عندما يتحول أهم كتاب فى عام مضى إلى «مكتبة» لابد أن نتوقف قليلا!. فالحدث استثنائى بالتأكيد.. وتداعياته تتجاوز بضع صفحات يمكن أن يخطها كاتب هذه السطور أو غيره! الأمر ليس به مبالغة أو تزيد.. فمكتبة الأسرة التى تجاوز عمرها الخمسة عشر عاما بعد أيام قليلة، نجحت على مدار سنواتها الماضية فى أن تحرك العديد من المياه الثقافية التى كنا قد ظننا أنها أصابها الركود، ودخلت فى مرحلة «ثبات» من الصعب تجاوزه! خلال العام الحالى وقفت «روزاليوسف» أمام العديد من إصدارات المكتبة التى شهدت تنوعاً ملحوظاً وتغيراً فى الشكل والمضمون مكنها من أن تقدم «أمهات كتب التراث» فى شكل متميز وطبعات غير تقليدية خطا بها خطوات بعيدة عن إصداراتها السابقة، رغم تميزها - أى الإصدارات السابقة - من حيث التوجه الموسوعى.. وهو ما سنتعرض له لاحقاً. لقد حرصت مكتبة الأسرة منذ البداية على تقديم مختلف أفرع الثقافة.. انطلقت من قناعة مفادها أن مجتمع الغد لن يقوم إلا على أساس حقيقى من المعرفة بكل فروعها «إبداعية كانت أم فكرية، وتراثية كانت أم علمية».. وهذا تقريبا ما كانت تحثه عليه كلمات السيدة الفاضلة سوزان مبارك قرينة الرئيس، والتى لولا جهودها - بحق لم تكن أجيال عديدة لتحظى بأن تعيش داخل عالم المعرفة بهذه الطريقة وهذه الصورة.. ولم تكن لتدرك قيمة التفاعل مع الكتاب الورقى، رغم مغريات الفضاء الإلكترونى! النشأة والتطور خرجت فكرة مكتبة «الأسرة» بصورة رئيسية عام ,1994 وقد نبعت فكرة إنشائها داخل اللجنة العليا لمهرجان القراءة للجميع الذى تتولى رئاسته قرينة الرئيس.. وتضافرت مع الفكرة العديد من الجهات الرسمية منها - آنذاك - المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ووزارة التعليم، ووزارة الحكم المحلى وجمعية الرعاية المتكاملة ووزارة الإعلام ووزارة الشباب. ومنذ خروج فكرة المشروع إلى النور فى العام الرابع لمهرجان القراءة للجميع دخلت الحملة القومية للقراءة للجميع مجال نشر الكتاب، بعد أن كان الأمر فى السابق مقصوراً على عرضه داخل المكتبات العامة! وتمكنت المكتبة من أن تقتحم العديد من القطاعات الثقافية بعدد ضخم من المؤلفات تحت شعار «للطفل.. للشاب.. للأسرة» وكان الهدف الأساسى هو طرح ثمار العبقرية الإبداعية والفكرية والعلمية للمجتمع المصرى الحديث، وفتح نوافذ على الفكر والإبداع العالمى، وربط الماضى بالحاضر من خلال تقديم روائع التراثين العربى والإسلامى. الماضى صورة الحاضر! من خلال الهدف الأخير - نقصد ربط الماضى بالحاضر - استطاعت مكتبة الأسرة أن تقدم أكثر من رسالة - وهو ما تناولته «روزاليوسف» بالعرض والتحليل خلال العام الموشك على الانتهاء - منها: أن العديد من الأحداث التاريخية التى من الممكن أن نظن أن الزمن قد تجاوزها بخطوات واسعة لاتزال لها انعكاسات على الواقع المعاصر.. ولاتزال لها تداعيات حية على المستويات الإقليمية المختلفة.. ومنها ما يتعلق بالسياسة، ومنها ما يتعلق بالتوجه المذهبى والاعتقادى. تناولنا فى «روزاليوسف» كتابين نحسبهما حققا هذا الأمر.. الأول كان «شرح الأصول الخمسة» للقاضى عبدالجبار المعتزلى، والذى تعرض فيه لأصول العقيدة كما يراها المعتزلة مقارنة بما يمكن أن نسميه الاعتقاد الأشعرى.. وهى معركة مازالت لها تداعيات