لا تُحسب الأعمار فى مدرسة (روزاليوسف) ببطاقات الهُويّة بل بامتداد إرث تاريخى من النضال والوطنية.. أجيال تسلم الراية إلى أجيال.. وأعمار تضاف سنواتها إلى أعمار.. لا تخلو من الاتصال.. يمتزج فيها العزيمة والإصرار.. الحرية والسعى إلى الاستقرار.. الجماعية والاستقلال.. الذاتية والإنكار. لذلك عندما تصبح جزءًا من هذا الصرح العظيم (سواء أكنت صحفيًا أم إداريًا أم عاملًا) يقاس عمرك الحقيقى بتاريخ ميلاد أول إصدارات الدار ظهورًا للحياة (مجلة روزاليوسف) ولذلك.. أشعر كما يشعر أبناء الدار جميعًا.. بأننى عشت مئة عام. ففى ذاكرة كل إنسان لحظات تحفر ولا تنسى خاصة حين تكون مرتبطة بالوطن فإن أثرها يتجاوز حدود الزمان والمكان ويتحول إلى نبض دائم فى القلب.. فمنذ أيام احتفلنا بذكرى نصر أكتوبر وهى إحدى أروع المحطات فى تاريخ مصر تمثل رمزًا للعزة والكرامة الوطنية. وأيضًا وقف إطلاق النار فى غزة ودور مصر بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى قائد السلام. حصول مصر على منصب مدير عام منظمة اليونسكو بتولى الدكتور خالد العنانى منصب مدير عام منظمة اليونسكو وهو أول مصرى عربى وثانى إفريقى. ويتزامن مع هذه الأحداث التاريخية العظيمة حدث آخر هو الاحتفال بمرور مئة عام على صدور مجلة روزاليوسف العريقة.. ومؤسستها السيدة فاطمة اليوسف التى سجلت اسمها بحروف من نور فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية حيث حملت منذ صدور عددها الأول لواء التنوير وحب الوطن. ومن أعظم أقدارى وأجملها بأننى شرفت برئاسة مؤسسة روزاليوسف فى عهد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي. فإن دعم فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى للمرأة المصرية وما شهدناه من تمكين للمرأة فى جميع المجالات ولقبت المرأة المصرية فى عهد سيادته بعظيمات مصر هذا اللقب الذى أصبح مصدر قوة للمرأة المصرية فى الجمهورية الجديدة.. إن الاحتفال بمئوية روزاليوسف ليس فقط احتفاء بتاريخها بل هو أيضًا دعوة للنظر إلى المستقبل. لنسأل كيف نحافظ على قيمة الصحافة وكيف نضمن استمرار الرسالة بنفس القوة.. وعندما نتحدث عن فاطمة اليوسف فنحن لا نتحدث فقط عن مؤسسة الدار بل عن امرأة سبقت زمنها، كسرت القيود الاجتماعية وفرضت حضورها فى زمن لم يكن فيه الصوت النسائى مسموعًا اختارت أن تجعل مجلتها ساحة حوار فكرى ونافذة تطل على مستقبل مختلف، امرأة صنعت تجربة صحفية خالدة ويكفى أنها استطاعت أن تخلق من روزاليوسف مدرسة صحفية خرج منها نجوم الصحافة والإعلام ومنها إحسان عبدالقدوس الذى صار أحد أعمدة الأدب والصحافة,وعباس العقاد عمل بالمجلة أيضًا ومصطفى أمين وعلى أمين وأحمد بهاء الدين وغيرهم من عظماء الصحافة المصرية.. ومن أبرز مميزات مجلة روزاليوسف على مدار مئة عام (الكاريكاتير) كأداة تعبير جريئة ولم تتعامل مجلة روزاليوسف على أنه مجرد فن ساخر بل جعلته منبرًا للرأى والتعبير والنقد. وقدمت المجلة عبر تاريخها أهم رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى ومنهم «صاروخان» الذى قدم شخصية «المصرى أفندى» الذى يمثل أشهر شخصيات الكاريكاتير فى الصحافة المصرية وجورج بهجورى. فى عامنا هذا نحتفل بمرور مئة عام على تأسيس مؤسستنا العريقة مئة عام من التميز والتحديات والإنجازات التى شكلت جزءًا أصيلًا من تاريخ مجتمعنا بل كانت شريكًا فى صناعته. عندما أسست المؤسسة فى عام 1925 كانت تحمل رؤية