استمرت الحال كذلك في العقود الثلاثة التي حكم مصر فيها الرئيس السابق مبارك الذي استخدم في بدايات وأواسط حكمه أداتين للتعامل مع الملف القبطي، الأولي قناة وحلقة اتصال سياسية متمثلة في سكرتيره للمعلومات وقتها الدكتور مصطفي الفقي الذي كان موضوع رسالته العلمية عن الأقباط والذي له علاقات قوية مع مختلف القيادات الكنسية في الكنيسة المصرية، والثانية هي الجهاز الأمني. ومع «الإطاحة» بالفقي من مؤسسة الرئاسة في ظروف غامضة منتصف التسعينيات اختفت القناة والربط السياسي بين الرئاسة والكنيسة واستفرد الجهاز الأمني متمثلا في مباحث أمن الدولة وقتها بالتعامل مع الملف طوال العقد الأخير، فزاد «البون» المجتمعي وتضرر منه النسيج الوطني لأن التعامل الأمني في أي موضوع لا يري أمامه سوي اعتبار واحد تكون له الأولوية وهو الأمن، أيا كانت الوسائل وأيا كانت النتيجة، وظل موضوع اللجوء الديني للأقباط ينظر إليه علي أنه إحدي نوافذ السفر والهجرة لأوروبا وأمريكا وكندا. المسألة طفت علي السطح بقوة مع اللحظة الأولي من العام الحالي ومع حدوث تفجيرات كنيسة القديسين تدفق الأقباط بقوة علي السفارات الأجنبية بالقاهرة وتصاعدت وقتها أصوات الأحزاب اليمينية من أوروبا والتي أرادت إرضاء الرأي العام الداخلي لديها علي حساب مصر وأن تظهر نفسها أنها الحامية لمسيحيي الشرق وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي ساركوزي، فضلا عن لهجة الفاتيكان التي رفضتها مصر واستدعت سحب سفيرها منها قبل إعادته منذ أسابيع. وفي هذه الفترة ظهر علي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» شعار مثير لانتباه أي مراقب كان يعبر عن الغضب المسيحي وقتها من الحادث الإرهابي وهو شعار «أنا مسيحي.. مستغرب ليه»، وكان عبارة عن كف رسم عليه الصليب بلون الدم وكتبت تحته العبارة بلون الدم أيضاً .. ولكن.. تزامن مع ظهوره إنشاء صفحة نشطة علي «الفيس بوك» للتعريف بخطوات اللجوء الديني لكندا! --- السفارات الأجنبية بدورها تنفي بحزم أن يكون مدرجا لديها التعامل في هذا الأمر وأن شروط الحصول علي التأشيرات تكون معلنة ومعروفة للجميع وليس من بينها اللجوء الديني.. ولكن كشفت مصادر دبلوماسية ل«روزاليوسف» في إحدي القنصليات الأوروبية أن هذا الملف يتم التعامل معه بحساسية شديدة، لأنه كثيرا ما يؤدي إلي مصادمات مع الحكومات المصرية المختلفة وبالفعل الغالبية العظمي من السفارات ليس لديها هذا البند كأحد شروط الحصول علي التأشيرة ولكن ما يحدث أنه يتم تحديد موعد المقابلة الشخصية ما بين القنصل والمواطن الراغب في السفر وخلالها قد يبلغ المواطن القنصل أنه يتعرض لاضطهاد ديني أو أشياء من هذا القبيل، ويرسل القنصل مذكرة بهذا الكلام إلي السلطات في دولته مرفقة مع طلب الحصول علي التأشيرة، فإذا وافقت السلطات علي إعطائه التأشيرة لا يكون معني ذلك أنها وافقت علي منحه اللجوء الديني، لأن ذلك له قنوات أخري فهي تبدأ عند قدومه إلي الدولة وتقديمه طلب اللجوء ويتم البت فيه وبحثه وما يتضمنه من أدلة تؤكد حدوث الاضطهاد أو التمييز الديني