نشأت جماعة الإخوان عام 1928، وفي هذا الوقت لم تكن دولة إسرائيل قد قامت بعد، ولم تضع الجماعة فلسطين مطلقا في مجمل أهدافها، لكن حين بدأت الحرب بين الفلسطينيين وعصابات اليهود مثل (الهاجاناه) بدأت الجماعة تفكّر في الاستفادة من هذه القضية الشعبية، يقول محمود عبد الحليم في كتابه (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ): «إنّ النقود التي كنّا نجمعها لفلسطين من المساجد والمقاهي والبارات، لم يكن القصد من جمعها إعانة إخواننا المجاهدين الفلسطينيين فهم كانوا من هذه الناحية في غير حاجة إليها؛ لأنّ أغنياء أهل فلسطين من التجار كانوا وراءهم، وقد حضر السيد أمين الحسيني في بعض زياراته للمركز العام للجماعة، ومعه بعض هؤلاء التجار، وعرّفنا بهم». وظلت هذه استراتيجية الجماعة وهي: الاستفادة من القضية بأكبر قدر ممكن، حتى جاءت حرب 48، وحشدت الجماعة للقتال، وكان كلّ ما تمكّنت من جمعه من المتطوعين من الإخوان ومن مؤيّديهم، (229) عنصرا، بحسب إحصاءات جامعة الدول العربية، وكانوا تحت قيادة أحمد عبدالعزيز، ثم وصلوا إلى 798 عضوا، رغم أن الجناح السري بقيادة عبد الرحمن السندي، كان عدده بالآلاف، يقول كامل الشريف في كتابه «الإخوان المسلمون في حرب فلسطين»: «كانت أول معركة يشترك فيها الإخوان «كفار ديروم»، وهي وإن كانت صغيرة الحجم إلا أنّها كانت محصنة، فظنوا (أي الإخوان) أنّ في مقدورهم مهاجمتها واحتلالها رغم قلة الأسلحة التي بين أيديهم، وكانت إشارة البدء في صباح 14 (أبريل) 1948، ففشلت المحاولة الأولى ومضى الإخوان يحملون قتلاهم وجرحاهم، وكان عددهم يربو على العشرين، وانتهت المعركة بصورة مؤسفة، خرج الإخوان من هذه المعركة بنتيجة واحدة، فهموها وظلوا يعملون على أساسها طوال الفترة التي قضوها في فلسطين، أنّ مهاجمة المستعمرات اليهودية بهذا النقص الواضح في الأسلحة والمعدات هو انتحار محقق، وفهموا أنّهم لن ينجحوا إلا في حرب العصابات، دون التعرض للمستعمرات». ما يجب الإشارة إليه أن المنظمة الصهيونية في هذه الفترة كانت تسعى لتهجير الأقليات اليهودية من العالم العربي إلى فلسطين، وساهمت الجماعة في هذه العملية باليمن، إذ إن الإمام يحيى بن حميد، حامي اليمن بهذا الوقت منع الطائفة اليهودية التي كانت تقدر ب55 ألف يهودي، لكن الإخوان قاموا باغتياله، في (فبراير) 1948! تحت مزاعم الثورة. ظلت الجماعة فيما بعد نشأة إسرائيل تتاجر بالقضية، وترفع شعار الجهاد «على القدس رايحين شهداء بالملايين»، حيث تجمع الملايين من النقابات، والمعارض، والرحلات، ومن اللقاءات الدينية، ثم تستخدمها في نشاطاتها الدعوية والاقتصادية. ويستخدم الإخوان القضية أيضا في استقطاب الشعوب ناحية التنظيم، وتجنيد أعضاء جدد، رغم أن أولوياتها هو الوصول للحكم وليس تحرير الأرض، وهذا ما كانوا يقولونه في الغرف المغلقة، وفي اجتماعاتهم مع الأوربيين والاستخبارات الأمريكية والبريطانية، وهذا أيضا ما كشفه الرئيس الفلسطيني أبو مازن في حديثه عن الجماعة خلال تولى الحكم في مصر، إن الرئيس المعزول محمد مرسي عرض عليهم الحصول على قطعة من سيناء وهم رفضوا، مشيرًا إلى أن هذا مشروع إسرائيلي أطلق عليه اسم «جيورا آيلاند» بهدف تصفية القضية الفلسطينية تماما، وكانت المفاجأة أن مرسى قال له: «وإنت مالك إنت هتاخد أرض وتوسع غزة». وتكشف وثيقة عرضها القيادي في الجماعة، عصام تليمة، السر وراء تأسيس حركة حماس، وأن ذلك جاء من مجموعة