مع استمرار العدوان والحصار على غزة، والعدوان المستمر الذى يفتك بالأبرياء، أصدر الأزهر الشريف بيانًا أدان فيه الاعتداءات الإسرائيلية ودعا لنصرة الشعب الفلسطينى، مؤكدًا أن كل من يمد "الكيان الإسرائيلى" بالسلاح أو الكلمة شريك فى جريمة الإبادة بغزة، لكنه ما لبث أن سحب البيان من صفحاته الرسمية. تصرف بدا فى ظاهره غامضًا، لكنه لم يمر مرور الكرام، إذ استغلته جماعة الإخوان ومنصاتها الإعلامية فى حملة منظمة للتشكيك فى مواقف الأزهر، متجاهلين بيانًا لاحقًا أصدره المركز الإعلامى للأزهر، أوضح فيه أسباب هذا القرار النابعة من المسئولية الشرعية والإنسانية تجاه الوضع فى غزة. بيان الأزهر الذى تم حذفه دعا الأمة العربية والإسلامية لمناصرة الشعب الفلسطينى، لكن بعد ساعات تم حذف البيان، مما أثار موجة تعليقات على مواقع التواصل، تبعها سيل من التلميحات والاتهامات من منصات تابعة لجماعة الإخوان. غير أن المركز الإعلامى للأزهر الشريف أصدر بيانًا توضيحيًا جاء فيه «بادر الأزهر الشريف بسحب بيانه بكل شجاعة ومسئولية أمام الله حين أدرك أن هذا البيان قد يؤثر على المفاوضات الجارية بشأن إقرار هدنة إنسانية فى غزة لإنقاذ الأبرياء، وحتى لا يُتخذ من هذا البيان ذريعة للتراجع عن التفاوض أو المساومة فيها؛ لذا فقد آثر الأزهر مصلحة حقن الدماء، وأملًا فى أن تنتهى المفاوضات إلى وقف فورى لشلالات الدماء، وتوفير مقومات الحياة التى حرم منها هذا الشعب الفلسطينى المظلوم». حملة الإخوان.. تشويه ممنهج ورغم التوضيح الصادر عن الأزهر، ووضوح دوافعه الأخلاقية والشرعية؛ فإن منصات الإخوان الإعلامية تعمدت تجاهل البيان التوضيحى، وواصلت بث رسائل تشكك فى استقلالية الأزهر وتتهمه ب«الخنوع» و«السكوت المتعمد»، فى تكرار لممارسات التضليل الإعلامى القديمة. كما تعمدت صفحات ومنصات الإخوان ووسائلهم الإعلامية انتقائية التغطية، فلم تُشر هذه الصفحات مطلقًا إلى مواقف الأزهر السابقة، ولا إلى تصدره الدفاع عن القدسوفلسطين فى مناسبات متعددة؛ بل اختزلت تاريخه كله فى منشور تم سحبه بدافع إنسانى. فيما رصدت وحدة رصد الخطاب الإلكترونى بمؤسّسات إعلامية رسمية تصاعدًا ملحوظًا فى تفاعل الحسابات الإخوانية والمناوئة للدولة المصرية مع واقعة الحذف، عبر محاور رئيسية، أولها اتهام الأزهر ب«الخضوع» حيث قامت منصات تابعة للإخوان مثل «التقرير المصرى»، و«نافذة مصر»، و«الشرق برس»، ببث رسائل تشكك فى استقلالية الأزهر، وادعت أن حذف البيان «جاء بأوامر سيادية»، وهو ما لم يصدر بشأنه أى دليل أو تصريح رسمى. كما تم تصوير الأزهر ك«تابع للسلطة»؛ حيث استغل إعلام الجماعة الحادث لربط الأزهر بالدولة، فى سياق حملاتهم المعتادة على مؤسّسات الدولة المصرية، زاعمين أن الأزهر «فقد دوره الريادى» فى الدفاع عن قضايا الأمة، رغم أن التاريخ يشهد بعكس ذلك، إضافة إلى تضخيم الحدث وتسييسه؛ حيث نشر الإخوان مقاطع فيديو مفبركة ومقالات مضللة تربط الحذف ب«موقف مصر من حماس»، رغم أن القاهرة تلعب دور الوسيط الإقليمى الأساسى لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين. الدكتور عبدالحليم العزمى، أمين عام الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، اعتبر فى تصريحات خاصة ل«روزاليوسف»: أن رسالة الأزهر واضحة، وأن دعمه لغزة ليس موضع شك؛ بل هو ثابت ومستمر عبر تاريخه ومواقفه التى لا تقبل المزايدة، ولكن الإخوان كعادتهم اقتنصوا اللحظة ليمارسوا هوايتهم فى التضليل». وقال: «لقد تابعنا بكل أسف الحملة المغرضة التى أطلقتها جماعة الإخوان الإرهابية وبعض منصاتها الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعى، والتى استغلت حذف بيان صادر عن الأزهر الشريف حول الأوضاع المأساوية فى قطاع غزة؛ لتشن هجومًا ممنهجًا ضد مؤسّسات الدولة المصرية وعلى رأسها الأزهر، متهمة