كتبت: مي أبو زيد أكثر من سبب يدعو لاختيار الأديب محمد المخزنجى ليكون كاتب 2009 ولعل أول هذه الأسباب لا علاقة له بإبداع المخزنجى فى فن القصة القصيرة الذى تميز فيه وأضاف له وكان بوابته نحو الشهرة والكتابة، فى 2009 كان للمخزنجى «طلة» أخرى وإبداع لا يقل عن إبداعه فى القصة القصيرة، الإطلالة كانت عبر مقاله الأسبوعى فى جريدة «الشروق» .. فى «المقال» كان «إبداع» المخزنجى يستحق التوقف لأسباب كثيرة أهمها أنه لا يشبه أحدا، أو هو إن شئت الدقة نسيج وحده لا يسير فى «الزفة» ولا يصرخ ولا يجامل.. ولا يرضى.. وهو دائما غاضب.. لكن غضبه ممتع، غضب فنى، من شأنه أن يحول المقال للوحة تشكيلية لا منشور مطبوع بطريقة «البالوظة».. هو أيضا أنيق.. كتابته أنيقة.. وهى بالطبع أناقة روحية لا شكلية.. أناقة الروح هذه تنعكس على كتاباته فتأتى مهندمة.. مهذبة.. حكيمة لا زائدة ولا ناقصة.. وفضلا عن هذا وذاك هو أيضا قلم نزيه يكتب بدون حسابات لا يمدح لغرض ولا يهاجم لمرض.. لهذه الأسباب وغيرها يستحق أن يكون كاتب2009 . أصدر المخزنجى حتى الآن 6 مجموعات قصصية «الآتى- رشق السكين- الموت يضحك- سفر 2007- البستان- أوتار الماء- حيوانات أيامنا»، إلى جانب رواية واحدة أكد بعض النقاد على أنها متتالية قصصية وليست رواية وهى «لحظات غرق جزيرة الموت»، ولا يمكننا بحال أن نحسبه على جيل أدبى بعينه لأنه هو ذاته يعترض على مصطلح «الأجيال». لا يظهر المخزنجى كثيراً، لا يرتاد الفعاليات الثقافية مثلا، ولا يحسب على شلة أدبية بعينها، ولا يقع طرفا فى أى نزاع، وإذا طلب منه صحفى إجراء حوار لصحيفة ما، أيا كانت، سيرفض ويقول: «أنا لا أدلى بتصريحات صحفية للصحافة فليس لدى الكثير لأقوله»، وإلى جانب ذلك يتميز المخزنجى بهدوء شديد، صوته منخفض وردوده مهذبة، تماما كمعظم الأطباء، وربما أيضا لأنه اعتاد أن يستمع أكثر مما يتكلم باعتباره طبيبا نفسيا مارس المهنة لفترة من الفترات، قبل أن يقرر الابتعاد والاكتفاء بعمله بمجلة «العربى» الكويتية ككاتب يجوب دول العالم، ثم يعود ليكتب عنها، ولا يجب أن نستغرب إذن حينما نجده يؤمن بأن الفن «هو ارتفاع فوق الدارج والمبتذل». إن المخزنجى يهرب إذن من الضجيج، يهرب حتى من ضجيج المدن الذى آمن أن سببه يعود للعصر الصناعى، يهرب لأن حياته فى بداياتها كانت مليئة بهذا الضجيج، فمنذ أن بدأ فى نشر قصصه فى الصحف والمجلات، قام القاص يوسف إدريس باحتضانه ووضعه فى صدارة كتاب القصة فى مصر رغم أنه لم يكن قد أصدر كتابا بعد، أى قبل عام 1983 وهو عام إصدار أولى مجموعاته القصصية «الآتى». ورغم أنه لم ينضم لأى من التنظيمات أو الأحزاب اليسارية، إلا أنه قام فى الوقت نفسه بأنشطة سياسية بل واشترك فى مظاهرات نددت بسياسات الرئيس السادات بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، جعلته- المخزنجى- المتهم الأول فى مظاهرات 17/18 يناير 1977 وقامت جريدة «الأهرام» بنشر خبر اعتقاله فى صفحتها الأولى، ثم تعرض للسجن مرة أخرى حينما أودع سجن طرة مع الروائى محمود الوردانى والمترجم خليل كلفت على خلفية اغتيال السادات. وربما كانت الأوضاع السياسية خاصة فى مطلع التسعينيات، أو رؤيته الخاصة لما آل إليه حال اليساريين فى مصر «رآهم أكثر تدينا من المتشددين أنفسهم»، ربما كان ذلك هو ما دفعه لترك مصر والسفر لروسيا عام 1991 لإعداد رسالته فى الماجستير والدكتوراه، لكنه وبعد مرور شهر واحد على وجوده هناك، شهد وقوع حادثة انفجار المفاعل النووى «تشرنوبل» فقرر أن يزور تلك المدينة المنكوبة، بل وتأليف عمل أدبى عنها أسماه «لحظات غرق جزيرة الموت»، واعتبره المخزنجى من الوثائق العالمية القليلة جدا عن كارثة انفجار المفاعل، ثم أصدر مجموعة قصصية بعنوان «سفر 2007» استرجع فيها تجربة سفره تلك وناقش عبر قصصها موضوع المفارقة ما بين الثقافتين: الأوروبية والشرقية. وفى قصصه نقرأ مواقف يومية حدثت له، لكنه يصنع منها أحداثا كبرى بلغة مكثفة ويمنحها دلالات تدعونا للتأمل، وربما كانت هذه اللغة نابعة من رغبته القديمة فى أن يصبح شاعرا للعامية، قبل أن يكتشف- والكلام على لسانه- أنه لن يكون فى أهمية صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم وغيرهم، وهناك فى أعماله تحتفظ المرأة بمكانة خاصة جداً، لأن المؤلف الذى هو المخزنجى قد أعجب يوما- بينما يحضر درسا للتشريح- برحم المرأة، بروعته وتماسكه، فآمن منذ ذلك الوقت أن المرأة مخلوق مركب لكنه تركيبا مبهرا. الآن عاد المخزنجى ليستقر مرة أخرى فى القاهرة بعد فترات غياب طويلة قضاها فى روسيا ثم فى الكويت. عاد ومعه مشروع أدبى يعمل على إنجازه حاليا ويتمنى أن يحققه وهو كتابة تجربته الشخصية فى مستشفيات الأمراض العقلية التى عمل بها ما يقرب من 11 عاما فى مناطق فقيرة فى أفريقيا وآسيا.. أهلا بالمخزنجى الذى بدت عودته واستقراره فى مصر ومساهماته المختلفة سواء عبر المقال الصحفى أو الكتابة الأدبية مناسبة جيدة للاحتفال به فى نهاية 2009 وفى انتظار المزيد من الحضور والإنتاج الأدبى فى .2010؟