ستة أعوام تقريباً مضت على ظهور المدونات.. تلك التى امتلأت بالكتابات واختصرت الكثير والكثير من صراخ، ولم يكن لأحد أن يتوقع تراجعها بهذا الشكل الكبير، لكن ربما سحابة الفيس بوك غطت سماء صفحات الإنترنت، فترك المدونون مدوناتهم وهجروها وانتقلوا لعالم الشبكات الاجتماعية التى جذبت الملايين. من الصعب أن نشير لمدونة ما بعينها ونقول إنها أول مدونة.. لكن حسب الوثائق التاريخية المحفوظة على موقع أرشيف الإنترنت فعمرو غريبة» هو أول مدون مصرى عربى أنشأ مدونة وكانت فى البداية باللغة الإنجليزية سنة 2003 بينما احتل أخوه «أحمد غريبة» المرتبة الأولى بمدونته «طى المتصل» كأول مدونة باللغة العربية فى نوفمبر 2003 فهناك أيضاً مدونة «حواديت» لرحاب بسام، والتى بدأتها - كما هو مسجل فى أرشيف المدونة - سنة 2000 باللغة الإنجليزية وتطلب الأمر منها أربع سنوات لتنتقل إلى الكتابة باللغة العربية. «عبدالعزيز مجاهد» صاحب مدونة «استراحة مجاهد».. يقول: إن تأثير المدونات وفعاليتها ينبع من عمليات التشارك التى تنتج بين المدون وقرائه، وهذا التشارك تأثر ربما فى الفترة الأخيرة، بعد ظهور «الفيس بوك» الذى يتسم بسعة الانتشار بينما المدونات تتسم بعض الشىء بالخصوصية حيث يترك المدونون تعليقاتهم لديها وقد يكونون مدونين آخرين، مثل ما يعرف «بحلقة المدونين» والتى أسسها «أحمد حلمى» المدون المصرى الذى كان يعيش فى إنجلترا. عن حلقة المدونين يضيف مجاهد قائلاً: الهدف من الحلقة أن تكون دليلا للمدونات المصرية، سواء تلك المكتوبة باللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو بغير ذلك من اللغات.. وبسرعة تحول الموقع إلى واحة صغيرة تضم بعض المدونات القليلة التى ظهرت فى 2004 و.2005 وأوضح أن القفزة فى تجمعات المدونين كانت مع ظهور مدونة «علاء ومنال» فى 2004 حيث لم يلجأ علاء مؤسس المدونة باستخدام المواقع المجانية إنما استفاد من درايته بالبرمجيات المفتوحة وأنشأ مدونة على حسابه الخاص، والمدونات فى تلك المرحلة لم تكن فى بؤرة الضوء الإعلامى حتى إن كتابها وقراءها كانوا فى الأغلب مجموعة من خريجى الجامعات الذين يتقنون التعامل مع الإنترنت ولديهم وجهات نظر ومواقف سياسية أو ثقافية يسعون لطرحها من خلال المدونات، وهم بقدر من المبالغة نخبة شابة من الطبقة المتوسطة. كما عبرت مدونات «الجيل الأول» كمدونة «الوعى المصرى» لوائل عباس ومدونة «مالكوم إكس» لصاحبها مالك مصطفى.. «مدونة ميت» و«مصر حرة»، و«طق حنك» و«جار القمر» ورغم أن هذه الرؤية تبدو غير موثقة علمياً إلا أنه يمكن العثور على الدلائل المؤكدة لها فى الاستبيان الذى أجراه ميلاد يعقوب عن حركة التدوين سنة .2005 ثم الجيل الثانى من المدونات الذى لم يشعر بالملل على الإطلاق، مثل «جبهة التهييس الشعبية» لنوارة نجم، «وأنا إخوان»، و«تحية نضالية»، و«الصعيدى»، و«سعودى جينز» و«فتح عينيك»، و«مواطن مصرى واخد على قفاه».. وغيرها من مدونات الجيل الثانى. ازدادت المدونات تفاعلا مع إعلان الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى 2005 عن تعديل الدستور للسماح بأكثر من مرشح لمنصب الرئيس، إلا أن هذا الإعلان كان بداية كرة الثلج التى أخذت تكبر بتوالى الأحداث، تلتها انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس الشعب.. ثم احتجاجات القضاة على تزوير الانتخابات، والتى تفاعل معها المدونون بشكل