عديدة داخل بعض الأقطار الإسلامية.. كل حسب توجهه الخاص.. ولاتزال رغم قدمها - تثير العديد من السجالات والمناقشات الحادة من حين لآخر بين أتباع الفريقين! الكتاب الثانى كان «فضائح الباطنية» للإمام أبوحامد الغزالى.. وهو كتاب تناول مؤلفه بالشرح ما رآه حقائق عن فرقة الشيعة الإسماعيلية أو «السبعية» لأنهم يرون أن الإمامة دورات «سباعية» وهى فرقة لاتزال مؤثرة فى بعض المناطق، خاصة داخل قارة آسيا «بين مسلمى الهند..» ومنهم طائفة «البهرة» التى يوجد فى مصر حتى الآن بعض من أتباعها! ذاكرة أمة! قدمت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798م، بغرض جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية فى الشرق، وبعد فشل أهدافهم وانهزامهم أمام الجيوش الإنجليزية وبعد تحطيم أسطوله فى معركة أبوقير البحرية، رحلوا عن مصر عام 1801م بعد قضاء نحو ثلاث سنوات. وبعد فترة قليلة من مجىء الحملة سرعان ما رحل نابليون بونابرت عن مصر تاركا الجنرال كليبر على رأس الحملة. وبعد مقتل كليبر على يد سليمان الحلبى تسلم الجنرال جاك فرانسوا مينو الذى أظهر إسلامه ليتزوج من امرأة مسلمة كانت تسمى زبيدة ابنة أحد أعيان رشيد، وبعد هزيمة الفرنسيين وتحطيم أسطولهم وقع الفرنسيون معاهدة لتسليم مصر والعودة لفرنسا على متن السفن البريطانية، لتنتهى بذلك فترة من أهم الفترات التى شهدتها مصر. كان احتلال مصر بمثابة رغبة قوية لدى فرنسا، وبقيت أملا لساستها وقادتها ينتظرون الفرصة السانحة لتحقيقها، وفى سبيل ذلك يبعثون رجالهم إلى مصر على هيئة تجار أو سياح أو طلاب دارسين، ويسجلون دقائق حياتهم فى تقارير يرسلونها إلى قادتهم! ولما بدأ الضعف يتسرب إلى الدولة العثمانية أخذت فرنسا تتطلع إلى المشرق العربى مرة أخرى، وكانت تقارير رجالهم تقول إن اللحظة المناسبة قد حان أوانها ولابد من انتهازها. وكشفت تقارير سانت بريست سفير فرنسا فى الأستانة منذ سنة 1768م والبارون دى توت والمسيو (مور) قنصل فرنسا فى الإسكندرية ضعف الدولة العثمانية، وأنها فى سبيلها إلى الانحلال، ودعت تلك التقارير إلى ضرورة الإسراع باحتلال مصر. وكان من أثر هذه التقارير أن نال موضوع غزو مصر اهتمام حكومة الإدارة التى قامت بعد الثورة الفرنسية، وخرج من مرحلة النظر والتفكير إلى حيز العمل والتنفيذ، وأصدرت قرارها التاريخى بوضع جيش الشرق تحت قيادة نابليون بونابرت فى 12 أبريل 1798م. ووصلت الحملة إلى الإسكندرية ونجحت فى احتلالها فى 2 يوليو 1798م ثم اتخذت طريقها إلى القاهرة! وكان علماء الحملة الفرنسية - آنذاك - ممن اصطحبهم نابليون فى حملته، حريصين طوال الوقت على تسجيل كل ما يرونه فى بر مصر «سلوكيات - عادات - تقاليد - معاملات تجارية - حرف ومهارات صناعية»! ما خطه علماء الحملة كان أمراً ضخماً بالفعل.. وضعوه فيما بعد فى مجموعة مجلدات تحت اسم «وصف مصر».. وظلت الموسوعة التى حفظت لنا العديد من عادات الشعب المصرى - رغم أنها كانت نتيجة فعل استعمارى - عصية على التناول!.. نسخ محدودة.. قراءات أكاديمية بحتة إن شرحت جانباً مما جاء بهذا المؤلف الضخم، تجاوزت جوانب أخرى عديدة! لكن هذا الأمر لم تزلله أمام القراء سوى مكتبة الأسرة التى أخذت على عاتقها أن تعيد طباعة الموسوعة كاملة بأسعار أقل من