فى مشهد دينى متشابك تتقاطع فيه القضايا الاجتماعية بالتحولات الرقمية والسياسية، أصدر المؤشر العالمى للفتوى (GFI)، التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، العدد 42 من نشرته الشهرية «فتوى تريندز» لشهر أغسطس. وقد قدمت النشرة قراءة تحليلية شاملة لأبرز اتجاهات الفتوى محليًا وعربيًا ودوليًا، كاشفة عن هيمنة المؤسسات الرسمية على المشهد المصرى، وتصدر القضية الفلسطينية والذكاء الاصطناعى قائمة الاهتمامات عالميًا. هيمنة المؤسسات أكدت النشرة أن الفتاوى والآراء الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية فى مصر، وعلى رأسها دار الإفتاء، والأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، هيمنت على 78% من الفتاوى المتداولة، مقابل 22% فقط للأصوات الفردية غير الرسمية. وأرجعت النشرة هذا التفوق إلى قانون تنظيم الفتوى الذى أسهم فى تقليص حضور الفتاوى الفردية داخل الإعلام، بينما بقيت منصات التواصل الاجتماعى المساحة الأوسع لهذه الأصوات. وتصدر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف اهتمامات الفتوى فى مصر خلال أغسطس، حيث أكدت المؤسسات الرسمية مشروعية الاحتفال وشراء الحلوى والصيام فى هذا اليوم، فى مواجهة دعوات التحريم من بعض التيارات المتشددة. كما شغلت القضايا الاجتماعية والأسرية مساحة واسعة من النقاش، ومن أبرزها: «نصف ثروة الزوج عند التعدد»، التى أثارت جدلًا واسعًا. المغالاة فى المهور، والتى وصفتها المؤسسات الدينية بأنها سبب رئيسى فى عزوف الشباب عن الزواج. جواز كتابة الأب أملاكه لبناته لتحقيق العدل ومنع النزاعات. التحذير من «شعارات الفيمينيست المغشوشة» التى تشوه قضايا المرأة الحقيقية. التكنولوجيا والسياسة سلطت النشرة الضوء على تصاعد القضايا المرتبطة بالتكنولوجيا، حيث أكدت دار الإفتاء أن الكسب من أرباح السوشيال ميديا جائز إذا كان المحتوى مشروعًا، وجددت تأكيدها على مشروعية التصوير الفوتوغرافي. وفى المقابل، حذر الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، من خطورة لعبة «روبلكس» على الأطفال، داعيًا الأسر إلى مراقبة ألعاب أبنائهم. وعلى الصعيد السياسى، برزت القضية الفلسطينية بقوة، حيث أكدت دار الإفتاء أن ثبات الفلسطينيين واجب شرعى ووطنى، وأن التهجير القسرى «جريمة كبرى»، وهو ما منح الموقف المصرى الرسمى دعمًا شرعيًا لاقى تفاعلًا واسعًا وتقديرًا شعبيًا. خريطة الفتوى كشفت النشرة أن الفتاوى فى العالم العربى والخليجى تركزت على القضايا الأسرية والمجتمعية بنسبة 31%، مثل الزواج المدنى واستئجار الأرحام والإدمان الرقمى، بينما شكلت القضايا السياسية والإقليمية 26% وعلى رأسها القضية الفلسطينية. واستحوذت القضايا المرتبطة بالتحولات الرقمية والذكاء الاصطناعى على 20% من المشهد. تنوعت التوجهات بين مختلف الدول، فالأردن شدد على تحريم استئجار الأرحام وأطلق حملة «حصّن نفسك» للتحذير من الإدمان الرقمى، وفى سوريا تركز الفتاوى على أزمة السويداء وما صاحبها من مبادرات دينية للحوار الوطني. أما الإمارات فقد عرضت تجربتها فى توظيف الذكاء الاصطناعى، معلنة إصدار 132 ألف فتوى رقمية خلال نصف عام، بالتزامن مع جدل واسع حول عقود الزواج المدنى، بينما تصدرت قطر المشهد بنسبة 32% مع تركيز خطابها الدينى على القضية الفلسطينية والدعوة إلى نصرة غزة. وفى تونس واصل جامع الزيتونة مبادراته المتعلقة بالاحتفال بالمولد النبوى، فيما شهدت السعودية مزيجًا من الفتاوى حول القضايا المحلية والإقليمية. وعلى الصعيد الدولى، رصدت النشرة تصاعد موجات الكراهية ضد المسلمين فى عدة دول، إلى جانب حوادث حرق المصحف واستهداف المساجد. وفى المقابل، برزت الفتاوى كصوت تضامنى عالمى من خلال دعوات للصيام والدعاء دعمًا لغزة، وتحذيرات شرعية تهدف لحماية المجتمعات.
وهكذا تؤكد «فتوى تريندز» أن الفتوى لم تعد مجرد إجابة تقليدية، بل تحولت إلى مرآة تعكس هموم المجتمعات، وأداة للتأثير فى الرأى العام، وصناعة الوعى الجمعى، لتصبح بحق بوصلة دينية وفكرية ترصد اتجاهات العصر وتستشرف مستقبل الخطاب الشرعي. 1