كبير، لذلك حفلت المدونات فى تلك الفترة بالكثير من التعليقات السياسية المعارضة للنظام الحاكم حتى أنها تدرجت فى لهجتها ومستويات خطابها من النقد الموضوعى القائم على التحليل السياسى كما فى تدوينات «طق حنك» وحتى النقد المعارض الذى لا يتورع عن استخدام ألفاظ يراها البعض خارجة وإباحية أحياناً أخرى كما فى تدوينات علاء ومنال وهو الأمر الذى جذب الكثير من القراء الذين تحولوا إلى مدونين مما ساهم فى التوسع فى قاعدة التدوين المصرى. مع تزايد استخدام المدونات لوسائل النشر الأخرى كالصور والفيديو، واكب ذلك ظهور تقنيات جديدة فى التليفونات المحمولة وتمهيد الطريق لظهور فيديوهات التعذيب التى لعبت دورا كبيرا فى تسليط الضوء على قضايا التعذيب داخل أقسام الشرطة كما ظهرت لأول مرة فى مدونة الوعى المصرى. المدونات برغم أنها صنعت زعامات شابة قادت التغيير، إلا أنها سرعان ما هدأت وأصبح «الفيس بوك» هو الأسهل لتوصيل الأفكار والآراء بحرية أكثر خاصة بعد أن زادت شعبيته فى الفترة الأخيرة، حيث لعب دوراً مهماً فى تكوين شبكات اجتماعية صغيرة تجمع ذوى الاهتمامات المشتركة وعلى رأسها الشباب الذين يهتمون بما هو سياسى وما له علاقة بالشأن العام حيث أثبت فاعلية أكبر من بقية تطبيقات الإنترنت فى تنظيم الفعاليات السياسية كالمظاهرات.. والاضطرابات.. كما حدث فى ثورة يناير الدليل أيضاً على موت التدوين، أنه مع نهاية 2008 ظهرت مجموعة من الآراء على المدونات نفسها حول موت التدوين أو التعامل معه بصفته موضة وانتهت برغم أن المدونات مازالت موجودة وكل يوم تظهر تدوينة إلا أنها تحرص على أن تكون على الفيس بوك والتويتر. وبحسب الدراسة التى أجرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان سنة 2010 فإن مصر تحتل المرتبة الأولى فى عدد المدونات بحوالى 600 ألف مدونة تليها المملكة العربية السعودية.. ثم الكويت والمدونات العربية التى تستخدم اللغة الإنجليزية، وتتنوع ما بين مدونات عراقية أو من جنسيات عربية أخرى تليها المدونات التى تستخدم فى الغالب اللغة الفرنسية. وبرغم اعترافات بعض المدونين بموت مدوناتهم أو عدم تحديثها لتعليقاتهم على الفيس بوك، فإن مدونة «جبهة التهييس الشعبية» والتى رفعت شعاراً بأن الحرية لم تخلق إلا لمن يحملون أرواحهم على أكفهم ومدونة «مصر الحرة» والتى رفعت هى الأخرى شعاراً بأن الثورة لن تسرق منها وهنكمل المشوار ومدونة «مالكوم إكس» و«الوعى المصرى» كانت الأكثر تفاعلاً مع يوميات الثورة فى الوقت الذى لم تواكب أحداث الثورة مدونة «مواطن مصرى واخد على قفاه» لصاحبها محمد طاهر ومدونة «ميت» و«شايفينكم». إلا أن المدون وائل عباس رفض التسليم بموت المدونات قائلاً الفيس بوك والتويتر أضافا الكثير للثورة الإليكترونية، ولكنهما لم ينهيا تأثير المدونات التى كانت أحد الأسباب للثورة.. ورغم أننى أبتعد لفترة عن الكتابة على المدونة إلا أننى مازلت أتابع الأحداث وأسجلها على الفيس بوك والتويتر لسرعة انتشارهما. هذا نفس ما أكده لنا محمد جمال صاحب مدونة «جيمى هود» وقال: لا يمكن أن نستغنى عن المدونات، لأن محتوى الفيس بوك مغلق ومرتبط بالعلاقات الشخصية التى بدأت تتزايد فى الفترة الأخيرة، كما أننى استخدمه فقط للترويج لما أكتبه فى المدونة، ولأنها هى الأصل لقدرتها على حفظ المواد المنشورة فيها، بعكس الفيس بوك الذى قد يخسر صاحبه مادته فى حال التحديث المستمر.