ألاعيب اللحظات الأخيرة التى حولت إيرينا من الثالثة ب9 أصوات إلى متعادلة مع المتصدر ب29 ثم فائزة ب 31 صوتا لوهلة .. طارد المتابعون لمعركة اليونسكو القذرة تساؤلا مثيرا، هل أوباما هو رئيس أمريكا فعلا ؟!.. وإن كان .. فهل كان كلامه الرنان فى جامعة القاهرة حقيقة أم أنها مجرد حملة علاقات عامة ؟!.. وإن كان أيضا .. فلماذا قاد مندوب فى اليونسكو هذه الحملة الشرسة ضد المرشح المصرى فاروق حسنى ؟! نعرف أن كلمة السر جماعات الضغط الصهيونية، لكنه قدم نفسه لنا على أنه القادر على مقاومة اللوبى الصهيونى لأنه ليس له فضل عليه فى وصوله للبيت الأبيض .. والأمر زاد تعقيدا بعد أن تحول لحرب حضارية حقيقية بمعنى الكلمة .. لكن الكل اتفق على أن المواجهة على المكشوف بعيدا عن المناورات السياسية والمجاملات البروتوكولية أفضل نتائج هذه المعركة الانتخابية التى جذبت الأنظار العالمية لمصر بصورة جديدة .. وأكدت أن الخليط الحضارى المصرى الجامع بين العربية والأفريقية والمتوسطية والإسلامية والقبطية والشرق أوسطية لايزال نابضا بالكثير رغم مؤامرات أعدائنا لكن المشهد العام فى أعقاب ''فضيحة اليونسكو'' التى تحولت من منظمة ثقافية إلى سياسية أيديولوجية بحتة ، يطرح العديد من القضايا من جديد ، منها هل الحل فى المقاطعة ؟! .. بعد أن تزايدت دعوات مقاطعة الولاياتالمتحدة عقاباً على خداعنا ، ومقاطعة اليونسكو بعد أن رفضتنا رسميا ، والتوقف عن التقدم الملحوظ فى مشروع الاتحاد من أجل المتوسط بعد فشل أول اختبار حقيقى تعرض له !الجدل حاول فاروق حسنى نفسه حسمه فور عودته للقاهرة على طائرة خاصة لرئيس لجنة برلمانية سافر له فى أول أيام العيد ليظهر فى الصورة خاصة أنه توقع فوزه ، حينما قال إننا لن نقاطع اليونسكو لكنه عنف القائمين عليها مؤكدا أن عليهم أن يفخروا بأن مصر تتعامل معهم .. وبالطبع نرفض جميعا سلاح المقاطعة الانفعالية الصبيانية فى مواقف تتعلق بمصالح دول ، خاصة أن تقاطع المصالح فى مواقف يمكنه أن يتصادم فى أخرى لأنه من الصعب أن يكون هناك تطابق فى المصالح بين الدول ، لكن علينا أن نستفيد من أن اللعب أصبح على المكشوف ولا نضيع وقتا على حوارات الحضارات ولا نعلق عليها الكثير أن خضنا فيها لبعض الوقت لتحقيق مصالح أخرى. التطبيع وتهويد القدس الأكثر تعقيدا من النتيجة المباشرة أن هذا الحدث غير المسبوق تزامن مع إعادة طرح قضية التطبيع ،وصعد كارثة تهويد القدس بزاوية مختلفة ، ويدعونا للتعامل مع أوباما بصورة جديدة، فلا نعلق الكثير وإن جاء منه شىء يكون أفضل ، خاصة أنه فاشل حتى الآن فى حسم أمره فى طرح مبادرته وإجبار الطرفين على حل شامل وعادل ، ويضيع على الأمة العربية والمنطقة فرصة مهمة للسلام ، برعونته بل وتحول موقفه لصالح تل أبيب بشكل مفاجئ والتى تستغلها بصورة جيدة جدا كالمعتاد . ولن نوسع الدائرة ونربط بين الموقف الأمريكى المتربص بيوسف بطرس