لا بأس من الخروج يوم الجمعة من كل أسبوع إلي ميدان التحرير للتعبير عن الرأي في أحد الموضوعات العامة أو لعرض وجهة نظر في موضوع فئوي، يمكن أن يكون هذا الخروج تقليدا راسخا من تقاليد أرستها ثورة 25 يناير تتيح للمواطنين فرصة التظاهر العلني وإخراج الشحنة المكتومة من الغضب أو الاحتجاج من الصدور. يتطلب إرساء هذا التقليد الاتفاق علي عدة أمور من أهمها ضمان أمن المتظاهرين وعدم تحرش بعضهم بالبعض الآخر، كما يتطلب الأمر امتثال الجميع للقانون بعدم التجمهر لتعطيل مصالح الناس لمجرد أن البعض يريد أن يبيت في الطريق العام. الثورة منذ بدايتها التزمت قبل تصاعد الأمور باختيار يوم الجمعة للاحتجاج، هذا الاختيار نابع من الإحساس بمصلحة الناس والحرص عليها من ناحية، ورغبة في عدم استفزاز الأغلبية الصامتة التي ربما كسبت بعض المكاسب علي صعيد انتزاع الحريات العامة من النظام المستبد السابق، لكنها خسرت الكثير من دخلها بسبب توقف الحياة الاقتصادية، والشلل الذي أصاب قطاع الأعمال بوجه عام. هنا نقول إنه ليست لنا حاجة مطلقا بوضع الناس في اختيار صعب بين اختيار حقوقهم السياسية وبين العودة إلي أعمالهم وكسب رزقهم، لا ضرورة مطلقا لأن نخير الناس، وأقصد الغالبية غير القادرة علي التظاهر والمبيت في الشوارع، بين استرداد حقوقهم السياسية وبين الذعر من الانفلات الأمني الذي أصاب البلاد منذ أحداث الثورة. الشعب المصري يريد استرداد حقوقه السياسية، ويريد في الوقت نفسه أن يشعر بالاستقرار ويعود إلي حياته الطبيعية في ظل نظام جديد يضمن الجانبين معا، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال احترام رغبة الناس في مجملهم والعمل علي تحقيقها بالوسائل المتاحة، وفي الإطار الزمني الضروري. أشعر بالأسي لجماعة القضاة الذين يتصدون لما يسمي جرائم رموز النظام السابق، كيف ينظرون بعين العدل في تلك القضايا وبعض الناس تطاردهم وتطالبهم بإصدار أحكام معينة، وأتساءل: هل يمكن أن ينصلح حال مجتمع يطالب بعدم تطبيق قواعد العدالة؟ كما أجد مثيرا للشك مطالب البعض للمجلس العسكري الحاكم لمدة محددة، أن يتفرغ لحكم البلاد لمدة أطول، وإذا كان ممكنا العودة بسرعة إلي الحكم الشرعي البرلماني فلماذا لا نعود؟! هنا نعود إلي قاعدة مهمة للغاية، وهي قاعدة النظرة الكلية الشاملة للمشهد بكامله وإذا لم يحظ الحاكم بهذه النظرة، فإنه يفقد صلاحيته للإدارة ويتصرف علي نحو خاطئ تماما، ولعل هذا واحد من الأخطاء الجسيمة التي أدت إلي تدهور الأحوال مع النظام السابق وأدي إلي الانفجار الشعبي في 25 يناير، لقد ركز النظام السابق كل جهوده، طوال ما يقرب من 15 سنة، علي قضية خاسرة من اللحظة الأولي وهي قضية التوريث التي شغلت أداة الحكم لدرجة أدت إلي تفشي الفساد بهذه الصورة البشعة، وترك أمور البلاد في أيدي حفنة من المنتفعين خططت لتمرير التوريث واستغرقت في البحث له عن إطار شرعي. لا نريد أن تنزلق البلاد مرة أخري إلي ديكتاتورية جديدة، حتي لو كانت ديكتاتورية بعض من قاموا بالثورة أو بعض من أيدوها وساندوها، وبالتالي لا يمكن قبول منطق ما يمكن تسميته بالعدالة العشوائية غير القائمة علي أساس من القانون الذي يحمينا جميعا من البطش والبلطجة. كل شيء يجب أن يأخذ وقته الطبيعي، التحقيقات يجب أن تتم في حيدة، القضاة لا ينبغي أبدا أن يقعوا تحت تأثير رأي عام غاضب لأن ذلك يثقل ضمائرهم ويدفعهم إلي تأجيل القضايا أو التنحي عن نظرها، كما أن الشارع ملك للمواطنين جميعا لا ينبغي شغله بالاعتصامات التي تحاول ابتزاز الحكومة التي اختارها الميدان وأكسبها شرعيتها ولم تقل بعد كلمتها للشعب.