1 عزيزى القارئ مهنة الصحافة شديدة التنظيم والدقة كما تعلمنا من الأساتذة الكبار، ويوجد بها عدة أقسام داخلية تختلف حسب طبيعة الإصدار ذاته، وكل قسم به عدد من المحررين المختصين ورئيس للقسم، وهذه نقطة مهمة جدا، فلكى تظهر المعلومة -حتى وإن كانت من سطر واحد - يجب أن يقدمها صحفى مدرب جيدًا ومتخصص ومحل ثقة، وكل هذا يخضع للاختبار عدة مرات من رئيس القسم حتى يتأكد تمامًا أن الصحفى مؤهل ومتمكن من نقل الخبر. 2 التخصص في الصحافة قد يفرض على الصحفي العمل لعدد سنوات ليس بالقليل في قسم معين دون غير وقد يستمر على تخصصه إلى أن تنتهي علاقته بالمهنة ، وهذا سر تمكن وشهرة نجوم الصحافة. 3 والتخصص والتمكن قد يؤهلان الصحفى بعد ذلك إلى مرتبة أعلى وهى أن يصبح محللا أو ناقدا ويكون له مساحة رأى باسمه، مثل النقاد الرياضيين، أو الفنيين أو المحللين السياسيين والاقتصاديين . 4 ومن هذا الأمر أيضًا عزيزى القارئ يمنح رئيس التحرير للصحفي تصاريح تغطية الجهات الرسمية المتعلقة بالقسم الذى يعمل به ليقدمها إلى تلك الجهات ثم توافق هى عليها، ويصبح بذلك الصحفي مندوبا معتمدا من هذه الجهة ومن الجريدة لحضور المؤتمرات والفعاليات وإجراء الحوارات والتحقيقات مع مسئولى هذه الجهة. 5 وهذا الإجراء به فائدة مزدوجة، فالجريدة مستفيدة من وجود محرر لها داخل هذه الجهة يغطي أخبارها، والجهة مستفيدة من خبرة التخصص التي تلقاها المحرر داخل القسم بجريدته وبالتالى هو الأجدر بفهم المعلومة ونقلها. 6 عندما يحصل المحرر على هذه الإجازة يكون قد مر عبر مرحلة طويلة من التدريب والمذاكرة، فالأمر لا يحتمل أى قدر من الفوضى. 7 ظهر علينا مؤخرًا نقيب الصحفيين بفكرة من إبداعاته هى مقترح بإجراء تعديل نص المادة 12 من قانون 180 لسنة 2018 الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام، والتى تنص على «للصحفى أو للإعلامى فى سبيل تأدية عمله الحق فى حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير فى الأماكن غير المحظور تصويرها، وذلك كله بعد الحصول على التصاريح اللازمة فى الأحوال التى تتطلب ذلك»، وبالتالي المادة عبارة عن غطاء قانوني لعرف صحفى معمول به منذ عشرات السنوات، لكن النقيب طالب بإلغاء الجملة الأخيرة التي تفيد بحصول المحرر على التصاريح اللازمة، ضاربًا عرض الحائط كل ما ذكرناه سلفًا من كيفية تنظيم العمل الصحفى داخل المؤسسات الصحفية. 8 على أن تستبدل هذه التصاريح بكارنيه النقابة، وهذا الأمر به عدة أفخاخ، أولًا هو إلغاء سلطة رئيس التحرير فى الموافقة أو الرفض فيما يتعلق بتنظيم حضور المؤتمرات والفعاليات حتى تظهر المؤسسة الصحفية بشكل لائق يحفظ قدرها وتحل النقابة محل المؤسسة الصحفية وبالتأكيد بداهة سيحل النقيب محل رؤساء التحرير، الفخ الثاني هو تحميل الجهات سلطات أوسع في رفض أو قبول الصحفيين على اعتبار أن المؤسسات الصحفية يدها ستصبح مغلولة إن طبقنا اقتراح النقيب وقد مرت الصحافة بمرحلة مشابهة تماما لهذه الحالة إبان أحداث يناير وما تلاها وعمت الفوضى فى التغطية الصحفية واختلط عمل المهنى المتخصص بمن دونه وكانت النتيجة أن بعض الوزارات أغلقت أبوابها تمامًا في وجه كافة الصحفيين حتى استعادت الصحافة تنظيمها الداخلي مرة أخرى وعادت الأمور إلى مساراتها الطبيعية الرسمية، الفخ الآخر وقد لفت نظرى له واحد من أهم الصحفيين المتخصصين في الصحافة القومية للأسف رفض أن أذكر اسمه، قال إن هذا التعديل سيشعل نارًا داخل المؤسسات لا يعلم مداها إلا الله لأن حضور المؤتمرات والفعاليات الرسمية هى المكافأة التي يمنحها رئيس القسم للمحررين المجتهدين وأحيانًا قد يسمح بأن يرافقهم محررون تحت التمرين فكيف سيتمكن من فعل ذلك إن أصبح الأمر «سداح مداح»، وأن يشعر المحرر المجتهد أن فرصته ممنوحة لكل من هب ودب، بعد هذا المقترح لا يسأل أحد عن انهيار مستوى التغطية الخبرية وعمل الأقسام، والأمر الآخر أنه سيقتل فكرة التخصص التي تقوم عليها الصحافة الخبرية كلها. 9 كنت أتوقع من نقابة الصحفيين أن ترتب أوراقها الداخلية وتقترح تعديل قانونها الذى عفى عليه الزمن ويعود للعهد الاشتراكي. 10 لكن يبدو أن الإلهاء سيصبح سيد الموقف.