يعتقد الكثيرون أن معنى «توطين الصناعة فى مصر» هو مجرد وجود مصانع للتجميع كما يحدث فى صناعة السيارات أو للتصنيع الذى يعتمد اعتمادًا كليًا على المكونات والمنتجات المستوردة من الخارج كما فى صناعة الأدوية، ولكن المفهوم الصحيح لمعنى التوطين فى السياق المصرى هو نقل وتطوير التكنولوجيا والإنتاج محليًا بدلاً من الاعتماد على الاستيراد، بحيث يتم تصنيع المكونات داخل مصر، مع تعزيز سبل التوريد محليًا، ورغم الجهود المبذولة من جانب الدولة المصرية والقيادة السياسية لتوطين الصناعة إلا أنه مازال هناك تحديات كثيرة تُعطل وتؤخر عمليات التوطين، مثل انخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأكثر شيوعًا فى المعاملات الاقتصادية، ناهيك عن تصدى أصحاب النفوذ من رجال الأعمال والمستثمرين المستفيدين من نصف الصناعة فى مصر، ورغم ذلك لا نستطيع أن نغفل الجهود التى تُبذل للتوطين من جانب الدولة المصرية وحكومتها، منها مبادرة «ابدأ» لدعم الصناعة الوطنية بهدف التركيز على القطاعات ذات الأولوية مثل الأدوية والإلكترونيات والسيارات والنسيج والغذاء والأسمدة، كما تمنح الدولة إعفاءات ضريبية وتسهيلات استثمارية للمصانع المحلية، ولا ننسى أهمية الدور الذى تقوم به وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، فى تمويل مشروعات بحثية مرتبطة بالصناعة وإنشاء جامعات تكنولوجية لتخريج كوادر مدربة على استخدام وتشغيل أحدث المعدات الصناعية، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار وريادة الأعمال الصناعية، ومؤخرًا قامت التعليم العالى بنشر أولى حلقات سلسلة «بديل المستورد 2025» لتعزيز التصنيع المحلى، بالتعاون مع المركز القومى للبحوث، التى تُسلط الضوء على منتجات بحثية مصرية قابلة للتطبيق الصناعى، الحلقة الأولى تقدم منتج «السليلوز الميكروبلورى من مصاص القصب»، وهو مكون أساسى فى صناعة أقراص الدواء، يُستخدم كمادة رابطة وحاملة للمادة الفعالة وهذا المنتج يُعد بديلًا محليًا عالى الجودة لمادة مستوردة بتكلفة مرتفعة، مما يُسهم فى خفض تكلفة الدواء وتعزيز التصنيع الدوائى الوطنى، كما قامت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بتنظيم الملتقى الدورى لخدمة الصناعة الوطنية، الذى أكد فيه الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالى والبحث العلمى أن دعم الربط بين البحث العلمى والصناعة يُمثل أحد الأولويات الوطنية فى إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى، حيث إنه من الأهمية تحويل نتائج الأبحاث إلى تطبيقات صناعية ملموسة تُسهم فى دعم الاقتصاد الوطنى، وتُعزز من مكانة مصر كمركز إقليمى للابتكار، بالإضافة إلى أن البحث العلمى التطبيقى هو القاعدة الأساسية لتحقيق اقتصاد تنافسى مستدام قائم على المعرفة والابتكار، حيث تم خلال الملتقى عرض «24» منتجًا ونموذجًا أوليًا من إنتاج مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية، فى مجالات الزراعة، والغذاء، والطاقة، والصحة، والسكان، والصناعات الاستراتيجية، كما أن فتح باب التقدم لمشروعات بحثية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى فى مجال الزراعة وإدارة المياه بتمويل يصل إلى «250» ألف يورو لكل جانب فى المشروع الواحد، وتأتى هذه المبادرة بهدف تعزيز التعاون وتحقيق التكامل البحثى والعلمى بين دول حوض البحر المتوسط من خلال دعم مشروعات بحثية مشتركة مقدمة من تحالف يضم أربع جهات من دول مختلفة، فى محاولة للتصدى للتحديات المشتركة المتعلقة بالإنتاج الغذائى المستدام، وتوفير وإدارة الموارد المائية، كما أن هذا البرنامج يُمثل فرصة متميزة للباحثين المصريين للمشاركة فى مشروعات دولية تخدم أولويات الدولة فى مجالى الأمن الغذائى وإدارة الموارد المائية، مما يعكس حرص الدولة المصرية على الانفتاح العلمى والتكنولوجى مع شركائها الإقليميين والدوليين لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز دور البحث العلمى فى خدمة قضايا المجتمع.. وتحيا مصر.