وقد توافق السلطات وقد ترفض.. أي أن هذا الطريق ليس ممهدا أو مفروشا بالورود كما يتصور البعض - علي حد وصف المصدر - فمثلاً دولة مثل قبرص ورغم قوة الكنيسة الأرثوذكسية بها وعلاقاتها القوية مع الكنيسة المصرية تمنح اللجوء الديني في أضيق الحدود والجهة المختصة في البت في طلبات اللجوء الديني هناك هي «وزارة الداخلية». --- في الولاياتالمتحدة الموضوع بالنسبة لها سياسي من الدرجة الأولي ويعد الملف القبطي برمته ورقة ضغط دائمة تلعب بها كلما اقتضت مصلحتها ذلك في التعامل مع مصر، فمقولة «لا تدع مصر تغرق ولكن لا تجعلها تسبح».. وهي مقولة إنجليزية علي الأرجح أصبحت «تابو» في المنهج الدولي والأمريكي عند التعامل مع مصر وظلت ثابتة إلي يومنا هذا مع أن مصر تغيرت ولم يعد شعبها يجمع «بالميكروفون» ويفرق «بالعصا»، وخرج إلي الشوارع معلنا إرادته بتغيير واقعه وبناء مستقبله كما يريده محدثا ثورته في «25» يناير والتي مازالت الدوائر الحاكمة عالميا سواء الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أو الشقيقة في المنطقة العربية تبدي تجاهها كثيرا من التحفظ علي عكس ما يظهر إعلاميا، فكواليس ما يدور من مباحثات مشتركة مع مختلف الأطراف يكشف أن جميعهم يقدم أحد أقدامه ويؤخر الأخري في مسألة تقديم الدعم ومساعدة الاقتصاد المصري، ومضت أشهر دون أن يعلن أحد عن برنامج مساعدة حقيقي لمصر في أزمتها واكتفوا بالتصوير في ميدان التحرير تعبيرا عن تضامنهم الزائف. وتدرك واشنطن ومن قبلها تل أبيب أن الثوار في مصر أرادوا ثوبا مصريا خالصا لثورتهم وليس ثوبا أمريكيا، هذا الثوب عبرت عنه تصريحات الكثير من المسئولين المصريين منذ قيام الثورة وحتي الآن وفي مقدمتهم وزير الخارجية الدكتور نبيل العربي الذي يعد في حد ذاته بتوجهاته القومية «كابوسا مزعجا» لإسرائيل التي تعيش أياما متوترة لم يعهدها هذا الجيل من الإسرائيليين، وإنجاز مصر للمصالحة الفلسطينية في هذا التوقيت المصري الدقيق علي الرغم من كونه تتويجا للجهد المبذول منذ عام 2008 كما ذكر اللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة في كلمته أمام احتفالية التوقيع علي اتفاق الوفاق الفلسطيني إلا أنه أعطي رسالة إقليمية بالغة الدقة وهي أن مصر ورغم انشغالها الداخلي قادرة علي القيام بدورها، ولكن سواء واشنطن أو تل أبيب فإن كلتيهما تعرف أن ثلاثة أشياء هي عصب الإزعاج لمصر : «أمن الحدود، أمن المياه، الوحدة الوطنية» ولا نبالغ إذا أطلقنا علي هذه العناصر أنها الأضلاع الرئيسية للأمن القومي المصري، لذا كان من المعتاد أن المؤسسات الأمنية المصرية تحكم قبضتها علي الملفات ذات التماس بأي من أضلاع هذا المثلث باعتبارها مسائل تخص الأمن القومي، وبالفعل نجحت الإدارة المصرية بعد الثورة رغم الوضع الاقتصادي الصعب والأداء المجتمعي السلبي في الحفاظ علي سلامة الحدود وأحدثت هدوءاً نسبياً في ملف المياه، وترك الضلع الثالث مكشوفاً دون اهتمام أو صيانة مرتعا للمتشددين، فكونوا ما يكفي من الماء العكر لكي يدخل من يغويهم الصيد فيه، وهذا ليس استسلاما لنظرية