لا تزال مرحلة الثانوية العامة محطة مصيرية فى حياة الطلاب، إلا أن ارتفاع معدلات الرسوب هذا العام يثير تساؤلات ملحة حول أسبابه، فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتطوير المناهج وتحديث نظم التقييم، لا يزال عدد كبير من الطلاب عاجزًا عن اجتياز هذه المرحلة بنجاح. تتعدد الأسباب ما بين مشكلات فى البنية التحتية التعليمية، ونقص الدعم النفسى والتربوى، وضعف التفاعل مع النظام الجديد الذى يعتمد على الفهم بدلًا من الحفظ والتلقين.
كما تلعب الفروق الجغرافية والاجتماعية دورًا كبيرًا فى تعميق الفجوة بين فئات الطلاب المختلفة، مما يجعل من الضرورى الوقوف على الأسباب الجوهرية لرسوب هذا العدد الكبير من الطلاب، بهدف إصلاح الخلل وضمان تكافؤ الفرص فى التعليم العام القادم. ووفقا لما أعلنته وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى عن حالات الرسوب هذا العام فبلغ 154,545 طالبًا وطالبة من أصل 728,892 ممن حضروا امتحانات الدور الأول، أى أن ما يقارب %21.2 من الطلاب لم يتمكنوا من عبور هذه المرحلة المصيرية. ورغم اعتماد النظام الجديد للتعليم، والذى يُفترض أنه يعتمد على الفهم وليس الحفظ، إلا أن الأرقام لا تزال تعكس وجود فجوة كبيرة بين أهداف الوزارة وواقع الطلاب. «روزاليوسف « استطلعت آراء عدد من خبراء المناهج والتربية للوقوف على الأسباب الكامنة وراء هذه النسبة المرتفعة من الرسوب هذا العام. أجمع أغلب الخبراء على أن عملية التحول إلى نظام قائم على الفهم تحتاج إلى وقت أطول، إلى جانب تأهيل شامل للمعلمين والطلاب على حد سواء. وأشاروا إلى أن غياب التدريب الكافى، وضعف البنية التكنولوجية فى بعض المدارس، إضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية التى يعانى منها كثير من الطلاب، كانت من بين العوامل الأساسية التى أسهمت فى هذا الإخفاق الجماعي الاستعداد النفسى والتربوي يؤكد د. كمال مغيث، الخبير التربوى، أن التحول المفاجئ من نظام التلقين إلى نظام التقييم القائم على الفهم لم يصاحبه تدريب كافٍ للمعلمين والطلاب، ما أدى إلى ارتباك عام انعكس على نتائج الطلاب، خاصة فى الشُعب الأدبية. وقال إن مع بداية تطبيق نظام الثانوية العامة الجديد ستزداد أعداد الراسبين، لأن اعتبار التقييم على أساس ال 3 سنوات بالثانوية العامة ليس كافيًا، وهذا النظام سيضاعف من أعباء الأسرة المصرية كونه مبنيًا على 3 سنوات كاملة، مشددًا على ضرورة تغيير طريقة وآليات الامتحان حتى لا يعتمد على حفظ المعلومات، وإنما يقيس مدى قدرة الطالب على الإبداع والنقد والتحليل والتركيب والمقارنة. وتابع أنه لا يوجد نظام تعليمى فى العالم يفصل بين الخبرة التعليمية السابقة على الجامعة، والتعليم الجامعى تمامًا، متسائلًا كيف نضمن أن تكون لدينا امتحانات جامعية لها ثبات ومصداقية وتجرد وموضوعية بعيدًا عن الهوى الشخصي؟ ولفت إلى أن التعليم فى العالم أجمع نسق متكامل بدءًا من الحضانة وحتى التعليم الجامعى، ولابد أن يكون النظام المتبع بالثانوية العامة يطبق منذ الحضانة. بينما يرى د.محمد خليل الخبير التربوى، إن كل طالب تورط بالغش أو التصوير أو ضُبط بحوزته وسيلة غش، من الطبيعى أن يكون راسبًا، ونظام الثانوية العامة الجديد الذى سيتم تطبيقه يعتمد مع نظم التعليم العالمية التى تركز على الكيف لا الكم فى عمليات التعلم.علاوة على أن الطلاب تعودوا على الحفظ والتلقين بدلًا من الاستيعاب. واستطرد قائلًا إنه رغم الحديث عن تطوير المناهج، لا تزال بعض المواد تحتوى على كمٍّ كبير من المحتوى غير الضرورى، ولا يتناسب مع عدد الحصص المتاحة، ما يدفع الطلاب للحفظ السطحى بدلًا من الفهم العميق، ويصعّب عليهم التعامل مع الأسئلة التطبيقية. الفجوة الرقمية وتشير د. رانيا حسين، خبيرة تطوير المناهج، إلى أن الكثير من طلاب القرى والمناطق النائية واجهوا صعوبة فى الوصول إلى مصادر التعلم الإلكترونية التى يعتمد عليها النظام الجديد، مما أسهم فى زيادة معدلات الرسوب. نهاية الطريق ويرى د.