لقد حثت الشرائع والرسالات السماوية جميعا على العمران، فما من شريعة إلا وأعلت من قيمة العمل واعتبرته صورة من صور الإصلاح فى الأرض، ودوما كان الكسل يمثل البعد عن الدين، لكن التكلس العقلى حين يقوم بواجبه فى أفكار القائمين على أمور الدين فإنه يُفرز أفكارا تُنهك قيمة العمل وتضعه فى مرتبة متدنية، فتنحدر مراتب الدول وتتخلف، وتهبط فيها العزائم والهمم، لتصبح الهمة إطالة لحية أو تقصير جلباب أو هدم لتمثال أو كنيسة، أو إنقاص لرتبة المرأة وقيمتها، حينئذ يجد الرجل المتطرف قيمته وقد برزت ويشعر بالخيلاء والرضا. وما تجد فقها هذا نوعه إلا واتبعه الأرذلون وأهل المخاط الثقافى والنفوق الفكرى، فيقومون بواجب هدم ما تبقى من تعاليم دينهم بأن يضعوا له أسسا غير كتاب الله، وإن تشدقوا بعظمة كتاب الله، لكنه تشدق قولى، فهم أصحاب سعار السُنّة النبوية التى تنطلق منها شذرات وحمم الخصومات والغلظة، ومن بين طقوسهم رفض الآخر ورأيه، بل يمتنعون عن مجرد عرض الرأى الآخر على فكرهم، ففضلا عن أنهم يرفضونه فهم قد منحوا العقل إجازة، وصار الاغتراف من النقل هو غاية مرادهم مهما كان متضاربا مع كتاب الله وفطرته فى خلقه. ومع هذا الزخم نشأت فرقة الفتاوى الشاذة والمرفوضة، ولأسفى صار زعماؤها هم أهل الأزهر وخاصته، ليكملوا منظومة الخَرَق الفكرى لأمة تداعى عليها الطامعون من كل حدب وصوب، فهذا شيخ أزهرى سلفى يجيز أكل لحم العفاريت ليزكم أنوفنا بما لا طائل منه ويعتبره دينا يقدمه للناس عبر شاشاته السلفية، وذاك يعمل أمينا عاما للجنة العليا للدعوة بالأزهر يحرم زواج شبابنا وشاباتنا من أبناء الفلول، وكأنما يدفعهم دفعا للانحراف، أو لعله تصور الحصول على رضا الثوار عنه بإطلاقه تلك الحمم غير المنضبطة، وآخر يفضحنا دوليا بإفتائه بجواز إرضاع زميلات العمل لزملائهن من الذكور كى ينفع بعدها أن يختلطن فى العمل ويغلقن أبواب المكاتب عليهم، لقد انطلقت تلك الفتوى من أستاذ ورئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين، وها هو رأس الإفتاء بمصر يقول بصحة قبول الزوج الذى لم يلتق بزوجته لأربع سنوات أن يرضى بأن تنسب له ولدا وتزعم بأنه من صلبه بعد أن تلده دون أن يمسها زوجها طوال الأربع أو خمس سنوات، بل يعتبر ذلك شريعة ويطلقها على الهواء عبر التلفاز، فحمل المرأة عنده فى الشريعة التى يؤمن بها يستمر لأربع سنوات وليس لتسعة أشهر فقط. أما عن التداوى ببول الإبل فلهم فيه باع كبير، فهو عندهم إكسير الشفاء لكل عليل وسقيم، ويعتبون على من يعارضهم ويتهمونه بإنكار السنة، فلقد قال به البخارى رحمه الله فى صحيحه، ونصح به هادى الأمة محمد بن عبدالله فيما نسبوه إليه زورا وقالوا حديث صحيح. وطبعا لا ننسي فتوى حُرمة حلق اللحية فهى فتوى مصرية سعودية مشتركة، وتحريم التختم بالذهب رغم أنف صحابة رسول الله الذين تختموا بالذهب، وهذا طبعا لأننا أكثر ورعا من الصحابة رضوان الله عليهم، ألا ترون أن الصحابى عمرو بن العاص فاته أن يهدم كنائس مصر وتماثيل الفراعنة، بينما الأجلاء بوطننا ينادون بالتقوى وضرورة هدم الكنائس والتماثيل أو على الأقل طمسها بالشمع حتى لا يُرى ظاهرها من باطنها. وختان الإناث الذى نسبوه لسُنّة رسول الله، وفضحونا به شرقا وغربا، وأجهدوا شبابنا وشاباتنا على فُرُش الزوجية وهم يقولون بأنه سُنّة وأحظى للرجل وأنضر لوجه المرأة، وما هو فى حقيقته إلا لشقاء الرجل، وللحكم بالإعدام على إحساس المرأة، وفيه دفع للحياة الزوجية لما لا تُحمد عقباه. وشيخ جليل ينتسب للأزهر ترأس الفتاوى الضالة يؤلف كتابا اسمه الفتاوى العصرية اليومية، ويضع فيه فتاواه التى تهبط بالأمة أسفل سافلين، فهو يذكر وجود شيطان للوضوء يسمى الولهان وآخر اسمه خنزب وهو شيطان الصلاة، وذلك حتى يظل المسلم أسير الأوهام والخيالات والعفاريت التى تحيط به من ثقافة مشايخنا الأجلاء الأزهريين والسلفيين. ولا تجد أية فتوى من تلك الفتاوى الشاذة التى ذكرتها وغيرها لا حصر له تنطلق أبدا من قاعدة قرآنية، فكلها تنبع مما يسمونه زورا بالسُنّة النبوية التى افترقت عليها الأمة، وتلك الفتاوى غالبها تنطلق أيضا من قاعدة أزهرية. فهل تخصص الأزهر فى إضلال أبنائه؟، وهل تخصص أبناء الأزهر فى إضلالنا؟، ولماذا لا يستجيب أهل الأزهر لدعوات الإصلاح التى تنطلق كل يوم، وهل لتبنيه واحتضانه لرموز الدعوة السلفية سر دفين، أم هم أبناء عمومة فى الفتاوى الخرافية؟! أخشى ما أخشاه أن يتم التلاعب بنا من خلال ديننا القويم، فلابد علينا من الحذر والانتباه أكثر مما نحن فيه، فلربما سبب ما نحن فيه أننا نتيه خيلاء بما عليه علومنا الدينية غير المتطورة، ولست مشككا لكنى أدعوكم إلى الرشاد فلربما دخلت الدسائس علينا من خلال منظومة فقهية، أو منظومة تراثية، أو إهمال لتدبر كتاب الله. ولابد من إعلاء قيمة العمل ليصبح عمادا للدين، فما أنهك الأمة إلا شعارات ومصطلحات ارتوينا منها بينما تحمل فى طياتها هدما للأمة وتنكيلا بها، ولست أقلل من قيمة الصلاة، فالصلاة كتاب موقوت بينما الصلاح كتاب دائم ومستديم وبه تنهض الأمم وتتلاحم الشعوب، وكفانا تجربة استمرت لأكثر من 1300 سنة لنعلم بأن توجهاتنا فى دين الله ليست هى التى أرادها الله ولا عمد إليها رسوله، علينا أن نبحث عن الأصول القويمة للفقه والشريعة الإسلامية، ولابد أن نعمل جاهدين لوحدة أشطار الشيعة والسنة، ولا يضيرنا أن نبدأ من جديد فعندنا من هم أعظم تأهيلا من الأئمة الأربعة مجتمعين، وذلك حتى نعيد أمجاد خير أمة أُخرجت للناس.