شاطئ واحد وأمواج واحدة تجمع قرى الساحل الشمالى وتجمع أيضًا ضحكات الأطفال وبناؤهم بيوتًا وقلاعًا من الرمال، لكن تبقى الفروق بين المنتجعات الفاخرة والقرى الأقدم كبيرة وعميقة. ولا تقتصر تلك الفروق على التصميمات الحديثة للوحدات والحدائق الواسعة التى تطل عليها ولا الخدمات المتميزة التى توفرها تلك المنتجعات لروادها خلال أشهر الصيف، بل تمتد الفروق وتتسع لتشمل أسلوب الحياة وطرق الاستمتاع بالصيف. فهما مجتمعان مختلفان مثل «إنستجرام» البراق و«فيسبوك» الذى أصبح لا يناسب الجيل الحالى، لكن هذين العالمين، وإن كانا مختلفين، إلا أنهما غير متناقضين فالجميع يذهب إلى الساحل لقضاء إجازته الصيفية هربًا من ضغوط العمل ومتاعب الحياة وشوقًا إلى شاطئ البحر، حيث ذكريات قديمة يستعيدها وذكريات جديدة يصنعها مع الأهل والأصدقاء. السيارات الفارهة إذا أردنا رصد الاختلافات بين عالم المنتجعات الفاخرة وعالم الساحل الشمالى القديم أى القرى الأقدم، فإن أول ما يمكن رصده هو السيارات الفارهة التى يقودها سكان ما يطلق عليه «الساحل الشرير». السيارة الفارهة هنا هى بمثابة بطاقة تعارف وانطباع أولى يدوم وبداية تستطيع أن تبنى عليها لكى تندمج وسط هذا المجتمع، لكن ما يثير فضول الكثيرين ويلفت نظرهم هو أن السيارات فى تلك المنتجعات ليست مجرد سيارات باهظة الثمن، فقد تجد مثلها فى القرى الأقدم أيضًا، لكن السيارات هنا من طرازات نادرة أو غير متوافرة فى السوق المصرية ولا نراها فى شوارع القاهرة أو غيرها من المحافظات، كما أن بعض تلك السيارات من طرازات معروفة، لكن الموديل الموجود فى الساحل لم يتم طرحه فى السوق المصرية أيضًا نظرًا لقلة الطلب عليه وارتفاع ثمنه مثل السيارات الرياضية المميزة التى لا نراه إلا فى الساحل الشمالى. تلفت تلك السيارات بألوانها الجريئة وتصاميمها الفريدة أنظار رواد الساحل من غير المهتمين بالسيارات قبل المهتمين بها، فأنت تمشى فى المنتجعات الفاخرة والطرق المؤدية إليها وكأنك تسير فى معرض سيارات مفتوح. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الهدف ليس دائمًا الاستعراض كما يظن الكثيرون، فمجتمع الأغنياء فى كل دول العالم له طابعه الخاص وذوقه المميز فى السيارات والملابس والطعام إلى غير ذلك. فالسيارات بالنسبة لهم ليست فقط وسيلة للتنقل بل هى وسيلة للاستمتاع ولذلك فالسيارات التى نراها فى الساحل تبقى فى الساحل أو على الأقل لا تستخدم فى القاهرة بل تبقى حبيسة الجراج حتى تأتى شهور الصيف فتنطلق مع صاحبها وسط الساحل حيث المكان المناسب لقيادتها. أما فى القرى الأقدم فلا توجد سيارات متميزة ولا ترى موديلات سيارات مبهرة وإن كان هناك بالطبع سيارات باهظة الثمن لكنها سيارات مثل تلك التى تسير فى شوارع القاهرة، فالأسر فى «الساحل الطيب» تستخدم السيارة فى القاهرة والساحل ولا تفكر فى شراء سيارة للمصيف بل هو أمر أحيانًا يثير السخرية بالنسبة لهم لأنه بعيد عن إمكاناتهم المادية وطبيعة حياتهم وأولوياتهم. الموضة والبراندات ليس هناك مجال لارتداء ملابس عادية أو مايوه متواضع..فالماركات العالمية تحكم شواطئ «الساحل الشرير».