الشريعة المسيحية ليست قوالب صماء أو نصوصا جامدة ولكنها روح وحياة تعايش الواقع المعاش والمتغير لا تقف عند حدود الزمان أو المكان ولا تحارب التطور الطبيعى أو تقف له بالمرصاد والأدلة عديدة ومتنوعة يزخر الكتاب المقدس «جئت لكى تكون لكم حياة أفضل»، «ما جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء بل لاكمل» «أريد رحمة لا ذبيحة» متى الإصحاح التاسع العدد 13 «تعلموا منى لأننى وديع القلب ومتواضع فتجدوا راحة لأنفسكم». وإن كان السيد المسيح قد أفاض فى علة الزنى فحسب ليس إلا لكونها كانت الخطيئة السائدة المنتشرة وقتذاك فلم نسمع مثلا عن زوجة قامت بالإيذاء أو التعدى البدنى على زوجها أو قامت بترك منزل الزوجية لمدد طويلة أو أصابها مرض عضال يستحيل البرء منه أو أصابها الجنون.. أو استحكم النفور والكراهية والفرقة بينها وبين زوجها. البابا شنوده فكل ذلك لم يكن مطروحاً وبالتالى كانت إجابة المعلم على الأسئلة التى كانت توجه إليه وتوكيداً لذلك ما جاء بإنجيل متى الإصحاح الثانى والعشرين العدد 23 حتى 33 والخاص «بموت أحد الأزواج وبقاء زوجته بدون إنجاب فتزوجها أخوه إلى أن تزوجت السبعة وآخر الكل ماتت هى فلمن تكون زوجة فى القيامة». وكانت إجابة يسوع أنه لم يتطرق إلى حرمانية ذلك الزواج وأنه أصلاً لا يجوز وإنما أجاب بروحانيته المعهودة «تضلون إذا لا تعرفون الكتب ولا قوة الله لأنهم لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله» والملاحظ أن إنجيل متى هو الوحيد الذى أفرد الطلاق لعلة الزنى بينما ورد الطلاق عامة فى إنجيل مرقس ولوقا دون ذكر سببه. من حيث إن تلك الخطيئة كانت فى حالة شيوع وانتشار رهيب وكان السيد المسيح يحاول التصدى لتلك الظاهرة ويحاربها بشدة لذيوعها واستفحالها فقال قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. أما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه»، وباستقراء لتلك الخطيئة نجد أنها كانت الخطيئة الأكبر والتى كانت منتشرة فى ربوع اليهودية ونعتقد أن هذا لا يمنع من أسباب أخرى قد تكون أشد وأخطر من تلك الخطيئة لأنه فى هذه الخطيئة من الممكن أن يتسامح أحد طرفى العلاقة الزوجية فتعود الحياة الزوجية بينهما مرة أخرى ولكن هناك أسبابا أخطر من تلك الظاهرة.. إصابة أحد الزوجين بمرض خطير يمثل خطورة على الشخص الآخر كما أن هناك سبباً آخر وهو رفض أحد الزوجين للآخر رفضاً قاطعاً وتهديد حياته بالقتل إذا ما استمرت الحياة الزوجية بينهما وهذا ما كان فى فكر وفى عقل المجلس الملى عندما قام بوضع لائحته فى عام 1938 والتى أفرد فيها لأسباب عديدة ومتنوعة وقوية وجوهرية تمس صميم الحياة الزوجية كعجز أحد الزوجين جنسياً ومرضه مرضا لا شفاء منه أو ترك الزوجة منزل الزوجية لأكثر من أكثر ثلاث سنوات متصلة أو حبس أحد الزوجين لمدة كبيرة أو إصابته بالجنون أو استحكام الفرقة والنفور بينهما إلى حد الكراهية المقيتة وهى كلها أسباب كانت تصادف صحيحا من الواقع والقانون. كيرلس إلا أنه فى غضون عام 2008 فوجئ الشعب المسيحى بصدور تعديل فى هذه اللائحة والتى تحمل رقم 126 فى 2008/6/2 والتى قامت للأسف بإلغاء المواد من 52 إلى 67 و71 و72 من اللائحة القديمة وقصرت الطلاق على علة الزنى فحسب.. والغريب أنها قد توسعت فى تلك العلة إلى حد لا يمكن قبوله منطقا أو عقلا حيث جاءت المادة 50 على سبيل المثال من هذه اللائحة والمسماة بالمعدلة والتى كان من المفترض حسبما سميت بالتعديل بالأفضل وللأفضل وليس بالأسوأ ما يلى:- «ظهور دلائل وأوراق صادرة من أحد الزوجين لشخص غريب». ولم تحدد لنا تلك اللائحة ما هى هذه الدلائل وما هى تلك الأوراق وليس بمقدور أحد الزوجين ارسال أوراق أو خطابات من شخص ما لأحد الزوجين لإثبات تلك الخيانة والعلاقة الآثمة.. ألا يعنى ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام خراب البيوت والأسر والتحايل بأن يرسل أحد الزوجين خطاباً للآخر وتقوم بتلك السورية جريمة الزنى ويقع الطلاق ثم ألا تقع جريمة الزنى فى هذه اللائحة حالة المبيت ألا يمكن أن تقع بدون مبيت حسبما جاء فى نفس المادة الأولى فقرة 1!!. هل لازم وبشرط أن يكون هناك مبيت من أحد الزوجين لوقوع جريمة الزنى..؟ ألا يمكن أن تقع نهاراً والأدهى وجود رجل غريب مع الزوجة فى حالة مريبة.. ولم تحدد لنا هذه اللائحة المعدلة ماهية الحالة المريبة تلك..؟ تحديداً قاطعاً كاشفاً عن مدى وقوع جريمة الزنى من عدمه وهل داخل مسكن الزوجية أم خارجه..؟ وهل ضبطت الزوجة وهى عارية تماماً أم فى حالة شروع..؟ وأخيراً تحريض الزوج لزوجته على ارتكاب الزنى فكان يتعين أن تقرر على ارتكاب الزنى مع الغير لأنه لا يتصور أن تقع جريمة الزنى بين الزوج وزوجته فى علاقة زوجية قائمة.. كما أن هذا النص قد جاء قاصراً فيما هو الحال فى حالة العكس عندما تحرض الزوجة زوجها على الزنى هل يأخذ نفس الحكم أم لا.. لا نعرف..؟ ولم تتعرض له اللائحة أيضاً ثم ممارسة الفجور فى علاقة الزوج بزوجته.. هل اتيان الزوجة من الخلف.. أم ايلاج عضوه الذكرى فى موضع آخر أم هل فى إجبار الزوجة على احتساب الخمر مثلا لم تذكر اللائحة شيئاً من ذلك قط. ولم تذكر لنا اللائحة ما هو موقف الزوج إذا تم حبس الطرف الآخر لمدة طويلة هل يتاح للمضرور طلب التطليق..؟ ثم ما هو موقف أحد طرفى العلاقة الزوجية إذا ترهبن أحد الزوجين.. لم تتعرض اللائحة لأى من هذا أو ذاك على الاطلاق بل الأخطر أنها حددت حالات المنع من الزواج قبل وقوعه وليس بعد وقوعه مثل مرض يمنعه من الاتصال الجنسى والجنون وهو ليس سببا للتطليق وإنما سبب للابطال أى انحلال الزواج وبشرط أن يتم رفع دعوى طلاق مدة ستة أشهر فحسب من وقت علمه..؟ هكذا جاء باللائحة. وباستقرار تلك اللائحة التى من المفترض أنها معدلة أنها جاءت مخيبة للأمال ولم تحقق المنشود منها ولم تضع حلا للمشاكل والخلافات الزوجية الحادة رغم أنها تحمل اسم تعديل بل مزقت أواصر وادمت الأسر المسيحية التى تعانى من مشاكل ولم تعبأ بالآلام والأحزان ومعاناتها وإنما جاءت لتكشف تلك التعديلات عن تعنت سافر وتحد لكل القيم والمبادئ المسيحية وإنما كل ما كان يعنى واضعى تلك التعديلات هو المجد الشخصى. والملاحظ فى تلك اللائحة الرقيمة 126 فى 2008/6/2 نجدها هى والعدم سواء لأنها لم تعرض أولاً على مجلس الشعب لاقرارها لأنه المختص أصلا بإصدار القوانين وتعديلاته وإلغاء القوانين وذلك طبقاً للدستور وبالتالى فإن هذه التعديلات قد ولدت معيبة بل منعدمة تماماً لصدورها من غير الجهة المختصة بإصدارها لكون تلك اللائحة لها قوة القانون وبالتالى يطول هذا العيب والعوار تلك اللائحة. وإن كنا نرى أنه من الأحرى والأجدر بالمسئولية والمهتمين حقاً وفعلاً وليس قولاً أو مجداً شخصياً أن يتم تشكيل أو إنشاء لجنة بكل مطرانية تضم بين جنباتها كاهنا مشهور له بالشفافية والحيدة والموضوعية ورجل قانون وأخصائيا نفسيا واجتماعيا يجتمعون مرة أسبوعياً لسماع تلك الحالات الصارخة من المشاكل وإيجاد الحلول لها وبدلا من التشدد ووضع قيود وأغلال حديدية تؤدى إلى تشريد الأسر واغتيال الاستقرار الأسرى واستمرار الحياة مريرة وجحيما لا يطاق ولا يحتمل وهل من بعد انقضاء أكثر من سبعين عاما على اللائحة القديمة يتم اكتشاف أنها كانت غير متوافقة مع الإنجيل.. ولا تليق بالمسيحية بعد أن عاصرت البابا الروحانى وهو قداسة البابا كيرلس السادس ولا يقوم قداسته بتعديلها إن كانت تستحق أو تستاهل التعديل أو إن كانت متناقضة أو متعارضة مع تعليم الإنجيل وهنا لابد من الرجوع إلى اللائحة القديمة لأن الاعتراف بالحق فضيلة. محام