للمرة الألف يستدرجنا أعداء المرأة والتطور إلى مناقشات سفسطائية حول موضوعات تم حسمها وتخطاها الزمن منذ سنوات عديدة، فمن العبث أن نجادل فى بديهيات وأن نختصم حول أفكار ماتت ودفنت منذ مئات السنين إلا أن البعض مازال يحتفظ بها فى عقله "محنطة" تقاوم الزوال. هل مازلنا فى حاجة لأن نثبت أن الإسلام كان بمثابة المعجزة التى أنقذت المرأة ربما من الفناء فى عصر لم يكن أى شعب على الأرض - باستثناء الشعب المصرى - يمنحها أى حقوق تضمن لها الارتفاع إلى مستوى المواطن الحر القادر على المشاركة فى كل أمور بلاده؟ هل مازلنا فى حاجة لأن نجادل أولئك المصريين على "وأد" المرأة المسلمة و"استئصال" حقوقها المشروعة التى حجبت عنها طويلا طويلا بفعل فتاوى "المسيوجيمى" مرض كراهية المرأة؟ تصريحات فضيلة الشيخ طنطاوى شيخ الأزهر بالسماح للفتيات بارتداء ذلك الزى المكروه إسلاميا وعالميا فى الشارع، وخلعه فقط داخل الفصول أمر يدعو إلى العجب..! هل المطلوب منع النقاب لإظهار جمال الفتيات والاستمتاع برؤية طلعتهن البهية فقط، أم لحماية بقية المواطنين من شر يتهددهم من أشباح سوداء تهيم حولنا فى شوارع مصر ولا نعرف لها أصلا ولا نوعا ولا هوية ولا معنى؟! نحن شعب يعشق التقليد الأعمى وسرعان ما سيتفشى هذا الزى الكئيب - خاصة مع المغريات المادية التى تصاحبه - فى كل شوارع مصر ولن تجدى أى محاولات لمنعه، نحن الذين فشلنا فشلا ذريعا فى كبح جماح مكبرات الصوت ومن يتشددون لها!! كيف سيكون حال مصر عندما يتولى حكمها جيل نشأ تحت رعاية أمهات رآهن مرغمات على الاختفاء تحت خيمة سوداء بحجة أن هذا ما يطلبه منهن الإسلام.. والإسلام برىء برىء مما يدعون؟! وعندى أسئلة أود أن أوجهها إلى المجلس القومى للمرأة وعضواته المحترمات: لماذا الصمت وتجاهل القضايا الحيوية للمرأة، رغم وجود عضوات على أعلى مستوى من التخصص فى الفقه والشريعة وفى العلوم الإنسانية وغيرها؟! ما جدوى وجود مجلس قومى للمرأة إذا لم يشتبك فى معارك فكرية ويجادل بالتى هى أحسن جيش التخلف الفكرى الذى يصر على مبارزة طواحين الهواء..؟! هل تعتبرن ارتداء النقاب حرية شخصية أم اعتداء على حرية الآخرين؟! كيف ستواصلن مسيرة تمكين المرأة (البطيئة شبه المشلولة حاليا) لكى تلحق المصرية بأختها البنجلاديشية والباكستانية والتونسية واللبنانية.. فى ظل المزيد من التراجعات وفى ظل مجتمع يتنفس كراهية وازدراء للمرأة؟! هل ستقبلن مشاركة المنقبات فى انتخابات مجلس الشعب وستساندنهن إلى أن ينجحن ويحصدن ثمرات ما زرعته أجيال عديدة من النساء؟! ما موقفكن من أصوات قد ترتفع يوما مطالبة بالسماح لمذيعات منقبات بالظهور على شاشة التليفزيون المصرى، وأصوات تحتج على عدم وجود وزيرات منقبات وسفيرات و.. هلم جرا..؟! إن السماح بوجود النقاب والإقرار بأنه حرية شخصية، ثم إقصاء صاحباته عن المواقع الحيوية سيكون بمثابة تفرقة عنصرية! إن التصريح بوجود أشباح سوداء فى الطريق العام سيقضى نهائيا على كل محاولات مصر لدعوة الناس لزيارتها والارتواء من نيلها والتمتع بآثارها.. ولا أستبعد أن تتصدر صورة الأشباح السوداء الدعايات السلبية التى يبثها أعداء مصر على الإنترنت والفضائيات.. لإرهاب السياح والقضاء نهائيا على مصدر دخل يعيش عليه ملايين المصريين. من يضمن للسائح الأجنبى ألا يتكرر حادث الأقصر الذى لم يتم الكشف عن مرتكبيه حتى يومنا هذا؟! من يضمن لأى إنسان - مصرى أو أجنبى - السلامة داخل دار سينما أو مسرح أو سوق أو حديقة بينما أشباح سوداء مرعبة تهيم حوله بلا رقيب أو حسيب؟! ألا يكفى ما فعله بنا الإرهاب، الذى ما إن تخلصنا منه حتى طلعت علينا حشود المنقبات تعلن أنه مازال يعيش ويتنفس ويبث سمومه ويتأهب للانقضاض..؟! إن الشارع أولى بالحماية من البيوت والفصول والمدرجات محدودة المكان.. ويكفينا تلك الفوضى العارمة التى تجعل شوارعنا - بالقاهرة بالذات - مرتعا للمسجلين الخطرين والعاطلين وسائقى الميكروباص والمتسولين فى أزياء الكناسين إلى جانب الفئران والعرس التى تجد "أمنها الغذائى" متوفرا فى تلال القمامة على كل ناصية؟! هل تنقصنا أشباح سوداء تخبئ تحتها شحنة من الرفض والكراهية لكل العالم..؟! إن الحجاب والنقاب مكروهان جدا فى الخارج، وينظر الغربيون إلى من ترتديه كعضو فى ميلشيا الإرهاب وممثلة للقاعدة والطالبان وغيرهما، ومازالت ذكرى الاعتداء الوحشى على الصيدلانية الراحلة مروة الشربينى (التى اعترف البعض بأنها شهيدة الحجاب) ماثلة للأذهان.. فهل إذا ما امتدت يد الغدر لتعتدى على إحدى بناتنا المنقبات فى مدينة أجنبية سندافع عنها ونتحدى قوانين الدول جميعها ونعلن بكل إباء وشمم أن هذا ديننا وعليكم أن تتقبلوا ما نفعله ببناتنا؟! أما زال أعداء المرأة على إصرارهم بدفع المزيد من "شهيدات النقاب" لكى يفتديننا بأرواحهن وتلقى الضربات القاصمة نيابة عن فقهائنا المتقاعسين عن إصدار فتاوى تصالح المسلمين على العصر الحديث؟! للأسف لن ينطلى على الغرب الادعاء بأن هذا هو الإسلام، فلديهم علماء متخصصون فى دراسة الإسلام ولديهم تجاربهم التاريخية مع التعصب الدينى والتطرف وقهر المرأة.. باختصار نحن نعيش فى عصر يشبه بالضبط ما عانوه فى قرون سابقة، وكرهوه وتخلصوا منه إلى الأبد، عصور محاكم التفتيش والجماعات المتطرفة واضطهاد الأديان الأخرى والمرأة والسود.. وصمة عار للأجداد تعهد الأحفاد ألا يكرروها. وهانحن نراهم يمنحون نساءهم كل الحقوق بلا استثناء.. وينحازون لإسرائيل تكفيرا عن خطايا أجدادهم فى حق اليهود.. وينتخبون رئيسا أسود لأقوى بلد فى العالم اعتذارا علنيا واضحا لكل ما ارتكبوه فى حق السود.. إلخ. إذن أى محاولات لبعث التخلف والتعصب وإلباسهما أثوابا عصرية وإحاطتهما بحجج وأسانيد واهية لن تجدى مطلقا.. وستزداد الهوة اتساعا بيننا وبين العالم كله.. ليس الغرب وحده وإنما كل بلد تعيش فيه المرأة كمواطن حر. منذ مائة عام - قبل قرن كامل من الزمان - ارتفع صوت شجاع لإمامنا الأكبر الراحل الشيخ محمد عبده ليفتى فى مسألة النقاب، ولينفى أن يكون النقاب من الشرع الإسلامى "لا للتعبد ولا للأدب بل هو من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده"، والدليل على ذلك أنه مازال منتشرا فى بعض الأممالشرقية التى لا تدين بالإسلام. وفى الأعمال الكاملة له التى حققها الدكتور محمد عمارة وأصدرت (دار الشروق) فى القاهرة طبعة جديدة منها يسوق الشيخ محمد عبده حججا عديدة لرفض النقاب فيقول: "إن الشريعة الإسلامية كلفت المرأة بكشف وجهها عند تأدية الشهادة"، والحكمة فى ذلك أن "يتمكن القاضى من التفرس فى الحركات التى تظهر عليه" فيقدر الشهادة قدرها، ويقول: "ولا أظن أنه يسوغ للقاضى أن يحكم على شخص مستتر الوجه ولا أن يحكم له"، ويضيف أن الشخص المستتر لا يصح أيضا أن يكون شاهدا؛ إذ من الضرورى أن يتعرف القاضى على وجه الشاهد والخصم. أما عن الحجة التى يسوقها أنصار النقاب فيرى الشيخ محمد عبده أن "أسباب الفتنة" لا ترجع للأعضاء الظاهرة للمرأة وإنما السلوك الشخصى أثناء المشى وأن "النقاب والبرقع من أشد أعوان المرأة على إظهار ما تظهر وعمل ما تعمل لتحريك الرغبة لأنهما يخفيان شخصيتها فلا تخاف أن يعرفها قريب أو بعيد.. فهى تأتى ما تشتهيه من ذلك تحت حماية ذلك البرقع وهذا النقاب". هذا ما رآه إمامنا الذى أقيمت فى جامعة الأزهر منذ 4 سنوات فقط احتفالات ضخمة ألقيت فيها بحوث وخطب ودراسات تثبت إخلاصه الذى لا حدود له للإسلام والمسلمين! ألا يكفى هذا بالإضافة إلى تصريح شيخ الأزهر حول النقاب - مع غض النظر عن تراجعه نتيجة للحملة الشعواء عليه؟! ألا تكفى هذه الفتوى الصريحة لكى يصدر قانون يجرم لبس النقاب ويرغم كل مواطن - رجلاً كان أو امرأة - على كشف وجهه واحترام أمن المواطنين؟!