الإقبال الشديد الذي لاحظناه علي مراكز قبول أوراق الترشح لعضوية مجلسي الشعب والشوري ليس له إلا معني واحد وهو أن الشعب المصري ينوي المضي قدما في استثمار فعل الثورة بوعي كبير قد يفوق توقعات أكثر المراقبين تفاؤلا. سمعنا كلاما مثيرا من بعض القوي التي تعترض أساسا علي إجراء الانتخابات النيابية في هذا التوقيت بحجة تدني الأوضاع الأمنية، وربما يقول بعضهم إن الشعب المصري ليس مؤهلا بعد لخوض الانتخابات وإن كان يغلف هذا المفهوم بغلالة من المبررات مثل تسلل الفلول إلي القوائم الحزبية أو استئثارهم بنسبة كبيرة من الترشحات الفردية. في رأيي إن المعني واحد وإن تغيرت التعبيرات، فمحاولة فرض حماية علي الشعب من فلول الحزب الوطني المنحل بمنعهم من الترشح أصلا بموجب إجراءات للعزل السياسي أو ما أشبه، تساوي بالضبط عدم الثقة في قدرة الشعب المصري علي اختيار ما يعتقد أنه الأصلح، كما أن المخاوف من سيطرة عنصر المال السياسي علي سوق الاختيارات يساوي بالضبط عدم إدراك الحجم الهائل من التغيرات التي حدثت في الشارع المصري بعد ثورة 25 يناير. الغريب في الأمر إن التشكيك في قدرة الشعب علي الاختيار يصاحبه افتعال صراع غير مبرر مع المجلس العسكري الذي يتولي إدارة البلاد، وتهجم شديد علي الحكومة الانتقالية بزعم أنهما متواطئان في عدم تسليم السلطة للمدنيين بالسرعة الواجبة. حينما أفكر في هذا الموضوع أشعر بأن سببا خفيا يدفع البعض لمحاولة الاحتفاظ بالفوضي السائدة بنسبة كبيرة في البلد، ولو كنا نعرف السبب لناقشناه وتوصلنا إلي نقاط التقاء تخفف من غضب هؤلاء، ولكن السبب حقيقة مجهول تماما، إلا إذا كانت حالة من الغيظ تنتاب البعض لاتجاه البلاد إلي خروج من الفوضي. السؤال هنا، هل من مصلحة المصريين أن تبقي بلادهم في حالة فوضي؟، وهل يمكن حل مشكلات تراكمت علي مدي عدة عقود في شهور قليلة تتولي الإدارة فيها سلطة مؤقتة وظيفتها الأساسية إدارة مرحلة انتقالية وضمان تسليم السلطة للشعب. الحقيقة إنني في حيرة شديدة.. فمن هم الذين كان من المفروض أن تئول إليهم السلطة لتكون الثورة نجحت وحققت أهدافها؟. من بالضبط من اللاعبين الآن علي الساحة السياسية يستطيع أن يقدم نفسه ويقول أنا كنت الأحق بإدارة الفترة الانتقالية؟ إن مئات الآلاف الذين احتشدوا في ميدان التحرير، والملايين الذين انتشروا في البلاد في كل الأنحاء يطالبون بسقوط الحكم السابق كلهم متساوون في الحقوق ولا فضل لأحدهم علي الآخر، ولم نعرف في النظم السياسية طريقة لإدارة المراحل الانتقالية سوي أن تديرها سلطة منظمة منضبطة تسهل الوصول إلي مرحلة الانتخابات. البديل للسلطة المنضبطة لإدارة المراحل الانتقالية هو تفاقم الصراع بين مجموعات مسلحة أو ميليشيات تفرض نفسها بالقوة علي الشارع وتحاول إجباره علي ما تريد، وبالتأكيد ليس هذا ما يوافق عليه الشعب المصري بأي حال. المطلوب إذن أن نمضي قدما في إنجاح الانتخابات وضمان أن تمثل الشعب تمثيلا صادقا وصحيحا ولدينا قوي الثورة الكامنة في أعماق الناس الآن، هي الضمانة الكبري لعدم انحراف ممثلي الشعب بأهداف الثورة أيا كان هؤلاء. إن الثورة التي نجحت في إقصاء نظام حكم مستبد امتدت جذوره لأكثر من ثلاثين عاما قادرة علي العودة ولكن بحقها. وحق العودة للثورة يرتبط تماما بالمضي في الطريق السليم وهو تمثيل الشعب بانتخابات حرة، فإذا جاء هؤلاء الممثلون بما ترضي عنه الغالبية كان بها ونعمت، وإذا انحرفوا خرجنا جميعا نرفض ونصمم علي طردهم من السلطة. من هذا المنطلق لا يجب أن نخشي الانتخابات، ولا نخشي أن يدير المجلس العسكري المرحلة الانتقالية، ولا أن تتولي حكومة تسيير الأعمال تلك الحقبة الخطرة من تاريخ البلاد، وميزة هذه الحكومة بنظري أنها لا تقبل تحريض فئة من الناس ضد أخري ولا تشجع علي ذلك. نحن لا نخشي فلولا من هنا أو هناك أو ضغوطا من الخارج أو الداخل. فقط لنتحمل بشجاعة تلك الدورة الانتخابية، وليكن بعدها ما يكون.