هل هى مفاجأة، أن يقرر أصحاب الفضيلة وأصحاب القداسة تقبيل يد العم سام، حيث يلتقى فى البيت الأبيض من لم يلتقيا فى ميدان التحرير، ونقرأ أن المدعو القمص مرقص عزيز يتقدم، ومعه المجنون موريس صادق وآخرون، بطلب لفرض الحماية الدولية على مصر إلى الأممالمتحدة ودولة الفاتيكان والدول الخمس الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن والكونجرس الأمريكى ومراكز اتخاذ القرار فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، بدعوى اضطهاد الأقباط وتعرضهم للإبادة فى مصر. ومن أصحاب القداسة إلى أصحاب الفضيلة، يا قلبى لا تحزن، حيث أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون عن فتح حوار علنى مع جماعة الإخوان، معترفة بكل الحوارات السابقة السرية، وهو ما كانت تنفيه دائما الجماعة «رغم أن الكذب حرام». الكنيسة المصرية العظيمة صمتت عما ذهب إليه مرقص عزيز، رغم أنها علمتنا منذ نعومة أظافرنا، وفى مدارس الأحد أن تقليد الكنيسة الراسخ هو عدم الاستقواء بالخارج. وكان معلمنا يحكى لنا القصة التالية، أن قنصل روسيا القيصرية الأرثوذكسية ذهب إلى أحد البطاركة العظام، وقال له: إن القيصر يريد أن يحمى الأقباط، فرد قداسة البطريرك سائلا القنصل: هل قيصركم يموت؟ فرد القنصل، نعم. فأجاب قداسة البطريرك، نحن فى حماية الله الذى لا يموت. تلك كنيستنا العظيمة، حينما كان سرها الثامن، هو لاهوت الوطن، نعم. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أقدم مؤسسة مصرية عاشت ما يزيد على ألفى عام، بخبرتها التاريخية ومواقفها الوطنية، بدءا من التصدى للصليبيين، وانتهاء بموقف قداسة البابا شنودة «شفاه الله» من التطبيع مع العدو الإسرائيلى. ولكن، يبدو أن فيروس الهرطقات الوطنية يكاد يغزو هذا الجسد المقدس. ليس المطلوب، أن نصمت على ما يتعرض له المواطنون المصريون الأقباط من تمييز وعسف ومشكلات، ولكننا مطالبون بالتصدى لها من داخل الجماعة الوطنية. لم يكن يهمنى من قبل من يقول نحن مصريون وليس عرباً، ولكننى الآن يهمنى الحفاظ على تقليد الكنيسة والسر الثامن لها، وهو وطنيتها، وعدم استقوائها بالخارج. ننتقل إلى أصحاب الفضيلة، جماعة الإخوان فى مصر، هللوا وكبروا، وكادوا يقولون «الله أكبر ولله الحمد»، واعتبروا فخ العم سام لتتويج السيطرة على مصر عبر القوى الدينية هو انتظار لنضال طويل، كى تعدل الإدارة الأمريكية تجاهلها لأخطائهم تجاه الجماعة طوال نصف قرن. ويتسق هذا مع اجتهاد جماعة الإخوان فى تفصيل النموذج التركى، ليتناسب مع الحالة المصرية (جر مصر إلى حلف الناتو تحت شعارات إسلامية). هكذا يبدو للعيان أن أصحاب القداسة وأصحاب الفضيلة قرروا التطبيع والحج إلى البيت الأبيض. هنا الإدارة الأمريكية تحاول أن تكرس الدويلات الدينية فى المنطقة، على غرار دويلة إسرائيل، جنبا إلى جنب مع الجمهورية الإسلامية فى إيران، وجمهورية حزب الله فى لبنان، وأسلمة فلسطين عبر حماس. ومن ثم، تبدو ملامح سايكس بيكو الجديدة لتقسيم المنطقة. ولكننى ما زلت أثق فى شباب الإخوان الذين كسروا قرار قيادة الجماعة، ونزلوا إلى ميدان التحرير فى 25 يناير. وأثق فى شباب الكنيسة واتحاد ماسبيرو الذين تخطوا حاجز الخوف، وذهبوا إلى قلب الميدان، رغم قرارات بعض آباء الكنيسة بعدم الانخراط فى الثورة. وأثق فى وطنية بابا العرب قداسة البابا شنودة، ونيافة الأسقف الوطنى الأنبا موسى، والتيار الوطنى داخل الكنيسة المصرية. أثق فى مصر، التى سوف تهزم كل هؤلاء الطامعين فى اختطاف الثورة، تحت راية «الله أكبر ولله الحمد»، أو «الله محبة»، والله برىء منهما. ربى لا أسألك رد القضاء، بل أسألك اللطف فيه.