مناوشات.. هدوء مشوب بالحذر .. تجدد الحرائق لحين إشعار آخر فى ظل أوضاع قابلة للاشتعال طوال الوقت. هذه هى المفردات الحالية للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى الصعيد .. العلاقة تبدو ملتبسة. المسيحيون يشعرون بالخطر بعد أن ارتفعت أصوات بعض التيارات السلفية المتشددة التى لا تعرف الإسلام السمح، بينما المسلمون يشعرون أنهم مطالبون بدفع ثمن أفعال عنيفة لم يرتكبوها وليسوا راضين عنها. فى المنيا مشاجرة بسيطة أشعلت الفتنة من جديد وتسببت فى جرائم قتل فى محافظة لها خصوصيتها لأنها ذات كثافة مسيحية عالية؛ كانت طوال السنوات ماضية أحد أهم مراكز الفتنة الطائفية وتمركز الجماعات الإسلامية المسلحة فيها إبان المواجهة الإرهابية الدامية مع الشرطة والتى استمرت سنوات طويلة . فى قرية «أبو قرقاص البلد» كان مسرح الأحداث هذه المرة .. القرية الأشهر ضمن عدة قرى أخرى بمركز أبو قرقاص أحد مراكز محافظة المنيا الذى يبعد عن عاصمتها ب 20 كيلومترا جنوبا .. لا أحد يستطيع أن يجزم بالضبط بالأسباب الحقيقية التى أدت لاندلاع أحداثها، ولا أحد يعرف إلى أين ستؤدى هذه الحرائق الصغيرة التى اشتعلت .. لكننا نعرف جميعاً أن سيناريو الفتنة الطائفية المعتاد دائما ما يبدأ بمشاجرة صغيرة ما تلبث أن تتطور لتشتعل الأحداث وتتغير الملامح والعلاقات بعدما يصيبها شرر الشائعات .. وقائع أبو قرقاص لم تكن الأولى فى المنيا، لكنها الأحدث والأكثر شهرة الآن لأن أبطالها صعدوا الخلافات إلى حد القتل. بعض الاهالى يرحلون من القرية بدأت الأحداث ظهر يوم الأربعاء الماضى بمطب صناعى لتنتهى بإشعال نيران الفتنة ليلاً.. مشهد البداية كان كالتالى: مواطن يركب سيارة ميكروباص وبجواره زوجته، يمر من شارع ضيق فيصطدم بمطب صناعى أمام منزل فخم، يخرج من سيارته ويبدأ بعدها الشتائم ويشتبك مع 3 أشخاص يتولون حراسة المنزل الذى أقام صاحبه هذا المطب، فيعتدون بالضرب عليه وعلى زوجته. حتى هنا والحكاية عادية تحدث فى أى مكان، وأحيانا يتدخل الجيران للتهدئة وإنقاذ الموقف فيقومون بالواجب كما تقتضى ظروف وثقافة الصعيد.. لكن لأن صاحب المطب مسيحى ولأن من كانوا يستقلون السيارة مسلمون فالحادث وتطور إلى سفك دماء بريئة بدون أى سبب! الشائعات تكون بمثابة حافز ومحرك فى مثل هذه الأحداث، وهذا ما حدث عندما انتشرت شائعات مفادها أن المسلمين يحتشدون فى مسجد الجمعية الشرعية من أجل الاعتداء على المسيحيين فى القرية كنوع من الثأر والانتقام لواقعة الاعتداء على السائق المسلم وتحطيم سيارته الميكروباص وضرب زوجته، خاصة بعد أن أشيع بين الأهالى أن المسيحيين قاموا بتجريدها من ملابسها فى الشارع! افراد الاسرة المسلمة التى حمت بعض الجيران من الاقباط بينما كانت تلك الشائعة التحريضية فى طريقها إلى الجانب المسيحى من القرية كان هناك من يسعى على الجانب الآخر إلى تأليب المسلمين للاعتداء على صاحب المنزل وواضع المطب: المحامى المسيحى مرشح الحزب الوطنى «علاء الدين رشدى» الذى ادعى البعض أنه المحرض الأول وهو المتسبب فى كل ما حدث هو