إخوانية اعتراضا على موقف الجماعة من الجهاد في فلسطين، والقرار الذي صدر بمنع اشتراك أي عضو في الجماعة في أي عمل مسلح ضد إسرائيل، وهو قرار صدر في سنة 1968م. من بنود الوثيقة الكاشفة ما ورد حول القول (بأن الجهاد فريضة إسلامية واجبة علينا) فهو قول صحيح وسليم، لكنه لا يؤخذ على إطلاقه، إذ إنه يمكن أن تنشب حرب شاملة بيننا وبين عدونا لرده عن بلادنا ولتحطيم قوته وإبادتها، وأما ثاني الأمرين، فهو أن العدو قد تغلب على جيوشنا واحتل جزءًا من بلادنا، كما هو واقع فلسطين الآن، فإذا خرجت الجيوش الرسمية من المعركة، والتفت الناس إلى جماعتنا يطالبونها بتحرير الجزء المغتصب متحملين عبء المعركة وحدنا، فإن الأمر في هذه الحالة يحتاج إلى دراسة وبحث موضوعي للقضية من جميع جوانبها، فلا بد أن نحدد ما المطلوب منا أن نعمله؟ وما هي طبيعة الميدان الذي سنتحرك فيه؟ وما هي طبيعة العدو الذي نواجهه؟ وهل نملك من الإمكانات ما يحقق الهدف من أعمالنا؟ ثم ما هي النتائج العكسية التي قد يجرها هذا العمل؟ وورد بالوثيقة أسباب اتخاذ الإخوان لقرار عدم حمل السلاح ضد إسرائيل، في الوقت الذي يطالبون فيه الأنظمة بالمواجهة واقتحام الحدود، وهي: إن طبيعة عدونا تختلف عن طبيعة الاستعمار الذي عرفناه في أي قطر من أقطارنا فهو ليس جيش احتلال فقط بل يتم مساعدته من الدول الكبرى في العالم على اختلاف مذاهبها، والعمليات التخريبية المحدودة ضده لن تجعله يرحل عن بلادنا، وثانيًا، إن عدونا في فلسطين لا يخشى الرأي العام العالمي، ولا يشعر بالمسؤولية الدولية، ذلك لأنه تمكن بعد جهد دائب على مر السنين من جعل الرأي العام العالمي أداة طيعة في يده، يوفر له الحماية والتأييد بدلًا من الوقوف في وجه مطامعه، وثالثا، إن الدول العربية المحيطة بإسرائيل دول ضعيفة ولا تستطيع الصمود أمام العدو لأكثر من ساعات محدودة، وهذا أمر معروف للجميع، والعمل المتسرع يعطي العدو مبررات اجتياح أراض جديدة، وإن الذين يطالبوننا بالعمل المسلح الآن يريدون منا أن نستنفد قوتنا داخل فلسطين. وظلت الجماعة بعيدة عن المواجهة مع إسرائيل، مما حدا بظهور حماس كحركة منبثقة عنها، لكنها داخل الدول العربية كانت ترفع شعارات أخرى، تجند من خلالها الأتباع تحت مزاعم تحرير المسجد الأقصى وفلسطين، وهذا ما رأيناه هذه الأيام من استغلال أحداث قطاع غزة، وإطلاق حملة استهدفت تشويه الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية، عبر سردية ملخصها أن مصر ساهمت في الحصار المفروض، من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح. ورغم عدم منطقية هذه الاتهامات الواهية، التي تتناقض كليًّا مع الموقف والمصالح والجهود المبذولة، وفق بيان الخارجية المصرية، التي أكدت إدراكها التام لوقوف بعض التنظيمات وراء هذه الحملات، التي تهدف إلى زرع الفتنة بين الشعوب العربية، وصرف انتباه الرأي العام عن السبب الحقيقي للكارثة الإنسانية التي يعاني منها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، رأينا جماعة الإخوان داخل فلسطين عن طريق ما يسمى (اتحاد الدعاة) وهو هيئة تابعة للجماعة، تعقد مؤتمرا وتدعو لحصار السفارة المصرية، ولم تفكر في حصار الكنيست أو مجلس الوزراء الإسرائيلي، وهو المسؤول الرئيسي عما يجري. إن فلسطينوغزة ما هي إلا عنوان، يمكن أن يدفع إلى خلق شرارة تساهم في تفجير الأوضاع، مما يسهّل عملية إسقاط دول مثل مصر، وعودة الجماعة من جديد للسلطة. 1