فمن النظارة الشمسية و «المايوه» إلى الحقيبة والمنشفة أو «فوطة البحر» كلها من ماركات عالمية وتساير أحدث التصاميم والموضة. والتجهيز للإجازة الصيفية أو ما يعرف ب «التجهيز للساحل» يشمل عملية التسوق التى تسبق السفر وهى بالمناسبة جزء من متعة السفر بالنسبة لمجتمع «المنتجعات الفاخرة وإن كان الشباب والمراهقون خلال السنوات الأخيرة بدأوا يهتمون بالماركات المحلية الجديدة التى تحاكى الماركات العالمية فى الخامات والتصميمات ولذلك يقبل عليها الشباب بعد أن أصبح ارتداء الماركات المحلية «موضة» وسط المراهقين والشباب.وهى نقطة قد تجمع بين الساحل الطيب والشرير، حيث يرتدى الشباب ملابس من نفس الماركات المحلية.ومن بين تلك الماركات المفترض أنها محلية أطقم البحر من «هادية غالب» وهى مايوهات مصممة للمحجبات فى الأساس، لكنها صارت موضة للجميع حتى غير المحجبات خاصًة أن أسعارها تضاهى أسعار الماركات العالمية أو ربما تفوقها وبالتالى فهى مناسبة للمنتجعات الفاخرة وتليق بالمستوى المادى لسكانها. لكن فى الساحل الطيب لا تزال الراحة مقدمة على البراند ولا يعنى ذلك الإهمال فى المظهر بل فقط عدم التمسك بفكر البراند فى كل قطعة ملابس. ستجد ماركات فى «الساحل الطيب» لكنها ماركات بنفس «طيبة» المكان وساكنيه أى أنها ماركات غالية نسبيًا لكنها ليست نفس الماركات الموجودة فى الساحل الشرير. الطعام على البحر تتميز شواطئ المنتجعات الفاخرة بوجود أشهر المطاعم والكافيهات لتوفير كل ما يحتاجه رواد تلك الشواطئ من مأكولات متنوعة ومشروبات باردة وساخنة. الجميع هنا يأكل على الشاطئ ولا توجد سندويتشات فى حقيبة البحر وإن وجد فإنها تكون حافظة طعام كبيرة بها مشروبات مثلجة للجميع. لكن الطعام لا يأتى من الشاليه بل من المطاعم التى توفر جميع الأذواق من السوشى والبيتزا إلى السندويتشات والسلطات بأنواعها المختلفة. والمشروبات هنا ليست مجرد عصائر أو مشروبات غازية بل «فرابيه» و«أيس لاتيه» و «بوبا» و «ماتشا» وهى أنواع المشروبات التى يقبل عليها الشباب حاليًأ.وأسعار تلك المطاعم لا علاقة لها بأسعار القاهرة أو غيرها فهى أسعار تفوق الأسعار السياحية وتثير السخرية أحيانًا والانتقاد فى أحيان أخرى إذ أن سكان المنتجعات الفاخرة أنفسهم كثيرًا ما ينتقدون فى فيديوهات على تيك توك و«إنستجرام» الأسعار المبالغ فيها فى الساحل. أما فى القرى الأقدم، فالأسعار مرتفعة، لكن بدرجة أقل كثيرًا من المنتجعات الفاخرة وسكان تلك القرى لا يزالون يعتمدون بشكل أساسى على الأكل فى الشاليه وليس فى المطاعم أو على الأقل ليس بشكل يومى. استقبال الأهل والأصدقاء تسمح معظم القرى القديمة نسبيًا فى الساحل الشمالى للملاك باستقبال الضيوف من أقارب وأصدقاء والذهاب معهم إلى الشاطئ والاستمتاع بشكل طبيعى، لكن فى المنتجعات الفاخرة والتى يسكنها الكثير من المشاهير فى جميع المجالات لا يُسمح بدخول أى ضيوف مهما كانت درجة قرابتهم إلا بتصريح خاص وكل مالك لديه عدد محدد من التصاريح لدخول المكان ودخول الشاطئ. وقد خصصت بعض المنتجعات أماكن خاصة للضيوف مثلما خصصت أماكن أخرى من الشاطئ للخادمات. وفى النهاية، يبقى الساحل الشمالى لوحة متباينة الألوان تضم الجميع رغم اختلافاتهم فالبحر نفسه والرمال نفسها والموجة التى تلامس أقدامك هنا هى نفسها التى تلامس أقدام الآخرين فى مكان آخر على نفس الشاطئ.