صحيح أنها بدعة لا تعرفها بلدان العالم.. لكنها اختراع مصري مطلوب.. أن يكون نصف أعضاء البرلمان من العمال والفلاحين.. خصوصاً عندما يعاني المجتمع من الأمية.. ويمتلك خمسة في المائة من سكانه تسعين في المائة من الثروة.. ويعاني ثلاثون في المائة من البطالة.. وسبعون في المائة من الأمراض المستعصية.. ساعتها لن يحتاج البرلمان للفصحاء والميسورين والوجهاء واللواءات والأصحاء وحدهم.. وإنما يحتاج لمن يتحدث بلسان الفقراء والمحتاجين والشغالين بقوت يومهم.. إنجلترا التي اكتشفت الديمقراطية في العصر الحديث.. لا يوجد في مجلس عمومها خمسون في المائة من العمال والفلاحين.. لكن إنجلترا الرأسمالية تعرف نقابات العمال العفية.. التي تستطيع أن تقلب البلد.. والتي تتحكم فعلاً في الأجور والأسعار والضرائب.. نقابات العمال هناك تحافظ علي مستوي معيشة العمال.. ولو ارتفعت الأسعار بنسبة واحد في المائة عن الطبيعي.. تفاوضت النقابة مع صاحب الشغل لرفع المرتب والأجر بنفس النسبة.. ولو زادت الضرائب نصفا في المائة تقوم النقابة برفع أجور أعضائها بنسبة مساوية.. لا حاجة لإنجلترا إذن بوجود ممثلين للعمال داخل مجلس العموم.. لكن مصر تحتاج ذلك.. في ظل نقابات العمال المستأنسة.. وحتي لا تزداد الهوة بين الفقراء والأغنياء.. وإذا كان مجلس الشعب يمثل عموم الشعب.. فلابد له من أن يمثل العمال والفلاحين.. زمان.. قبل ثورة يوليو.. دخل البرلمان عن باب الشعرية عامل أمي اسمه سيد جلال.. كان أفضل من كل باشوات البرلمان.. وقدم لمصر ما لم تقدمه الحكومات المحترفة.. وزمان أيضاً.. وفي مجلس الأمة بعد ثورة يوليو ثم مجلس الشعب بعد انقلاب مايو.. عرفنا نوال عامر وراوية عطية.. ثم عرفنا أحمد طه وسيد رستم وقباري عبدالله وأبو العز الحريري وكمال أحمد والبدري فرغلي.. كانوا فرساناً داخل البرلمان.. لم يفتح الواحد منهم مخه.. لم يقف أمام الباشا الوزير يطلب حسنة أو مصلحة.. كانوا يناقشون ويقدمون طلبات إحاطة واستجوابات ساخنة.. وأحياناً يسقطون الأنظمة.. ولو كنت لا تصدق سعادتك.. راجع ما حدث في البرلمان إبان توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.. ووقوف العمال والفلاحين في المجلس من الاتفاقية.. بما أجبر أنور السادات علي حل البرلمان لاستبعاد المشاغبين وعلي رأسهم العمال المعارضين.. المقصود أن جمال عبدالناصر.. قد انحاز بثورة يوليو إلي الفقراء والمحتاجين ليس من باب العدالة الاجتماعية وحدها.. وإنما لأن العمال والفلاحين هم غالبية الشعب.. ولابد من وجود من يمثلهم ويتحدث باسمهم أمام الحكام داخل البرلمان.. ويشعر بمعاناتهم وأحلامهم ومشاكلهم.. وليس أفضل من العامل والفلاح لكي يتحدث باسم عموم الناس. انشغل جمال عبدالناصر تحديداً.. بتعريف العامل والفلاح.. لم يكن العامل وقتها هو البيه رئيس مجلس الإدارة.. وإنما كان عاملاً بحق وحقيقي.. تخرج من صفوف الطبقة العاملة.. والفلاح لم يكن برتبة لواء.. وإنما كان حائزاً زراعياً لا يمتلك أكثر من خمسة أفدنة ليتكلم باسم الفلاحين. و.. داومت الحقبة الناصرية في مراحلها المختلفة علي تحديد مفهوم العامل والفلاح بدقة.. حتي لا يتسرب إلي مجلس الأمة من لا يتحدث باسمهم.. أما في عهود الفجر والاستهبال.. وقد قررت الدولة بيع القطاع العام بتراب الفلوس.. وإلغاء قوانين الإصلاح والملكية الزراعية.. فقد تساهلت الدولة كثيراً في تعريف العامل والفلاح.. وتهاونت كثيراً في اخر منجزات جمال عبدالناصر.. فإذا برؤساء مجالس إدارات الشركات يمثلون العمال في البرلمان.. وحتي يسهل بيع القطاع العام بمباركتهم ودون اعتراض من أصحاب المصلحة.. وفي نفس العهود.. عهود الفجر والاستهبال.. رأينا لواءات الشرطة والجيش تقتحم البرلمان علي قوة الفلاحين.. ولعلها ليست مصادفة أن يضم مجلس الشعب 2010 بين صفوفه 55 لواء شرطة علي قوائم الفلاحين.. والخيبة أن الرقعة الزراعية قد تحولت بفضلهم إلي أراضٍ للبناء.. والأراضي المستزرعة إلي ملاعب جولف واستراحات وفيلات لمن يدفع الثمن..! رحم الله جمال عبدالناصر.. حبيب الفقراء.. والذي طبق مفهوم العدالة الاجتماعية بحق وحقيقي.. علي عكس ال 37 حزباً بعد ثورة يناير التي رفعت شعار «تغيير حرية عدالة اجتماعية».. لكنها عندما اجتمعت مؤخراً مع رئيس الأركان سامي عنان.. طالبت بالفم المليان بإلغاء نسبة العمال والفلاحين في البرلمان.. وكنا نحسب أن الأحزاب «الثورية» سوف تطالب بتحديد مفهوم العامل والفلاح بشكل حقيقي.. وحتي يسترد الفقراء ممثليهم بالبرلمان.. هي أحزاب «ثورية» لا تضيع وقتها في هذه الأمور.. معظم مؤسسيها والمتحدثين باسمها من أصحاب الصوت العالي ونجوم الفضائيات والإعلام الجديد.. ولا تضم في صفوفها عمالاً وفلاحين بحق وحقيقي!! رحم الله جمال عبدالناصر.. نصير الفقراء.. وحبيب الملايين.