إياها بالتقاعس أو التخلى عن نصرة القضية الفلسطينية، وهذا افتراء باطل يخالف الحقيقة ويهدف إلى خلط الأوراق وتشويه المواقف الوطنية فى لحظة حرجة تمر بها الأمة. وأكد أن بيان الأزهر الشريف الذى تم حذفه لم يكن تراجعًا عن الموقف؛ بل كان نابعًا من وعى وطنى عميق؛ حيث أوضح المركز الإعلامى للأزهر أن سحب البيان جاء تجنبًا لإعاقته مسار مفاوضات جارية بشأن هدنة إنسانية فى غزة، ومنعًا من استخدام البيان كذريعة لتعطيل أو إفشال الجهود الدولية المبذولة لوقف المجازر وتخفيف المعاناة، وهو موقف يُحمَد عليه الأزهر؛ لأنه وضع مصلحة دماء الأبرياء قبل أى مكسب إعلامى أو سياسى. ولفت إلى أن الإخوان استغلوا موقف الأزهر ليحدثوا بَلبَلة، ويطالبوا بإغلاق السفارات المصرية ويدعون إلى الفوضى ويطلقون الشتائم والتحريض، فى محاولة مكشوفة لتخفيف الضغط الدولى المتزايد على إسرائيل بعد أن باتت صور المجاعة فى غزة وصرخات الأطفال الجوعى تحاصر تل أبيب أخلاقيًا أمام شعوب العالم. وقال د.«عبدالحليم»: إن ما تقوم به جماعة الإخوان اليوم ليس إلا جريمة جديدة بحق فلسطين، إذ يسعون لتشتيت التركيز عن الجانى الحقيقى عبر تشويه مصر واتهامها زورًا، بينما هى من أكبر الداعمين سياسيًا وإنسانيًا لغزة، وقد فتحت المعابر وقدمت المساعدات وتحركت دبلوماسيًا فى كل اتجاه. وطالب جماهير الأمة أن تتنبه إلى هذه الخدع، وأن تدرك أن المعركة الحقيقية هى ضد الاحتلال الصهيونى، لا ضد المؤسّسات الوطنية التى تقف مع فلسطين بوعى ومسئولية، لا بشعارات جوفاء. عملية تهوين فيما أكد الدكتور علاء الشال، الباحث فى شئون الأزهر، ل«روزاليوسف»: إن ما قامت به جماعة الإخوان وأبواقها الإعلامية هو «عملية تهوين وإضعاف متعمدة لقيمة الأزهر الشريف»، بسبب حذف البيان الأخير عن غزة. وأوضح أن «الأزهر قرر حذف البيان إعلاءً للمصلحة العليا فى التفاوض، فربما كانت هناك اعتبارات دبلوماسية تتطلب تهدئة إعلامية. ولو ظل البيان منشورًا، لقيل عنه إنه تمرد من الأزهر على الوضع الأمنى فى غزة». وتابع الدكتور الشال: «الأزهر الشريف ينطلق من أسُس ثابتة فى خدمة الإسلام فى كل مكان، وجهوده فى دعم القضية الفلسطينية لا ينكرها إلا جاحد». تحليل المحتوى الإخوانى ووفقًا لتحليل أجرته وحدة «مرصد الأزهر للفتاوى الشاذة»، فإن ما يزيد على 70% من المنشورات التى تناولت بيان الأزهر تم تضخيمها، بينما اعتمدت على تكهنات لا تستند لمصادر موثوقة، كما ظهرت علامات التنسيق بين الصفحات الإخوانية خارج مصر مثل (تركيا- لندن- قطر). التحليل يؤكد أن «الإخوان يستثمرون أى تفصيلة لتحريك رأى عام سلبى ضد الدولة المصرية، حتى لو كانت معلومة غير دقيقة، أو بيان لم يمر عليه ساعات. هم لا يدافعون عن غزة؛ بل يوظفونها لتصفية حساباتهم السياسية». كما تجاهلت الحملة الإخوانية عن عمد تاريخ الأزهر الشريف فى دعم القضية الفلسطينية، ومنها: - بيانات متتالية لشيخ الأزهر منذ 2021 بشأن العدوان على غزة. - مؤتمر عالمى بعنوان «نُصرة القدس» نظمه الأزهر عام 2018. - مواقف متكررة فى خطب الجمعة والدروس داخل الجامع الأزهر. - تصريحات شيخ الأزهر فى مؤتمر روما بأن القدس ليست قضية سياسية بل قضية عقيدة وأمة. لقد أظهرت واقعة بيان الأزهر كيف تحاول الجماعة استغلال كل حدث دينى أو سياسى لبث التشكيك، وتشويه صورة المؤسّسات الوطنية، حتى لو كان ذلك على حساب دماء الأبرياء فى غزة. كما كشفت كيف تُدار حملات التشويه الممنهجة تجاه مؤسّسة وطنية وعالمية لها ثقلها مثل الأزهر الشريف. حذفُ الأزهر لبيان عن غزة لم يكن ضعفًا؛ بل موقف مسئول مدفوعًا بفقه الأولويات، وحرصًا على دماء الأبرياء... وإذا كانت بعض الأطراف تحترف المتاجرة بالقضية الفلسطينية؛ فإن الأزهر لا يزال ثابتًا فى دعمه لها قولًا وفعلًا، بعيدًا عن الأضواء، وعبر مواقف تحفظ الحق وتحمى الأرواح.