ورجاله لأنه يشعر بأنه أقوى من القانون. قوات الأمن ومعهم السيد مدير أمن المنيا نجحوا فى تهدئة الأمور وتجميع المسلمين أمام مسجد الجمعية الشرعية لتهدئة الأوضاع قبل تفاقمها مرة أخرى. مشهد التجمهر ربما أثار الريبة فى نفس الطرف الثانى ودفع الجانب المسيحى لإطلاق النيران بشكل عشوائى على المتجمهرين أمام الجمعية الشرعية فكانت النتيجة مقتل على عبدالقادر على - 38 سنة - فران - ومعبد على أبوزيد 39 سنة وإصابة 8 آخرين من الجانب المسلم . تجمهر المسلمون أمام المسجد استجابة لمطالب الأمن للتهدئة جعل المسيحيين الطرف الثانى من النزاع يخشون من رد الفعل تجاه تكسير الميكروباص والتعدى على السائق وزوجته بالضرب فبادروا بإطلاق النيران المحامى المسيحى الذى اقام المطب «سيد طلعت» - سائق الميكروباص الذى بدأت معه الأحداث أظهر لنا إصابات متعددة فى جسده نتيجة الضرب، وقال: كنت أقود الميكروباص عندما توقفت أمام المطب اشتبك معى يعقوب وجوزيف الخفير الذى يعمل لدى علاء المحامى وقاموا بضربى ومزقوا عباءة زوجتى .. لم يكتفوا بذلك، بل حطموا الميكروباص الذى أملكه .. بعدها لجأت إلى الجمعية الشرعية لكى أحصل على حقى لكن الجميع نصحونى بعدم الذهاب إلى منزل المحامى كى لا يحدث استفزاز .. بعدها حدث ما حدث. بعد مراسم تشييع جنازة القتيلين، وكرد فعل متأثر بالعصبية الدينية، قام أهالى القرية المسلمون من أقارب الضحايا بحرق4 منازل للأقباط وبعض المحلات وكافتيريا يمتلكها المحامى علاء رشدى والاستيلاء على بعض الممتلكات قبل أن تحضر قوة من الأمن إلى الشارع وتحاصر القرية، الأمر الذى دفع أصحاب المحلات من المسيحيين إلى إغلاق محلاتهم والانتقال من مساكنهم خوفاً من وقوع مصادمات وأحداث عنف بين الجانبين. بينما انتشرت الشائعات والتهديدات المتبادلة فى المدينة والقرية ؛ فرضت القوات المسلحة حظر التجوال فى البلدة من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا اعتبارا من يوم الثلاثاء 19 أبريل، كما كثفت قوات الأمن والقوات المسلحة من وجودها فى المكان بينما تم القبض على عدد من المسيحيين أبناء القرية للتحقيق معهم للوصول إلى ملابسات ما حدث. فى ظل تهديدات تؤكد أن يوم الجمعة سيشهد تصعيدا للأحداث بين الأهالى، خاصة أن بعض القرى المجاورة تنوى التدخل فى الفتنة الحادثة حاليا. علاء الدين رشدى المحامى الذى يتهمه البعض بأنه أحد اسباب الأزمة دافع عن نفسه متهما منافسيه فى الانتخابات بإشعال النيران قبل الانتخابات وأنه الوحيد المطروح على الساحة بقوة قائلا: 9 آلاف مسلم أعطونى أصواتهم فى الانتخابات الماضية، فكيف أخسرهم بسبب مطب صناعى ؟! أنا كنت فى القاهرة يوم الأربعاء ولم أكن فى القرية، والوحيد المستفيد من الفتنة المصطنعة فى «أبوقرقاص البلد» هم منافسىّ فى الانتخابات. الأنبا مكاريوس - الأسقف العام لمطرانية المنيا وأبوقرقاص - عبر عن موقفه تجاه الأحداث الأخيرة قائلا: الانبا مكاريوس الاسقف العام أشعر أن هناك تضاربا فى الروايات، لكن ما يتردد بقوة أنه كان هناك خلافات بين عائلتين من المسلمين أدت إلى