حقيقة لا مراء فيها وهى أن الرجل رجل والمرأة مرأة ولن يتماثلا، أى أنهما لم ولن يكونا طبق الأصل أبدا، ولو حدث هذا فى يوم من الأيام فإن الحياة لن يصبح لها طعم الحب والشوق والرغبة فى الآخر، لقد خلقهما الله مختلفين لكى يشتاق كل منهما إلى الآخر، لكى يتعارفا ويتآلفا ويعمرا الدنيا بالإناث والذكور، وتستمر دورة الحياة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. حتى المخ يختلف تماما إذا كان داخل دماغ أنثى أو دماغ ذكر، ولهذا لفت انتباهى كتاب جديد بعنوان «المخ.. ذكر أم أنثى؟!» لكاتبين مصريين هما الدكتور نبيل كامل - خبير فى التنمية البشرية - والدكتور عمرو شريف- أستاذ الجراحة بجامعة عين شمس. وقد بذل الكاتبان جهدا كبيرا فى قراءة وتحليل وترجمة عشرات الأبحاث المعملية والميدانية التى قام بها علماء وعالمات أمريكيون فى علوم البيولوجيا الجزيئية، للوصول إلى معلومات حول بنية المخ ووظيفته ،والهدف من ذلك معرفة هل مخ الرجل ومخ المرأة متماثلان أم مختلفان كل الاختلاف..؟! وقد كانت النتيجة التى أقر بها الكاتبان فى نهاية الكتاب غير مرضية لأعداء المرأة الذين أشاعوا أن مخ الرجل أفضل وأكثر ذكاء من مخ المرأة. الواقع أن الذكر والأنثى ثنائية ضرورية هدفها إحداث تنوع فى البنية الوراثية «التركيب الجينى» للأجيال التالية. وهذه هى النهاية المفرحة لذلك الجهد المشكور سواء بدأ بهدف إنصاف المرأة أم تبرير وتكريس الظلم الواقع عليها. لقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن التماثل العقلى المطلق بين الرجال والنساء خرافة وأن هناك اختلافات نوعية عديدة تجعل من الرجل رجلا ومن المرأة مرأة، ولا سبيل مطلقا لأن يؤدى أى منهما دور الآخر أو ينفيه أو يعيش بدونه، ومع الإقرار بأن لا تفوق لجنس على الآخر، فإن كلا منهما يفكر بطريقة مختلفة ويستخدم فى التفكير أنسجة مخية مختلفة، وهو ما لم يتوصل إليه العلماء إلا بعد بداية القرن الحادى والعشرين. ويفيض الكتاب بشروحات علمية حول الجينات والكروموزومات وتكوين المخ البشرى وطريقة عمله. فإذا كان معدل نضج مخ الذكر أسرع من معدل نضج الأنثى فى الطفولة، فإن مخ الذكر وهو أكبر حجما يضمر مع تقدم السن بمعدل أسرع ثلاث مرات من مخ الأنثى. كما أثبتت الأبحاث أن الإناث يملكن قدرات سمعية أعلى من الذكور، ويبصرن فى الظلام بكفاءة أعلى، وأن الأنثى تتميز بقدرتها على رؤية مجال بصرى أوسع يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، بينما الذكر أدق فى ملاحظة التفاصيل فى المنطقة الضيقة المواجهة له مباشرة، كذلك تتفوق الأنثى فى الإحساس الجلدى وفى تذوق الطعام. أما السر وراء كل تلك الاختلافات فهو الفارق بين هورمون الأنوثة «الأستروجين» وهورمون الذكورة «التيستو ستيرون». فإذا كان هورمون الذكورة «التيستو ستيرون» يكسب الذكور القدرات العقلية التنظيمية ويعلى مستواهم فى الرياضيات والعلوم، فهو المسئول عن الميول العدوانية لدى الرجال وعن قصر عمر الرجل وإصابته بالصلع. أما هورمون الأنوثة «الأستروجين» فهو يجعل المرأة أكثر صمودا وتحملا من الرجل، فهى قد صممت لتحيا فترة أطول، ومع بداية القرن الحادى والعشرين بلغ متوسط عمر النساء فى الولاياتالمتحدة 7,79 مقابل 8,72 سنة للرجال. وهكذا نجد أن كلا منهما لديه مزايا لا يمتلكها الآخر، وهى التى تحدد الشكل والتفكير والسلوكيات المختلفة بين كل منهما. لقد كانت بعض زعيمات الحركة النسائية يقللن من شأن الفروقات بين الذكور والإناث، على أساس أن التربية الاجتماعية هى التى تزرعها فى البنت والولد منذ نعومة أظافرهما، فتدفع البنت إلى اختيار العروسة وتشجع الولد على اختيار السيارة أو المدفع، ولكن الأبحاث أثبتت أن العكس صحيح، فكل من الولد والبنت يتصرف وفقا لغريزته وللهورمون المسيطر على جسده المؤثر على مخه. إن الأمومة غريزة فطرية تحملها المرأة فى شفرتها الجينية تنضج مع هورمونات الحمل ومع الولادة