حسن شحاتة، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، أن رسوب الطالب لا يعنى نهاية الطريق، بل قد يكون فرصة لإعادة التقييم وتصحيح المسار، مع ضرورة ألا يُشعر ولى الأمر ابنه بالذنب أو الفشل. وأوضح أن الأزمة ليست فى النتيجة، بل فى طريقة التعامل معها، والطالب يحتاج فى هذه اللحظة للدعم النفسى قبل أى شيء، وهناك عدة خطوات تربوية لأولياء الأمور عند رسوب الطالب، منها التزام الهدوء وعدم الانفعال، لأن عصبية الأهل وردود الفعل القاسية لن تفيد، بل تزيد من شعور الطالب بالإحباط، ويجب أن يكون رد الفعل الأول هو التقبل والاحتواء، مع الحديث مع الابن بهدوء: اسأل ابنك عن أسباب تقصيره، هل كان يعانى من مشاكل نفسية؟ هل واجه صعوبات فى الفهم؟ الاستماع له مهم. وأخيرًا إعادة التقييم ووضع خطة للنجاح، بعد معرفة الأسباب، يمكن وضع خطة بديلة للدراسة، أو التفكير فى مسارات أخرى مناسبة لقدرات الطالب، سواء من خلال إعادة العام الدراسى أو التقديم لمسار تعليمى مختلف فضلا عن تجنب المقارنة، لأن مقارنة الطالب بزملائه الناجحين تؤثر سلبًا على ثقته بنفسه، ويجب التركيز على نقاط قوته وتشجيعه مع الاستعانة بمختص نفسى أو تربوى إن لزم الأمر: وقد يحتاج الطالب إلى دعم نفسى لمساعدته فى تجاوز الأزمة وبناء ثقته بنفسه من جديد. ملاءمة الأسئلة لمستوى الطلاب فى السياق ذاته، يؤكد بعض الموجهين أن الامتحانات جاءت فى مستوى الطالب «فوق المتوسط» بشكل عام، ما وضع عبئًا إضافيًا على من لم يحصلوا على دعم تدريسى كافٍ، خصوصًا فى مواد الفيزياء والرياضيات والعلوم. كما أن الطلاب يتعاملون مع نظام الامتحانات الحديث كأنه «لغز»، فهم لا يعرفون كيف يُقيَّمون بدقة، ولا ما المطلوب منهم بالتحديد، وغياب الشفافية فى نماذج الأسئلة وتنوعها يُربك الكثير منهم. الإرهاق النفسى وغياب التوجيه وتؤكد إخصائية التربية النفسية د. سحر فؤاد، أن نسبة كبيرة من الطلاب واجهت ضغوطًا نفسية شديدة فى ظل غياب التوجيه النفسى الفعّال فى المدارس، ما أدى إلى تراجع الأداء فى الامتحانات النهائية. وأضافت: إن الأسرة المصرية غالبًا ما تركز على التحصيل دون الاهتمام بالصحة النفسية أو بناء المهارات الذاتية للطالب، ما يؤدى إلى ضغط نفسى هائل ينعكس على أداء الطالب، خصوصًا مع امتحانات تعتمد على التفكير والتحليل غياب ثقافة التقييم المستمر. بينما يقول د. محمد عبد الرحيم، أستاذ القياس والتقويم التربوى بجامعة عين شمس إنه لا تزال ثقافة التقييم مرتبطة فقط بالامتحان النهائى، فى حين أن النظام الحديث يعتمد على تراكم الفهم والمهارات طوال العام. عدم تفعيل التقييم المستمر بشكل حقيقى أفقد الطلاب فرصة تحسين مستواهم تدريجيًا. الاعتماد على الدروس الخصوصية وتشير د. منى عبد العزيز، الخبيرة التربوية والمستشارة السابقة فى مركز تطوير المناهج، إلى أن نسبة كبيرة من الطلاب لم تعد تعتمد على المدرسة كمصدر للتعلم، وبدلًا من ذلك تلجأ إلى الدروس الخصوصية، التى تركز غالبًا على الحلول والنماذج وليس على بناء الفهم، مما أضر بقدرتهم على التعامل مع نمط الأسئلة الجديدة. وتضيف: إن هناك تفاوتًا كبيرًا فى كفاءة المعلمين بين المدارس الحكومية والخاصة، وبين الحضر والريف، والوزارة لم تقدم تدريبًا كافيًا على النظام الجديد، فكيف نطالب الطلاب بالتكيف فى ظل غياب إعداد مناسب للمعلمين؟. تؤكد هذه الآراء أن أسباب الرسوب ليست مسؤولية الطالب وحده، بل نتيجة تراكمات فى سياسات التعليم، ضعف البنية التحتية، نقص التوجيه، وتفاوت الفرص التعليمية. الحل لا يكون فقط فى تعديل الامتحانات، بل فى إصلاح شامل لمنظومة التعليم من المعلم إلى الطالب، مرورًا بالمناهج والبيئة التعليمية والدعم النفسى والأسري.