قتلى وإصابات بينهما وترددت الشائعات أن الجناة أقباط وهم مجموعة أشخاص مسيحيون يقومون بحراسة رجل مسيحى يدعى «علاء الدين رشدى» وهو محامٍ مشهور مرشح الانتخابات البرلمانية السابقة وله أملاك فى القرية التى يتشارك فيها المسلمون الجوار. وأضاف مكاريوس: أحيانا ما تحدث مناوشات بين المسلمين والمسيحيين بين الحين والآخر خاصة والمنطقة قابلة للاشتعال .. منذ أكثر من 11 عاما كانت هناك حوادث اعتداء تنشب لأسباب مختلفة نتيجة للحياة المشتركة لسنوات طويلة ولأنها بيئة خصبة نظرا للعصبية والقبلية فى الصعيد. رغم إدانته لما حدث واستنكاره لمواقف المتشددين إلا أن أسقف المنيا وأبوقرقاص أكد أن هناك أيضا عناصر إسلامية متعقلة لديها وعى من شيوخ المساجد أدانوا استخدام العنف من قبل المسلمين واعتدائهم على ممتلكات الأقباط وحرق بعض منازلهم أعادوا بعض الأشياء والممتلكات التى تم الاستيلاء عليها مؤكدين أن ما حدث يستوجب اللجوء إلى القانون وليس كما يحدث فى جرائم الثأر ونصحوا المسلمين بعدم الرجوع للقبلية والعصبية أو شريعة الغاب. سائق الميكروباص المسلم «التوتر حدث بعدما توفى ثلاثة من إخوتنا المسلمين وأصيبت مجموعة أخرى منهم فازداد الوضع سوءا فحدث رد عفوى من قبل الأهالى بحرق بعض المنازل والاستيلاء على بعض المواشى» والكلام على لسان الأنبا مكاريوس . نيافة الأنبا ربط ما حدث بحالة البلاد بشكل عام واعتبر أنه يمكن تفسير ذلك فى سياق الأحداث التى يمر بها البلد وعدم استقرار الأمن وفقدان الطاقة النفسية للشرطة فى ظل وجود الأسلحة خاصة بعد الثورة والحاجة للحماية الشخصية والحصول على السلاح من أكثر من طريقة فملاوى وأبوقرقاص مشهورة بتجارة السلاح، مشيرا إلى أن المحافظة التى يتواجد بها 2 مليون مسيحى أعلى كثافة عددية للمسيحيين فيها بعد القاهرة والإسكندرية بها احتقان طائفى صنيعة أمن الدولة الذى كان له دور سيئ فى إشعال الأزمات الطائفية فقد كان يلجأ إلى إثارة أزمة ثم يترك الطرفين لينشغلا بها واستمرت الأوضاع محتقنة حتى الآن لأن الوطن لم يفق من كبوته بعد. يتمنى مكاريوس أن يكون الدين شخصيا للفرد وأن تكون هناك أرضية مشتركة وأن يترفع الجميع عن أهوائهم من أجل مصلحة الوطن. «أنا لست مهموما بموضوع أبوقرقاص، أنا مهموم بما يحدث فى الوطن ككل لأن حادث أبوقرقاص سينتهى حتما». أسقف المنيا وأبو قرقاص قال هذا مؤكدا عدم حدوث أى أضرار بالكنائس هناك قائلا: حاولوا اقتحام كنيسة مرتين وفشلت محاولتهم لأن الأهالى قاموا بحمايتها ولكن بعض الأئمة نصحوا الأهالى بضبط النفس وأن المعتدى عليهم من المسيحيين أبرياء وأن القانون سيقتص من الجناة. وأنهى الأنبا مكاريوس حديثه معنا بأن مصر حاليا تمر بأزمة سببها الخطاب الدينى المتشدد والبعض من السلفيين ليسوا علماء دين ركبوا الموجة ومنهم من أعطى لنفسه حقوقا غريبة كان آخرها إعطاء مهلة لكاهن فى المحافظة على تركها واتهموه بأنه يثير الفتنة. بينما تبادل المسلمون والمسيحيون فى القرية الاتهامات كانت هناك مواقف أخرى توحى بالتفاؤل فى هذا الحادث الأخير تمثلت فى حماية عدد من