غالى فى انتخابات الدورة الثانية له كأمين عام للأمم المتحدة ، والموقف المماثل الذى تعرض له محمد البرادعى خلال محاولته التى نجحت بالكاد ليقضى فترة ثانية فى وكالة الطاقة الذرية ، والأمر لا يختلف كثيرا مع ما حدث فى حالة فاروق حسنى ،فهل يتلذذون من إقصائنا ثم يتشدقون بحوار الحضارات؟! الآسف الحربائى وبالطبع الشماتة الإسرائيلية ليست غريبة على مثل هذه المشاهد المتكررة ضدنا ، لكن التورط الإسرائيلى والصهيونى كان غير معتاد هذه المرة خاصة أنه وصل إلى حد أن موهت الصحافة الإسرائيلية التى شاركت فى الحملات المشوهة لفاروق ومصر ، بالحديث المدعى عن أن فاروق سيفوز من الجولة الأولى وهم آسفون لذلك فى محاولة ناجحة للتغطية على التربيطات السرية التى اشتعلت حتى اللحظات الأخيرة ، والمثير أن هذه التمويهات تكررت مع كل جولة حتى الخامسة فسيفوز فاروق اليوم والإسرائيليون آسفون .. واستمر هذا الأسف الإسرائيلى المفتعل حتى بدأت الاحتفالات مع وصول أول الأنباء عن فوز المنافسة البلغارية '' إيرينا بوكوفا'' التى اتعرفت بلادها لا هى وحدها إنها لا تصدق نفسها حتى الآن .. ولم تكتف إسرائيل بذلك بل أصدرت بيانا احتفاليا فور تأكد خبر فوز البلغارية ، واعدينها بأن يعزز تعاونهم مع المنظمة فى وجودها ، مع التخلص من كابوسهم المرشح المصرى ، الذين لا يكلون ولا يملون عن ترديد اتهامهم الأشهر له بأنه دعا لحرق الكتب الإسرائيلية ثم اعتذر وأصدر تعليماته بترجمة بعض الروايات الإسرائيلية . وما لا يعرفه الكثيرون أن الحملات الإسرائيلية الصهيونية التى كانت أحد أسباب تكتل الدول الكبرى ضدنا .. لا الوحيد كما يتصور البعض ، لم يتوقف عند فاروق حسنى بل امتد إلى البرادعى حتى بعد خروجه من الوكالة الذرية بعد انتهاء فترته الثانية ، حيث اتهمته إسرائيل بأنه أخفى تقارير سرية عن البرنامج الإيرانى يؤكد قرب امتلاك ايران للقنبلة النووية وبالتالى كان من الضرورى أن يتم مواجهتها لكنهم ادعوا أن البرادعى وقف حيال ذلك وطالبوا بفتح الملف من جديد ضد البرادعى.. لكن محاولتهم حتى الان بات بالفشل . الصهاينة عموما فإن ما حدث إن كان بسبب إسرائيل والصهاينة أو غيرهم فإنه سقوط كبير للغرب فى أول اختبار لدعاوى قبول الآخر وقبول ممثل عن العالم الإسلامي والعرب ..فالغرب رفض بإصرار قبول الآخر وتحالف لإسقاطه ، وكل الأصوات تطالب بفتح مراجعة لهذا الموقف وألا تمر النتيجة مرور الكرام لأن المعركة أثبتت وجود مواقف ''غريبة لم تكن متوقعة من بعض الدول التي كنا نعتبرها دولا صديقة تربطنا بها علاقات خاصة جدا واستراتيجية على أكثر من مستوى وكانت سبباً فى تحول النتيجة من التعادل 92 -92 فى الجولة الرابعة الى 13-72 لصالح البلغارية فى الجولة الأخيرة وسط خيبة عربية وإسلامية عامة تجاوزت الساسة والمثقفين الى البسطاء، ومن الدول المتورطة ألمانيا التى احتفلت بالمديرة البلغارية الجديدة