السؤال الأكثر إلحاحا فى هذه الأزمة المعقدة التى يحكيها لنا الصيادون، هو لماذا يلقى الصيادون بأيديهم إلى التهلكة، ولا يحترمون الاتفاقيات التى توصلت إليها مصر للصيد فى المياه الإقليمية للدول المجاورة، لدرجة أن هذه الدول أبدت تشددا كبيرا، خاصة مع تكرار هذه الأحداث، ومن الواضح أن الإجابة عن هذا السؤال لن تكون سهلة، وكنا محظوظين أن عثرنا على دراسة صادرة عن المعهد القومى لعلوم البحار تحلل الموقف بداية من غياب الأسطول وتداعيات ذلك وفوضى البحيرات المصرية التى يدفع ضريبتها فى النهاية الصياد! يشخص د.علاء الحويط الخبير بالمعهد القومى لعلوم البحار الأزمة قائلا: إن هناك سببين رئيسيين أديا إلى تدهور الثروة السمكية فى مصر ونجمت عنه أزمات الصيادين المصريين فى الخارج، السبب الأول: هو طبيعة البحار الفقيرة فى خصوبة المياه، فالبحران المتوسط والأحمر يعتبران من البحار المغلقة وينشأ عن ذلك عدم تكون تيارات بحرية يمكن أن تحمل وحدات وثروات نباتية تتربى عليها الأسماك وتزيد من خصوبتها، والدليل على ذلك أن الدول المطلة على المتوسط والأحمر وتكون قريبة من فتحات المحيطات تكون المناطق البحرية فيها غنية بالثروة السمكية مثل المغرب وموريتانيا واليمن وعمان والصومال وإريتريا. كلها بها مناطق غنية بالأسماك لوجود تيارات بحرية تجذب المواد المخصبة للثروة السمكية. والسبب الثانى: هو أسلوب تنظيم المصايد فى مصر والذى ركز على البعد الاجتماعى دون النظر إلى أسلوب الحفاظ على استدامة الثروة السمكية.. وكانت النتيجة أن تم إعطاء التراخيص لحوالى 0054 مركب تعمل فى البحرين. وأضاف: نحن منذ عشرين عاما نعانى أو نعيش مع ذلك المؤشر الهابط للإنتاج السمكى! علاوة على أن تقليل وقف إعطاء تراخيص الصيد فى الوقت الحالى لم يمنع الصيادين من زيادة قوة "مواتير المراكب" بحيث يتضاعف جهد المركب، وساعد على تدهور الثروة السمكية أن الصيادين المصريين لايلتزمون بالمعايير الدولية والقانونية فى استخدام الشباك باستخدام ذات الخيوط الخفيفة من النايلون التى لم تعد تستخدمها أية دولة.. لزيادة كمية الأسماك داخل الشباك، وضيقوا فتحة الشباك أو ما يسمى ضلع العين وجعلوه "واحد سم" مع أنها قانونا لابد أن تزيد على "2سم" فطريقة المصريين فى فتحات الشباك أدت إلى عدم امكانية هروب أو خروج الأسماك الصغيرة أو الزريعة.. بحيث يتم صيدها مما يؤدى إلى عدم نمو أو تكاثر السمك رغم أن القوانين المصرية تحدد أسلوب وحجم الشباك لكن فى ظل انعدام الرقابة يتم استخدام هذه الشباك. من الأسباب التى أدت إلى تفاقم مشكلة الصيادين المصريين، كما يشير د.الحويط إلى لأن أسطول الصيد المصرى بدائى يستخدم طرقا تقليدية وقديمة.. هذه الطرق لا تمكنه من الدخول إلى أعماق المياه فيضطر الصيادون أن يسيروا بمحاذاة الشواطئ مما يضطرهم إلى دخول المياه الإقليمية لبعض البلاد أى لا يمكنهم الصيد إلاَّ على مدى محدد من السواحل، أى أن الأسطول المصرى غير قابل للصيد فى المناطق العميقة. وكشف أن هناك مراكب إيطالية وقبرصية تدخل المنطقة الاقتصادية التابعة لمصر ولا يتم التعرض لها أو ضبطها مع أن القوانين الدولية للصيد تلزم بمعاقبة المراكب المتعدية وأخذ إنتاجها من الصيد. ويقول د.عزت عواض رئيس هيئة تنمية الثروة السمكية السابق أن البحر المتوسط والذى يتم التركيز على الصيد منه هو من البحار الفقيرة جدا لضعف خصوبته وكان يثريه بعض الشىء طمى نهر النيل قبل بناء السد العالى.. ولاتوجد مناطق خصبة فى أنحاء البحر المتوسط سوى فى بعض الخلجان مثل خليج سرت بليبيا والبلاد التى تقترب من المحيطات، أيضا البحر الأحمر فقد خصوبته السمكية نتيجة وجود الشعاب المرجانية. هذا الافتقار الطبيعى فى البحار تزايد أو تضاعف مع عدم التزام الصيادين المصريين بالشباك القانونية، خاصة فتحات الشباك التى تجمع الزريعة الصغيرة ولاتعطى فرصة لتكاثر الأسماك. هناك دراسة فى هيئة الثروة السمكية تحدد عدد المراكب وكميات الصيد بحيث تكون عمليات الصيد مستدامة، لكن هذه الدراسة فى غياب الرقابة يصعب تطبيقها. علاوة على أن القانون يحدد عدد التراخيص فى مصر بالنسبة للصيد، لكن يتم منح التراخيص من الأحزاب أو أثناء الانتخابات، بحيث تم القضاء على القواعد العلمية فى إدارة الصيد فى البحر المتوسط والأحمر مما أدى إلى افتقار المناطق المصرية وذهاب الصيادين إلى بلاد أخرى.. وما يفعله الصيادون المصريون يتم تصنيفه وفقا للجان الدولية للمصايد "قرصنة بحرية تستوجب فرض عقوبات على دولة العلم" هذه اللجان الدولية تتبع منظمة الأغذية والزراعة الفاو. وآخر الإحصائيات الرسمية بالنسبة للإنتاج السمكى فى نهاية عام 7002 - 48 ألف طن سمك من البحر المتوسط و74 ألف طن سمك من البحر الأحمر وعدد المراكب التى تعمل فى البحرين 0054 مركب و43 ألف مركب شراعى تعمل فى جميع المناطق البحرية سواء بحارا أو بحيرات أو نهر النيل. عدد الصيادين المسجلين فى مصر 74 ألف صياد، لكن الحقيقة أنهم يتجاوزون 002 ألف صياد.