المسلمين لمنازل الأقباط ومساعدتهم على استعادة ممتلكاتهم فيما صدر بيان من مطرانية المنيا وأبوقرقاص كرد فعل للأحداث أكد أن المصادمات بين الأهالى فى القرية جاءت على خلفية التوتر الذى تشهده المنطقة وحالة عدم الاستقرار التى تمر بها البلاد وإثر تبادل اطلاق النار بين الأهالى، مما أدى إلى إصابة عدد من المسلمين والمسيحيين ووفاة ثلاثة من المسلمين، مشيرا إلى أن الإعلان عن أن الجناة أقباط أدى إلى قيام البعض بالتعدى على ممتلكات الأهالى المسيحيين بالسلب والنهب والحرق فتعرضت ستة منازل للحرق وتسعة محال وكوفى شوب للنهب (اثنان منها يمتلكهما علاء الدين رشدى) والتحطيم وكذلك سرقة عدد كبير من المواشى. ناصر ميخائيل - أحد أبناء القرية - كان منفعلا فى حديثه معنا، ونفى أن يكون للمسيحيين يد فى عمليات القتل التى تمت، واعتبر أن الجناة من خارج البلد كل هدفهم هو إثارة الفوضى ، وقال: لا نملك أسلحة وكان هناك تدبير بحرق الكافتيرات من قبل البلطجية الذين قاموا بسرق المواشى المملوكة للأهالى، لكننا مسالمون. عزيز جميل وافقه الرأى وقال: هناك أشخاص من البلاد المجاورة جاءوا ليشاركوا فى الاعتداء على الأقباط وسرقتهم، وبعض أفراد الأمن وقفوا يشاهدون السرقة وحرق بعض المنازل دون أن يتحركوا! سيارة السائق المسلم بعد تكسيرها سعد زكى كتكوت صاحب محل خردوات قال إن الروح طيبة بين أهل البلد مسلمين ومسيحيين، ودلل على ذلك أن من ساعده وقت المحنة كانوا جيرانه المسلمين، وأضاف: كل الفضل يعود إلى جيرانى المسلمين الذين حموا زوجتى وأولادى عندهم فى بيوتهم فقد قام شعبان محمد محمود وزوجته جيراننا بإدخال زوجتى وابنتى إلى منزلهم كى لا يتعرضوا للخطر من البلطجية الذين هاجموا منازل الأقباط. سيد كردى - مسلم أكد: إن ماحدث أمر طبيعى بسبب الجيرة وبسبب تعاليم الإسلام الحقيقية، وقال: قمنا بحماية إخوتنا المسيحيين فى منزلنا وساعدناهم على إطفاء الحرائق فى منازلهم، لكن المتسببين فى حمام الدم هم من أشعلوا الفتنة، وهم بلطجية وبالتأكيد من خارج البلد. وفى نفس الوقت التقينا بسيدة منتقبة قالت إنها وقفت أمام أحد محلات المسيحيين لحمايته، وقالت للمعتدين لن تدخلوا إلا على جثتى، وإن أحدهم حاول الاعتداء عليها لكن من كانوا معه منعوه كى لا يستفز أهل القرية وتركوا محل المسيحى وانصرفوا. وفى المقابل أكد حسن محمد أن الحادث جاء نتيجة تراكمات قديمة لوقائع مختلفة تحرشات واعتداء من قبل بعض الأقباط الذين يقومون بحماية المحامى علاء رشدى ويحملون أسلحة. قاموا بتكسير سيارة ميكروباص ومزقوا ثياب إحدى السيدات وعندما اجتمع الأمن بالأهالى من المسلمين لتهدئة الأمور للمصالحة بعدما حدث فوجئ المجتمعون بطلقات نيران بشكل عشوائى تنهمر من أعلى منزل المحامى فى وجود مدير الأمن ورئيس المباحث فتوفى على عبد القادر ولديه 7 أطفال ومعبد أبوزيد ولديه طفلتان رغم التزام الأهالى بعد تهدئة مدير الأمن فريد عبد العظيم لهم، والشىء المطمئن هو جهود الأمن المستمرة للمصالحة بين الأهالى من الجانبين وترك الأمر للقانون كى يأخذ كل مخطئ عقابه.