ومع ملازمة الطفل، بينما الأبوة عاطفة يكتسبها الأب من خلال معايشة أطفاله كجزء من النظام الاجتماعى. والأمومة تمنح المرأة القدرة على أداء مهام متعددة فى وقت واحد، فهى تحسن التغيرات فى دماغ الأمهات وهو ما يرد على دعاوى البعض بضرورة تفرغ الأم لرعاية أبنائها وما يجعلها تنجح فى أداء وظيفتها كأم وأداء العمل الوظيفى وتلبية التزاماتها الاجتماعية والزوجية بنجاح شبهته إحدى الباحثات بما يقوم به البهلوانات فى السيرك باستخدام يدين فقط لقذف وتلقف ثلاث كرات فى الهواء. الجديد فى الكتاب أنه ينفى صفة العاطفية عن المرأة، ويثبت أنها أقدر من الرجل على امتصاص الصدمات والتعافى من المحن فيقول: «لاشك أن هناك «سرا أنثويا» يمثل صماما للأمان النفسى للمرأة، ربما يكمن فى وجود اتصال أفضل عند المرأة بين نصف المخ الأيمن «المسئول عن الانفعالات» ونصف المخ الأيسر «المسئول عن المنطق»، مما يسمح لها على المدى البعيد أن تخضع مشاعرها للمنطق بدرجة أكبر من الرجل». وفى هذا رد على أعداء المرأة الذين يزعمون أنها لا تصلح للعمل العام ولا يجوز أن تتولى الحكم ويلصقون بها تهمة العاطفية والسلبية وأنهن لا يسعين إلى السيادة، وهو ما ثبت زيفه فهى أكثر ديمقراطية وأقل عزوفا عن تحقيق النفوذ والشهرة. وهكذا يثبت العلم أن العالم سيكون أفضل كثيرا إذا ما سادته المرأة بطباعها الغريزية، فهى كما يقول الكاتبان فى فصل بعنوان «ملامح وسمات التعاطف والتنظيم»، أن الأنثى منذ طفولتها المبكرة تتميز بالتعاطف والمشاركة، والاهتمام بمعاناة الآخرين، وهى أكثر اقتناعا بأسلوب الحوار وأكثر إدراكا لمفاهيم العدل وحرصا على إعطاء دور للآخرين، وأحرص على الحميمية والتواصل وإذا كان لها رأى مخالف فهى تعرضه بطريقة لطيفة، وتحرص على الحوار المستمر، وإذا كانت مديرة لعمل ما فهى تحاول أن تغطى النقد بطبقة من السكر وتوجه تعليماتها وكأنها تستشير مرءوسيها. وبديهى أن الرجل عكس كل ذلك، وإن كان يتميز عنها بالتنظيم والتحليل. فما أحوجنا فى هذا العالم المتصارع المتناحر إلى روح المرأة وإلى صفاتها الإنسانية الراقية، وإذا كنا نحلم بتطبيق الديمقراطية الحقيقية فلابد من إتاحة الفرصة للإناث لكى يقدن هذا الوطن إلى مستقبل أفضل يسود فيه الحوار بدلا من الصراع، والتفاوض بدلا من العناد، ويتحول المواطن إلى شريك فى تنمية الوطن بدلا من مسود تأتيه القرارات الفوقية وما عليه إلا الإذعان والطاعة. إن الكتاب يثبت أن المرأة أقدر على القيادة أفضل كثيرا فى السياسة والدبلوماسية، وهذا لا يعنى أنه لابد من إقصاء الرجل، فكلاهما فى حاجة إلى الآخر، والعالم سيحل أغلب مشاكله لو أنهما تعاونا واعترف كل منهما بحاجته إلى الآخر. فكما يقر الكاتبان «إذا كان الرجل هو محرك سفينة الأسرة، فإن المرأة هى الدفة والربان». إن السبب الرئيسى وراء حركات الفيمينيزم التى بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر ووصلت ذروتها فى الثمانينيات من القرن العشرين لم يكن إلغاء الفوارق الفطرية بين الرجل والمرأة ولا السعى إلى مزاحمة الرجال على السلطة والشهرة التى أثبت الكاتبان عزوف المرأة عنهما، بل هو السعى إلى إلغاء الظلم الواقع على المرأة عبر عصور طويلة من التاريخ، انفرد فيها الرجل بالسلطة وعاث فى الدنيا فسادا حتى أوشك على أن يدمرها تماما، وبدلا من الاعتراف بفضل المرأة عليه وعلى البشرية كلها اعتبر الفوارق النوعية بينها وبين الرجل ضعفا يحط من شأنها، وأهمل حقوقها كأم بدعوى أن الأمومة غريزة ولا ينبغى أن تكافأ عليها وتجاهل العمل الشاق الذى تقوم به فى صيانة الأسرة ورعاية الأبناء فتركه بلا جزاء، وكم تحملت المرأة طويلا وكثيرا عبء الحفاظ على الأسرة، بينما انطلق الرجل يحقق طموحاته ويقطف ثمار الثروة والنفوذ والشهرة والمجد.. فهل آن الأوان لأن يفسح الرجال مكانا للنساء فوق القمة ويعترفوا بأن العالم لن يبرأ من كل علاته إلا بمشاركة المرأة فى كل شىء؟!