زهيدة! وعيون مصرية! فى مقابل ما كان يرصده علماء الحملة الفرنسية، كانت هناك عينا مصرية ترصد ما تقوم به الحملة نفسها فى بر مصر.. كانت هذه العين هى الشيخ عبدالرحمن الجبرتى، الذى عرف مؤلفه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» طريقه إلى الانتشار الشعبى عبر نفس المكتبة هو الآخر! جمع الجبرتى تاريخ مصر الذى انشغل به منذ خمسة عشر عاما فى كتاب واحد. ولذا فقد عقد العزم على كتابة تاريخ مصر الكامل جاعلاً كتابه (مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس) أحد فصوله الرئيسية. فقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء. الجزء الأول حتى آخر عام 1189ه، والثانى حتى آخر عام «1212ه»، والثالث حتى آخر عام «1220ه»، وأسماه (عجائب الآثار فى التراجم والأخبار) والمعروف «بتاريخ الجبرتى»، وقد انتهى الجبرتى من تدوين هذه الأجزاء الثلاثة فى عام 1236ه «1822م» أى بعد 20 عاما على رحيل الحملة. دفع الجبرتى الاشتغال بكتابة تاريخه أن وقف موقف المعارضة لحكم محمد على باشا بعد انشقاقه على الدولة العثمانية، وظل سنوات يترقب ما ستؤول إليه الأحداث فى عهد هذا الرجل، وكان خلال ذلك يرصد كل شىء، ويدوّن الحوادث والمتفرقات، ويسند كل ما يقول ويدون إلى مصدر ثقة أو شاهد عيان، وكان حريصا على أن يعاين الأحداث العامة بنفسه ليتوخى الصدق ويتجنب نقل الأخبار الكاذبة، وتعرض الجبرتى فى سياق ذلك لكل شىء، فقد ذكر الأحوال الاقتصادية من زراعة وتجارة وفلاحة، وإلى أنواع النقود المتداولة فى الدولة وإلى الأسعار وأنواع المقايضات التى كانت تحكم العلاقات التجارية. بالإضافة إلى الحياة الاجتماعية «أحوال شخصية» و«عادات أسرية» و«وقيم سائدة فى المجتمع» آنذاك.. فضلا عن الحياة الدينية والثقافية وأخبار الأدباء والعلماء المشهورين والمشايخ البارزين! مصر القديمة إلى جانب «وصف مصر» و«عجائب الآثار» كان هناك مؤلف موسوعى آخر «16 جزءاً» يؤرخ إلى الدول المختلفة التى شهدتها مصر القديمة للعلامة الأثرى سليم حسن سبقهما إلى الظهور، بعد أن انتظر طويلا من يخرجه إلى النور، وهو كتاب مهم عرض خلاله مؤلفه تاريخ الأسرات «الثلاثين» التى حكمت مصر القديمة.. وعرفت الموسوعة طريقها إلى الانتشار بالفعل بعد أن قامت «مكتبة الأسرة» بطباعتها بسعر 5 جنيهات للجزء الواحد! وكانت موسوعة سليم حسن «مصر القديمة» هى الإصدار الأول الذى دخلت من خلاله مكتبة الأسرة اتجاهها الجديد بنشر الأعمال الموسوعية الكبرى، وذلك بالتزامن مع إصدارات أخرى تناولت الحضارة المصرية القديمة من أكثر من جانب، مثل «فجر الضمير»، لجيمس هنرى برستيد و«النيل حياة نهر» لأميل لوفديج، ومعجم الحضارة المصرية و«الحياة اليومية فى مصر القديمة» وآثار حضارة الفراعنة. وبشكل عام تراوحت إصدارات المكتبة بين العديد من السلاسل منها «روائع الأدب العالمى» والأعمال الخاصة والأعمال الفكرية و«تراث الإنسانية» والأعمال العلمية و«البيئة» والأعمال الدينية، وهى تنويعات تزايدت بشكل مستمر مع 15 عاما هى عمر المكتبة الأشهر حتى الآن.. لذلك لم نقف عند كتاب واحد من إصداراتها لنعتبره كتاب العام، لكننا اعتبرناها فى مجمل ما تقدمه الأحق بأن تصبح «الأفضل» لأنها نجحت بالفعل أن تخلق من القراءة مهرجانا وطنيا! ؟