتقل الدكتور محمود أبوزيد من المشاكل الداخلية إلى التعاون بين دول حوض النيل العشر وهى مصر والسودان وكينيا وتنزانيا وإثيوبيا وبوروندى وإريتريا والكونغو الديمقراطية وأوغندا.. وهى بلدان تسقط عليها أمطار سنوية يبلغ حجمها 1660 مليار متر مكعب لا يذهب منها إلى مجرى حوض النيل سوى 48 مليارا فقط أى نحو 5% من حجم مياه الأمطار. وهنا نشير إلى ضرورة إقامة مشروعات مشتركة للاستفادة من هذا الفاقد وخاصة فى بحر الزراف الذى يسقط عليه سنويا 530 مليار متر مكعب من الأمطار لا يذهب منها لحوض النيل قطرة واحدة. وقد أسهمت مصر عام 1994 كما يقول الدكتور أبوزيد بمبادرة لدول حوض وادى النيل للبدء فى تنفيذ مشروعات مشتركة لا تؤثر سلبا على أى دولة من دول الحوض، وتم توقيع الاتفاقية عام ,1998 وفى جنيف عام 2001 تم تخصيص 200 مليون دولار لدراسة المشروعات المشتركة. والخلاف الوحيد الذى يطل برأسه فى هذه الفترة هو كيفية النص على نصيب كل من مصر والسودان فى مياه النيل.. ويأمل الدكتور أبوزيد فى حل هذا الخلاف فى اجتماع المؤتمر الوزارى العربى الأفريقى للتنمية الزراعية والأمن الغذائى بشرم الشيخ الذى عقد يوم 16 فبراير الجارى الذى طالب فيه الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء بإحياء التضامن والتكامل العربى الأفريقى فى إطار المصالح المشتركة. وفى إطار زيادة الموارد المالية لمصر دعا الدكتور أبوزيد إلى ضرورة إدخال استخدام الطاقة الشمسية فى تحلية مياه البحر.. وقد تحقق ذلك فعلا فى دول الخليج بنسبة 60% وفى السعودية بنسبة 30% من مشروعات تحلية المياه. وأخيرا جاءت المطالبة بحتمية الخروج من وادى النيل واستحالة استمرار التكدس السكانى فى الوادى على أن تبنى مجتمعات متكاملة فى مناطق جديدة مثل توشكى وشرق العوينات وغيرهما. وهكذا يمكن القول أن مشكلة المياه فى حوض النيل ليست من التعقيد إلى الدرجة التى لا يمكن حلها.. ولكن يجب العمل بجدية لوضع حلول علمية سليمة للتغلب على الآثار السلبية التى يعانى منها وادى النيل.؟