وأيضا فرنسا . ورغم السيناريوهات التى اتهمت إيطاليا بأنها كانت من الدول التى خانت التحالف المصرى إلا أن تصريحات وزير الخارجية الإيطالى '' فارنكو فراتينى'' حسمت الموقف برفضه إحباط وصول المرشح المصرى لليونسكو ، معبرا عن اندهاشه لإبعاده عن هذا المنصب الدولى الرفيع .. فلم يكن أحد يتخيل أن تتكاتف الدول الكبرى غير القليلة في أمريكا وأوروبا ضد المرشح المصرى بهذا الشكل، وأن تستجيب لضغوط اللوبى اليهودى الذى كان ضدنا منذ إعلان ترشيحه. مستقبل الشراكة المتوسطية ومن المهم أن نحدد مصير مستقبل الشراكة المتوسطية والاتحاد من أجل المتوسط المرهون بتأييد المواقف الأوروبية التى باعت مصر فى هذا الاختبار، حيث كانت قد قررت ثلاث من دول جنوب المتوسط هى: إسبانيا والبرتغال وإيطاليا التصويت للمرشح المصرى، وسحب تأييدها للمرشحة الأوروبية بينيتا فيريرو التي أعلنت لاحقاً انسحابها. وكان قد بات الطريق مفتوحاً لفوز فاروق حسنى. لكنّ السفير الأمريكى فى اليونسكو ''ديفيد كيليون'' لم يتوقف عن تطرفه، وشنّ حملة شنيعة ضد المرشّح العربي. وضحّى كيليون بمرشحته الاكوادورية ذات الأصول اللبنانية ''إيفون عبد الباقي''، بعدما أحسّ بالخطر، مع اقتراب فوز المرشح المصرى فى الجولة الرابعة والذى كان شبه مؤكد قبل التعادل المفاجئ الذى أهل لإقصاء فاروق حسنى من المعركة وتحولت أصواتها إلى البلغارية إيرينا بوكوفا، مما جعل رصيد الأخيرة يقفز من 9 إلى 92 صوتاً.. وكان من أبرز المعادين لفاروق والمساند للحملات الصهيونية وزير الخارجية الفرنسي ''برنار كوشنير'' المعروف بميوله الصهيونية، وانتقد علناً المرشح المصرى، رغم التزام فرنسا رسمياً بالتصويت له. وقد مارست الولاياتالمتحدة ضغوطا قوية على الدول الأفريقية لتغيير موقفها من فاروق خاصة أنها كانت منقسمة عليه فى الجولات الأولى مع وجود المرشحين التنزانى والبنينى رغم أنهما لم يحصلا إلا على ثلاثة أصوات فقط .. وتفيد خريطة الكتل التصويتية أنها تشمل 6 أصوات عربية هى السعودية والكويت والجزائر والمغرب وتونس ولبنان ، و31 صوتا أفريقيا هى: جنوب أفريقيا وبنين ومدغشقر وساحل العاج وأوغندا وتنزانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال وزامبيا وتوجو والكونغو الديمقراطية وأثيوبيا، بالإضافة الى 6 أصوات لاتينية هى كولومبيا والبرازيل والسلفادور وشيلى وجاميكا وفيجى ، و41 صوتا أوروبيا هم البانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال ولوكسمبرج واليونان وألمانيا والمجر وليتوانا والنرويج وروسيا البيضاء وصربيا وإسبانيا وبلغاريا ، و11 صوتا آسيويا هى الصين والهند واليابان وماليزيا ومانغوليا ونيبال وباكستان وكوريا الشمالية والفلبين وسريلانكا وتايلاند . حوار المصالح لا الحضارات وهناك أيضا جانب آخر للمشهد ليس أقل إثارة مما تعرضنا إليه أعلاه ، أقصد المشهد الداخلى حيث سيطرت خيبة الأمل