طموحة تهدف إلى نشر الوعى وتغير دور المرأة فى المجتمع المصرى والعربى واليوم ونحن على أعتاب قرن كامل يمكننا القول بثقة أن هذه الرؤية لم تتحقق فقط بل تطورت واتسعت لتشمل آفاقًا جديدة لم تكن فى الحسبان. أما عن تجربتى الشخصية فقط بدأت منذ عام 1999 حينما التحقت بها وأنا ممتلئة بالحماس والتوقعات كنت أبحث عن بيئة تقدر الإنسان وتمنح الفرص ووجدت فى روزاليوسف كل ذلك وأكثر وتقلدت العديد من المناصب. طوال هذه السنوات تعلمت أن العمل لا يقتصر فقط على أداء المهام اليومية بل يشمل بناء علاقات إنسانية وخوض تجارب مهنية تصقل الشخصية وتوسع المدارك.. تعلمت من زملائى وتعلمت من التحديات وتعلمت من النجاحات التى كنا نحتفل بها معًا كما تعلمنا من اللحظات الصعبة التى واجهناها كفريق واحد. ما يميز هذه المؤسسة ليس فقط الصحافة بل القيم التى تعلمنا من جوهرها النزاهة والعمل الجماعى.. التطويرالمستمر والمسئولية الاجتماعية، هذه المبادئ هى البوصلة التى وجهتنا عبر عقود من التغيرات والتحولات. من المحطات التى كان لها بالغ الأثر فى تجربتى هى العمل تحت قيادة المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس مجلس الإدارة الأسبق ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة حاليًا الذى تولى مسئولية المؤسسة فى أصعب الأوقات منذ عام 2012 حتى عام 2020 لقد شكل وجوده فارقًا فى مسيرتى ليس فقط من حيث التوجيه الإدارى والمهنى بل أيضًا على المستوى الإنسانى منذ اللحظة الأولى التى بدأت فيها العمل معه لمسنا جميعًا حرصه على خلق بيئة عمل قائمة على الاحترام والثقة والتحفيز كان يرى فى كل واحد قيمة وفى كل فكرة فرصة وفى كل تحد درسًا يجب أن نتعلمه ونخرج منه أقوى.. ولا يسعنى غير أن أتقدم له بكل الشكر والتقدير ، شكرًا أستاذى العزيز. اليوم ونحن نحتفل بهذا الحدث التاريخى أشعر بفخر لا ينبع فقط من الانتماء إلى مؤسسة بهذا الحجم والتاريخ بل كونى جزءًا من قصة نجاحها وممن أسهموا فى كتابتها ولو بسطر صغير. مئة عام مضت ومئة أخرى إن شاء الله تنتظرنا وعلينا أن نحمل الشعلة بأمانة لنورثها للأجيال القادمة كما ورثناها نحن كى تستمر هذه المؤسسة فى أداء رسالتها وبناء أثرها وصناعة مستقبل أفضل. تحية تقدير وامتنان لكل من مر من هنا ولكل من لا يزال يصنع الفرق وتهنئة من القلب لكل فرد فى عائلة روزاليوسف دعونا نكتب من خلالها فصلًا جديدًا من العطاء والنجاح. لم تكن مسيرة المؤسسة على مدى مئة عام خالية من التحديات بل مررنا بأزمات عصيبة اختبرت صلابتنا كأفراد ومؤسسة. وهنا أشعر بالفخر لأننى كنت شاهدة ومشاركة فى بعض من تلك المحطات المفصلية التى كشفت عن المعدن الحقيقى لفريق العمل وروح المؤسسة تلك الأوقات لم تكن سهلة ولكنها عمقت شعورى بالانتماء وأكدت لى أن العمل فى هذه المؤسسة ليس مجرد وظيفة بل التزام ومسئولية حقيقية تجاه فريق العمل. خروجنا من كل أزمة أقوى مما كنا لم يكن صدفة بل نتيجة تعاون الجميع وهذا يجعلنى أتشرف بأن أكون جزءًا من هذه الملحمة.. وطوال تاريخ مجلة روزاليوسف الذى مضى منه قرن من الزمان كانت ولا تزال وستستمر إحدى أدوات القوى الناعمة للدولة المصرية.. ولا ينسى دورها الوطنى خلال الحقبة السوداء عقب تولى جماعة الإخوان الحكم وحاولوا تكميم كل صوت ينادى بالتنوير إلا أنها خاضت معركة شرسة كان سلاحها فيها «الكلمة». (روزاليوسف إرادة لا تنتهى وستظل مستمرة إحدى أدوات القوى الناعمة للدولة المصرية).