المؤامرة لما حدث في «إمبابة» فهناك مسئولية المجتمع الذي يتصدر مشهده المتعصبون وكذلك مسئولية الحكومة.. ولكن قراءة الجانب الآخر من العملة وهي التعاطي الدولي مع ملف الأقباط في مصر وفي داخله مسألة اللجوء الديني لأقباط مصر.. وفي هذا الإطار كشفت المعلومات المتوافرة ل«روزاليوسف» عن قيام السفارة الأمريكيةبالقاهرة التي توقفت عن العمل طيلة شهري فبراير ومارس الماضيين بسبب الأوضاع في مصر بإصدار ثلاثة آلاف تأشيرة سفر لمصريين منذ بداية العام الحالي وحتي الأسبوع الأول من مايو الجاري، والإرهاصات تقول أن غالبيتهم من الأقباط بالقياس علي أن النسبة الكبري في طلبات الحصول علي التأشيرة المقدمة للسفارة من الأقباط، ومنحت التأشيرات بأسباب مختلفة حيث لا تمنح الولاياتالمتحدة اللجوء الديني من القاهرة، ولكن الأمر يستدعي الذهاب إلي أمريكا والحصول علي حكم قضائي بأحقية اللجوء الديني، كما أدي طوفان التسجيل القبطي علي الموقع الإليكتروني للوتارية الأمريكية الخاصة بالانتقاء العشوائي للهجرة في انهيار الموقع قبل أسابيع بما يؤشر بأن عمليات التسجيل كانت تتم بشكل جماعي وربما من جانب الكنائس نفسها، وعلي الرغم من رفض الكنائس الأربع المصرية - الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية والمعمدانية - تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكية لعام 2011 الذي وضع مصر في القائمة السوداء في مجال الحريات الدينية، والذي صدر قبل نهاية الشهر الماضي، وأوصي لأول مرة منذ تأسيس اللجنة، بوضع مصر علي قائمة الدول الأكثر انتهاكاً للحريات الدينية حول العالم، بما يؤشر أيضاً بأسلوب التعاطي الأمريكي مع المستجدات في مصر، إلا أنه وفي الوقت نفسه لم تنف الكنيسة تزايد حالات طلب اللجوء الديني من جانب الأقباط، لسفارات دول الاتحاد الأوروبي وكنداوالولاياتالمتحدة. --- وقال نجيب جبرائيل مستشار البابا شنودة الثالث في رده علي استفسارات «روزاليوسف»: هذا أمر طبيعي لأن الأقباط في هلع وخوف شديد إزاء ما يقوم به التيار السلفي وما يرونه من اعتداء ومن تهديدات ألا يستدعي ذلك طلب اللجوء. ونفي أن تكون الكنيسة لها صلة بالأمر وقال بالعكس خلخلة التركيبة المجتمعية وخروج الأقباط منها يضر بالكنيسة وبالقضية القبطية - علي حد تعبيره - ويضر بتاريخ الكنيسة. أما الأمر اللافت فهو عدم وجود إحصاء داخل مصر بأرقام وأعداد عمليات اللجوء الديني التي تتم سواء داخل وزارة الخارجية المصرية وأيضاً داخل مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالقاهرة إذ يختص هذا المكتب بتسجيل طالبي اللجوء إلي مصر وليس العكس، إلا أن مصادر مطلعة كشفت ل«روزاليوسف» أنه كثيرا ما تتم هذه العمليات عبر طريق ثالث وهو السودان والتي لا تشترط تأشيرة لدخول المصريين إلي أراضيها في إطار اتفاقية الحقوق الأربعة الموقعة بين البلدين، ومن هناك يتم اللجوء إلي السفارة الكندية في الخرطوم، إذ يقول المواطن أنه جاء هارباً من الاضطهاد في مصر ويطلب التوجه إلي كندا ، ولكن لايبت في طلبه إلا عندما يصل إلي الأراضي الكندية.