لا أحد يخدعنى ويقول إن احتفالات العام الأول للثورة سيكون لها طعم، فأنا أؤكد أنها ستكون احتفالات بلا روح.. باهتة مثل «بهتان» لون الشوارع و«وشوش» البشر تماما، فكيف نحتفل ونحن لم نشعر بطعم الثورة حتى الآن، وكل يوم فى مشاكل وخلافات واعتصامات ومظاهرات وسوء أحوال اقتصادية وصحية وتعليمية أكثر من ذى قبل ؟! كيف سنحتفل وكلنا مازلنا معلقين فى الهواء لم تطأ أقدامنا بعد الأرض الصلبة التى تؤكد أننا مسكنا بأطراف الطريق ؟! أيا كان شكل الاحتفالات فهى احتفالات ستكون ظاهرية بلا إحساس، لأننا حتى الآن لم نشعر أن هناك ثورة حقيقية، وليس معنى كلامى أن نثور من جديد وأن نخرب من جديد،وإنما أدعو إلى سرعة الإنجاز، فكفانا عذابات السنين الماضية ولم نعد نحتمل أية عذابات أخرى. المشكلة الحقيقية أن العيد الأول للثورة جاء ومازلنا نرتب البيت فلم نشعر بطعم الراحة، ومازلنا ننفق عليه فلم نشعر بطعم السعادة. هذا هو الفارق بين الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير والاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 23 يوليو منذ 60 عاما. الثانية اكتملت جوانبها بوجود رأس للثورة هو مجلس قيادتها يتقدمهم «محمد نجيب» و«جمال عبدالناصر»، هذا المجلس هو الذى حقق مطالب الشعب ليتم عليهم فرحتهم وليجعل للاحتفال بذكراها الأولى طعماً بعد أن أعيد ترتيب البيت بمبادئ وأهداف الثورة التى أزاحت الغمة عن الشعب المصرى الذى ظل أسيراً للفساد الملكى لعقود طويلة، الفارق بين الاحتفال بثورة يوليو والاحتفال بثورة يناير، أن الأولى كانت احتفالية حقيقية الصدور فيها منشرحة والأنفاس فيها هادئة لا تخشى من ضربة تأتيهم من هنا أو ضربة من هناك، ولكن الثانية كلها توجسات وخيفة من الانقسامات التى أصابت المجتمع المصرى ولا تعرف فى ظل هذه الانقسامات من أين تأتيك الضربة. الفارق بين ثورة يوليو وثورة يناير أن الأولى شهدت مولد نجم جديد هو «عبدالحليم حافظ»، الذى أحيا ذكراها الأولى على مسرح حديقة الأندلس فى يوليو 1953 من خلال حفلات «أضواء المدينة»، التى غنى فيها أول أغنية وطنية له بعنوان «العهد الجديد» من كلمات «محمود عبدالحى» وألحان «عبدالحميد توفيق زكى»، يومها قدمه فنان الشعب «يوسف وهبى» بقوله: اليوم أزف لكم بشرى «ميلاد الجمهورية» وعيدها الأول وأزف لكم أيضاً ميلاد نجم الثورة «عبدالحليم حافظ» ..أما الثانية فرغم أنها شهدت مولد عدد من نجوم الغناء أمثال «حمزة نمرة» و«رامى جمال» إلا أنهما رفضا الغناء فى ذكراها الأولى واعتذرا عن عدم المشاركة.. (لأنهما من الصعب أن يغنيا والثورة لم تكتمل بعد..«حمزة» و«جمال» ، كانا يتمنيان أن، يستعيد البلد عافيته لتكتمل فرحتهم ويصبح الاحتفال بالعيد الأول للثورة كرنفالا يليق بحجم ثورة نجحت فى إزاحة فساد ظل جاثما على قلوبنا 30 عاما، كما أعلن «إيمان البحر درويش» عدم مشاركته كنقيب للموسيقيين فى الحفلات التى ستقام لنفس الأسباب..فى الوقت الذى كان الكل فى الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة يوليو يشارك ويسعى لتقديم أفضل ما عنده، صحيح أن التليفزيون لم يكن قد ظهر بعد، ولكن الإذاعة قامت بالواجب وزيادة، ولم تكف عن إذاعة الأغانى الوطنية وخطب أعضاء مجلس قيادة الثورة وحواراتهم، كذلك الكرنفالات الشعبية فى الشوارع والميادين، وتوجت بحفل أضواء المدينة.. فى الذكرى الأولى لثورة يناير الكل تائه لا يعرف كيف سيحتفل وماذا سيقدم وفى أى اتجاه احتفالى يسير مع أم ضد؟! مثلما سار على هذا النحو الإعلام المتخبط الذى لم يرس على شاطئ أو يعرف كيف يحدد لنفسه اتجاهاً يسير عليه؟! هذا الإعلام هو الذى أصاب الشعب بحالة التوهان التى يبدو عليها لأنه - أى الإعلام - لم يكن صادقاً من البداية، والتفت إلى مصلحته الشخصية دون الوضع فى الاعتبار مصلحة الوطن، فبدأت العداءات تظهر والآراء المتضاربة تطفو على السطح ووجهات النظر المعادية تنتشر والمتلونون يعودون أكثر قوة. فكيف يخرج علينا «عمرو الحمزاوى» ليعلن فى القنوات التليفزيونية أنه ضد التصويت على أى قانون يعارض شرع الله ولن يسمح بتمرير مثل هذه القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية من خلال موقعه كعضو مجلس الشعب! هذا ال«عمرو» الذى صرح من قبل بأنه يؤيد الزواج المدنى وبأحقية زواج المسلمة ممن على غير دينها بما يخالف الشريعة والآن وبعد أن أدرك أن غالبية المجلس من التيارات الإسلامية تراجع وركب الموجة مثلما ركبها منذ بداية الثورة وبدل كلامه!! كذلك التلونات والتحولات التى أصابت كلاً من «عمرو أديب»، «لميس الحديدى»، «منى الشاذلى»، «معتز الدمرداش»، «خيرى رمضان»، «مجدى الجلاد» الذى سبق أن أعلن أنه لا مانع لديه من ترشيح «جمال مبارك» رئيساً للجمهورية باعتبار أنه شاب مثله ومن جيله! والمتلونة الكبيرة «هالة سرحان».. من هنا أقول كيف إذن لهذا الإعلام المتلون أن يحتفل بالعام الأول لثورة يناير؟! هل بما يتوافق مع أهوائهم وأجنداتهم الخارجية؟! أم مع مشاعر الثوار ومصلحة الوطن؟! أما الإعلام المصرى الرسمى فحتى الآن لا تتضح له معالم، وإن كنت أتصور أن احتفاله لن يخرج عن بعض الأغانى المكررة الساذجة وبعض برامج «الدش» المملة ليصبح وجوده مثل عدمه، كل هذه الضبابية التى تحيط بالاحتفال بالعيد الأول للثورة أصابت الناس بالإحباط والتوهان ومن قبل وبعد كل هذا يأتى تباطؤ المحاكمات - صحيح أن المحاكمات ليست هينة وأن القضية الواحدة فيها يصل عدد أوراقها إلى آلاف الأوراق - ولكن كانت الناس تريد أن تفرح بالقصاص حتى لو شعروا بذلك من خلال جدية المحاكمات التى يرونها مجرد تمثيلية مليئة بالمط والتطويل والملل ولا تخلو ربما من الخداع، هذا بخلاف تراجع المؤشرات الاقتصادية والأمنية والأخلاقية، أفبعد كل هذا من الممكن الإحساس بفرحة الاحتفال بالعام الأول للثورة؟!