هذه الادعاءات السائدة في الحياة السياسية المصرية اليوم، تدعو للدهشة، وأيضا الاستنكار، فكل فريق أو طائفة أو جماعة أو فرادي، يدعون الحق في تمثيلهم لشعب مصر أو أغلبيتهم، والادعاء بالحق في تعبيرهم عن رغبة وإرادة المصريين، أو الأغلبية منهم. الحقيقة أنه لا يوجد معيار أو مقياس يمكن به تقدير حجم القوي السياسية في الشارع خاصة في مصر، حيث حزب «الكنبة» أو الأغلبية من المصريين غير مهتمين بالسياسة، أو بالحركات السياسية في الشارع، فكل ما يهم أغلبية المصريين هو المشاكل الحياتية اليومية وأيضا تلك المشاكل المستعصية مثل البطالة والصحة والإسكان والتعليم والتأمينات والمواصلات والنظافة، ونشاط الأحياء «كحكم محلي أو إدارة محلية»! هذه هي مشاكل الأغلبية، وإن كان بعد حركة 25 يناير قد ازداد الوعي الشعبي، وازدادت الرغبة في المشاركة في الحياة السياسية واتضح ذلك في ميادين القاهرة والإسكندرية والسويس وغيرها من محافظات الصعيد، حيث خرج بسطاء الشعب ليشاركوا في المطالبة بتغيير النظام وعودة الحقوق، وربما صدمة شعب مصر بحجم الفساد الذي استشري في ظل الحكم السابق، ومدي تورط رموز الحكم بما فيهم قصر رئاسة الجمهورية في هذه المفاسد والنهب المنظم لثروات البلاد. كل ذلك يمكن أن نرصده في مصر، ولكن في العالم كله خاصة المتحضر والمتقدم نسبيا في اتخاذ الديمقراطية أسلوبا للحكم، نجد أن الادعاء بالوطنية شيء من الخيال والرومانسية، حيث الادعاء بالحق غير مرتبط بالوطنية أو بغيرها، ولكنه مرتبط بالحقوق والواجبات، وبالقانون والدستور المنظم للحياة في مجتمع ما - سواء كان أوروبيا أو أمريكيا أو آسيويا أو حتي أفريقيا، المهم أن هناك دستورا، وقوانين منبثقة، وقوة تحمي هذا القانون وحكومات تأتي وتذهب طبقا لصناديق الانتخابات التي تفرز حجم القوي السياسية في المجتمع والتي ترتبط بالشعب عن طريق الأداء الاقتصادي والاجتماعي والخدمي والسياسي أيضا، وهذا ما نصبو إليه في مصر، حيث نسعي لتحقيق ذلك - وليس عن طريق الادعاء بالحق الوطني، والوطنية، والفلولية، والانتكاسية وغيرها من تسميات، جاء بها النظام القائم بعد أن توحدت إرادة الشعب في ثورة 25 يناير وبانقضاء الهدف القريب وهو تخلي الرئيس عن منصبه تحت الضغط الشعبي يوم 11 فبراير، إلا وانفكت كل تلك الإرادات، وكل تلك المظاهر المشرفة الموحدة للشعب، وتفرقت تلك القوي باحثة عن دور ربما أكبر من حجمها في بعض الأحيان، وربما أيضا غير حقيقي أن من يمتلك الصوت العالي هو الممثل لقوي الشارع السياسي المصري. كل ذلك سيتفق مع الواقع بعد فرز أصوات المرحلة الثالثة أو انتخابات 2011 البرلمانية التي ستقدم لشعب مصر مستقبلا نرجو أن يكون أفضل! حيث يرتبط البرلمان المقبل بشرط دستوري هو اختيار لجنة تأسيسية لوضع الدستور والاستفتاء عليه من شعب مصر. وربما هذا التفتت الحادث اليوم، من فئات في المجتمع، وانقسام الميادين إلي تحرير وعباسية، الأول يرمز ومثيله في كثير من المدن المصرية إلي قوي ثورة 25 يناير، والآخر «العباسية» يرمز إلي بقاء الحال علي ما هو عليه اليوم - لحين انتقال الحكم إلي السلطة المدنية تحت إشراف القوات المسلحة «الهيئة العليا»، وهذا الأخير لا يمكن توصيفه بالخيانة أو الخروج عن الوطنية، كما يدعي الآخرون، ولكن هؤلاء هم أقرب إلي حزب الكنبة، هؤلاء الباحثون عن الاستقرار وعن الطمأنينة، وهؤلاء هم الأكثر رهبة وخوفا علي مستقبل الوطن القريب، أما المستقبل البعيد فهذا شاغل الفريق الأول - وهم أيضا علي حق - حيث مستقبل الوطن في أشد الاحتياج لتحقيق أهداف الثورة، ولكن للأسف الوسائل بطيئة للغاية، حيث من يقود البلاد اليوم منتمون إلي العهد نفسه إلي نظام قائم مترهل، متخلف إلا قليلا!