الثقافية والسياسية ويبدو أنه سيدور حوار واسع خلال الفترة القليلة القادمة حول حوار المصالح لا الحضارات ، وضرورة التآلف مع لغة الحوار الأكثر فعالية ، وإعادة النظر فى العلاقات الإقليمية من متوسطية حتى الإفريقية والعربية أيضا ، وبالطبع الأمريكية .. ووسط كل ذلك سيطرت شماتة خدام الصهاينة المعروفين باسم الإخوان المسلمين ، والذين احتفلوا بسقوط فاروق حسنى مثل الإسرائيليين واعداء مصر والأمة العربية والإسلامية ، وتحججوا بشخصنة القضية .. فكان غريبا على غير المتابعين للموقف أن يجدوا مباركة إخوانية على موقعهم الالكترونى بخسارة فاروق ،بل يكذبون بادعاء ان الشارع المصرى تبادل التهانى على ذلك ، ووصف النائب المحظور هذا الموقف الذى ادعوه وصدقوه أنه يتناسق مع غضب المصريين من الجرائم التى ارتكبها فاروق حسني فى حق الكرامة والثقافة والهوية والتاريخ لبلده وبعد تنازلات أكثر من مهينة قدمها حسنى على طبق من ذهب للصهاينة في سبيل مقعد مسلوب و منزوع الإرادة، بل واتهموه بالخيانة العظمى ، مشيرا إلى أن تولى بطرس غالى منصب الأمين العام للأمم المتحدة لم تجن منه مصر ولا العرب خيرا بل اتخذت أسوأ القرارات ضد الأمة فى عهده الأسود .. وفق إدعائه الذى يفتقد أية قراءة واعية للتاريخ ، فلن ننسى موقف غالى فى مذبحة قانا الأولى التى فضح فيها إسرائيل وواجه فيها أمريكا. لكن كان من المهم أن تنكشف كل هذه الوجوه أمام الرأى العام الذى كانوا يخدعونه بالشعارات الدينية خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية ليلفظ المجتمع مثل هؤلاء الذين يخونون وهم الخونة الحقيقيون . شائعات التغيير الوزارى واستكمالا للمشهد الداخلى ، فإن بعض المراقبين كان يتمنى فوز فاروق حسنى بالمنصب الدولى ترقبا لتغير وزارى يضم أيضا بالإضافة لوزير الثقافة بعض الوزراء الآخرين، وربط البعض ذلك باقتراب المؤتمر السنوى للحزب الحاكم كما هو الحال كل عام فى مثل هذا الوقت ، حيث تنتشر الشائعات السياسية من هذه النوعية، وبالطبع ستزيد وستأخذ أشكالا أخرى لتوفر بيئة حديثة لها ، فى موقف اليونسكو. لكن وزير الثقافة حسم الجدل الذى ما كاد أن ينتشر حتى أنهاه حول مصيره خاصة أنه شدد على عدم الاستقالة، ثم قال فور عودته لروزاليوسف أنه باق ولديه مشروعاته المهمة '' وهاأقعد على قلبهم بره وجوه ''!.. موجها الكلام لخصومه الذين شنوا ضده واحدة من أشرس وأقذر الحروب الانتخابية التى عرفتها لا اليونسكو وحدها بل كل المنظمات الأممية . والأهم الآن الاستفادة من الدرس والمعاملة بالمثل ، ودراسة تجربة جماعات الضغط الصهيونية والتمدد العالمى الذى تتمتع به، لا الدخول فى سفسطة لا تفيد تبعدنا عن الهدف .. خاصة أن الأمور لا تكيل على حقيقتها فلا مقارنة بين البعد الثقافى المصرى ، وهذه ''البلغارية'' المجهولة التى لا يعرفها أحد، والتى وصل الأمر إلى أن اعترف البلغاريون بأنفسهم بذلك .